كورونا.. لماذا يصر البعض على التجمع من أجل الصلاة في زمن الوباء؟
(بي بي سي):
مازالت جماعات دينية متعددة في شتى أرجاء العالم تتحدى التوصيات العلمية بتجنب تنظيم التجمعات وإقامة الشعائر الجماعية من أجل وقف إنتشار فيروس كورونا.
وقد حَدت هذه الظاهرة بمفوض الأمم المتحدة الخاص بحرية الديانات والمعتقدات، محمد شهيد، إلى حض الحكومات على "تقييد بعض مظاهر الإيمان الديني إذا كانت تشكل تهديدا للصحة العامة"، مضيفا أن القانون الدولي يسمح بإجراءات كهذه.
وقال محمد شهيد في حديث خص به بي بي سي إنه يعتقد أن على الزعماء الدينيين أن يلعبوا دورا في ثني أتباعهم عن التجمع وتشجيع التباعد الإجتماعي.
وقال "إن للزعامات الدينية مسؤولية – إن لم نقل الواجب القانوني – في إعلاء مصالح المجتمع".
تجمعات رغم إنتشار فيروس كوفيد 19
وفي وقت أحيا معظم المسيحيين مؤخرا شعائر عيد الفصح بمفردهم ودون وجود الآخرين، أقامت بعض الكنائس في الولايات المتحدة صلوات جماعية.
ونُقل عن أحد رجال الدين في ولاية لويزيانا، وإسمه توني سبيل، قوله إن ألفا من المصلين حضروا قداس يوم أحد الفصح الذي أقامه في كنيسته، وذلك رغم الحظر الذي كان فرضه حاكم الولاية على التجمعات التي تضم أكثر من 50 شخصا.
وفي باكستان، يتجاهل عدد من رجال الدين المسلمين الحظر الحكومي على التجمعات التي تضم أكثر من خمسة أشخاص.
وبدأت الحكومة الباكستانية بتخفيف بعض القيود التي كانت قد فرضتها، وهناك دعوات تطلقها بعض الزعامات الدينية بالسماح للناس بالتجمع للصلاة، خصوصا في شهر رمضان.
ويقول رئيس الحكومة الباكستانية عمران خان إنه سيتناقش مع رجال الدين حول الإجراءات التي ينبغي إتباعها في رمضان.
يُذكر أن بعضا من حالات الإصابة بكوفيد 19 في باكستان حصلت لأناس عائدين من زيارات دينية قاموا بها لدول أخرى في الشرق الأوسط وآخرين حضروا تجمعات أقامتها جماعة "تبليغي جماعت" الدعوية.
كما أن المناسبات التي أقامتها الجماعة المذكورة رُبطت أيضا بانتشار الوباء في الهند وإندونيسيا وماليزيا.
وفي كوريا الجنوبية، تم تشخيص الآلاف من حالات الإصابة، كان العديد منها ذا صلة بكنيسة شينشيونجي، وهي جماعة لا تعلن عن نفسها ويصفها كثيرون بأنها تشبه طائفة دينية.
واعتذرت هذه الجماعة في الأسابيع الأخيرة عن دورها في نشر الوباء، وتقول إنها تتعاون مع السلطات. ولكن مسؤولين يقولون إن بعض أفرادها ما زالوا يرفضون الخضوع للفحص.
وكان علماء وأطباء قد حذروا مرارا من أن التجمع قد يؤدي إلى انتشار الفيروس بشكل أكبر، وقد يعرض حياة الناس إلى الخطر.
إذا ما هو السبب الذي يدفع هؤلاء إلى التجمع من أجل العبادة رغم هذه التحذيرات؟
العبادة كحاجة أساسية
يقيم ماثيو شميتز، وهو من أتباع الكنيسة الكاثوليكية، في ولاية بنسلفانيا الأمريكية التي حظرت كافة القداسات العامة.
ويقول ماثيو إن الكنيسة حاجة أساسية، وإنه يمكن إتباع نفس إجراءات التباعد الإجتماعي فيها كالتي تتبع في محلات بيع الأطعمة.
ويضيف: "كل من يدافع عن فتح المتاجر وإغلاق الكنائس حتى لو فرضت الأخيرة نفس الإجراءات إنما يلمح إلى أنه يعتبر التجارة أكثر أهمية من العبادة".
ويعتقد أن الذهاب إلى الكنيسة والمشاركة في بعض الطقوس "عبارة عن أسلوب متميز في الحصول على البركة".
ويقول "الرغبة في أن يكون الإنسان قريبا من زوجه لا تدل على ضعف مشاعر الحب التي يكنها لذلك الشخص، بل تدل على قوة تلك المشاعر. أعتقد أن الشيء نفسه ينطبق على حب الإنسان للرب".
مسألة ثقة
ويقول باستيان روتينس، وهو عالم نفس هولندي متخصص بالأديان والمعتقدات، إن نظرة الناس إلى حكوماتهم لها أثر في الطريقة التي يتعاملون بها مع النصائح والإرشادات الحكومية، مضيفا أنه في الولايات المتحدة مثلا "هناك انعدام ثقة متجذر بالحكومة".
ويضيف: "يجد البعض صعوبة حقيقية في إتباع إرشادات الحكومة، لأنهم لا يثقون بالدولة أصلا".
ويعتقد روتينس أن ذلك يعني أن هؤلاء أقل أرجحية بالوثوق بما يقوله الخبراء المرتبطين بالحكومة مثل العلماء والأطباء.
ويمضي للقول "لا أستطيع تصور حدوث شيء مماثل في هولندا لأننا ليس لدينا هذه الشكوك في دوافع المؤسسات والسلطات".
إتباع القائد
يشجع رؤساء الدول في بعض الحالات الناس على التجمع من أجل العبادة.
فالرئيس التنزاني جون ماغوفولي، الذي يحمل شهادة دكتوراه في الكيمياء، حث مواطنيه على الإستمرار في الذهاب إلى الكنائس والمساجد.
وقال في خطبة ألقاها في احدى الكنائس "فيروس كورونا شيطان، ولا يمكنه العيش داخل جسد يسوع لأنه سيحترق على الفور. هذا هو وقت تعزيز إيماننا".
ولم تفرض تنزانيا إغلاقا شاملا، ولكنها أغلقت المدارس وحظرت التجمعات العامة غير الدينية.
ويتفق الشيخ حسن سعيد تشيزينغا، وهو الناطق الرسمي بإسم مفتي تنزانيا، مع وجهة نظر رئيس الجمهورية، ويقول "إن الصلاة التي تؤديها في المسجد أفضل 27 مرة من الصلاة في دارك".
ويقول "لذا فإن صلاة الجماعة أثناء هذه الشدة مهمة جدا لأننا ندعو من الله أن يساعدنا في التغلب على الفيروس".
ولكن الشيخ حسن يضيف بأنه لو قررت الحكومة فرض إغلاق تام، فإن المجلس الوطني الإسلامي التنزاني سيمتثل لهذا القرار.
ويقول إن المساجد في تنزانيا الآن تقيم شعائر أقصر وتطلب من المصلين أن يجلبوا سجاداتهم معهم وأن يغسلوا أياديهم باستمرار.
ولكن فيروس كورونا سهل الإنتقال وبإمكانه العيش لفترات طويلة على الأسطح، ولذا فالإجراءات المذكورة ليست كافية بنظر العديد من خبراء الصحة العامة.
الحرية الدينية
يقول كثيرون إن التجمع من أجل العبادة جزء مهم من الحرية الدينية.
ولكن مفوض الأمم المتحدة محمد شهيد يقول إن للحرية الدينية حدود.
ويقول "حق الإنسان في إظهار معتقداته الدينية مقيد بمدى إمكانية تسببه في ضرر للآخرين فيما يخص حقوقهم وحرياتهم وفيما يخص الصحة العامة. لذا فإن التمسك بالحرية الدينية يعني أن الفرد لا يعرف المعنى الحقيقي لهذه العبارة".
أما باستيان رويتينس فيقول إن هذا الفيروس جديد جدا وغير معروف الخواص، ولذا يتوجب التعامل معه بسرعة.
ويضيف: "في هذه المرحلة، أعتقد أنه من الصعب تغيير السلوكيات إلا من خلال فرض اجراءات صارمة".
ويمضي للقول "أهم شيء يمكن فعله هو التأكد من أن جميع الحكومات توصل المعلومات إلى شعوبها بشكل واضح ومقنع وفعّال".
ويشدد على القول: "الشعوب بحاجة إلى أن تشعر بأن حكوماتها تسيطر على زمام الأمور، كما أنها بحاجة إلى أن تثق بالخبراء الذين يقدمون النصائح للحكومات".
فيديو قد يعجبك: