"لحظة حرجة".. تشومسكي يتحدث عن كورونا وتهديدين اخرين للعالم
كتبت- هدى الشيمي:
في أوقات الأزمات يحتاج العالم إلى كبار قاده ومفكريه ليضعوا روشتة ربما تنير الطريق نحو المستقبل. يحتاج الناس إلى سماع هؤلاء المفكرين - أمثال نعوم تشومسكي - ليحللوا ما يجري على الساحة في زمن جائحة فيروس كورونا، وفي زمن رجل الأعمال النيويوركي دونالد ترامب الذي يحكم الولايات المتحدة، القوة الأكبر في العالم الآن.
في إطلالة نادرة، تحدث تشومسكي، عالم اللسانيات الأشهر على كوكبنا والمعارض الشرس للسياسات الأمريكية منذ سنوات عديدة، عن الجائحة التي هزت الكوكب وأركعت أعتى الاقتصادات.
تحدث في مقابلتين مؤخرا عبر الإنترنت من عزلته الذاتية في ولاية أريزونا لاأمريكية مع تلفزيون (ديم 25) وبرنامج الديمقراطية الآن التي تقدمه الصحافية الأمريكية آمي جودمان.
قال تشومسكي الجائحة جاءت كتحذير كاشف عن عيوب ذلك النظام العالمي الذي نعيشه، وجوانب الخلل على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
وأوضح أن تداعيات فيروس كورونا المسبب للمرض الذي بات يعرف باسم (كوفيد-19)، ستكون مؤقتة. وأكد ضرورة التعامل مع الجائحة بخطاب تعبوي لو أن العالم في حالة حرب.
وأشار إلى تعامل الولايات المتحدة مع الحرب العالمية الثانية، فرغم أنها قادت البلاد إلى دين كبير، إلا أنها ضاعفت التصنيع الأمريكي ودفعت بالنمو لأقصى درجة.
وقال إن الخيارات المتاحة بعد فوات تلك الجائحة ستكون أما دول أكثر استبدادية ووحشية، أو أخرى تجري إعادة بناء جذرية لمجتمعاتها وفق شروط أكثر إنسانية.
بيد أن المفكر اليساري حذر من أمرين نظر إليها على أنهما أكثر رعبا وخطورة من ذلك الفيروس القاتل: الحرب النووية والاحتباس الحراري.
صب صاحب ال91 عاما جام غضبه - كالعادة - على السياسات النيوليبرالية التي تحكم جل العالم الآن، وقال إنها فاقمت من تلك التهديدات.
قال تشومسكي: "ما يصعب الأمور، هو أن ترامب يقود البلاد في هذه الأوفات الحاسة، الشخص الذي يصفه عديدون بالمعتل".
وأضاف: "فيروس كورونا خطير بما يكفي، ولكن من الضروري الإشارة إلى أن هناك تهديدين أكبر يقتربان، وهما أسوأ بكثير من أي شيء حدث في تاريخ البشرية، وهما تزايد الاتجاه نحو الحرب النووية، والآخر هو زيادة التهديدات الناجمة عن الاحتباس الحراري".
وفقًا لتشومسكي، فإن فيروس كورونا مروع وله عواقب وخيمة، ولكنه سينتهي في وقت ما، بينما لا يمكن معالجة الأضرار الناتجة عن التهديدين الاخرين: الحرب النووية والاحتباس الحراري.
حذر تشومسكي خلال حديثه مع الصحفية الإذاعية إيمي غودمان من مخاطر الاحتباس الحراري، وقال: "ترتفع مُعدلات الاحتباس الحراري بشكل لا يرحم، كان هذا الأعوام أكثر سخونة من الذي سبقه".
التعبئة العامة
قال المُفكر الأمريكي إن قوة الولايات المتحدة لا يُمكن الاستهانة بها، وبرر ذلك بأنها الدولة الوحيدة التي عندما تفرض عقوبات على دول أخرى مثل إيران أو كوبا، فإن الجميع يسير على خطاها بما في ذلك الدول الأوروبية.
وتابع: "هذه الدول تعاني من العقوبات الأمريكية، لكن ما يُثير الدهشة والسخرية فإن في هذه الأزمة هو كوبا تساعد أوروبا، فيما لا تستطيع ألمانيا مساعدة اليونان".
إذا أردنا التعامل مع هذه الأزمة فعلينا الانتقال إلى شيء يُشبه التعبئة في زمن الحرب ، حسب تشومسكي، مُشيرًا إلى أن بلد غني مثل الولايات المتحدة لديها الكثير من الموارد التي تساعدها على التغلب على المشكلات الاقتصادية والاجتماعي الناتجة عن الفيروس، وتستطيع القيام بما فعلته خلال الحرب العالمية الثانية، عندما أعلنت واشنطن التعبئة العامة، ورغم أن هذا القرار تسبب في كبر الدين، ولكنه في النهاية ساعد على انعاش عمليات التصنيع، الخروج من الكساد، وفيما بعد استعادت قدرتها على النمو.
قال تشومسكي: "نحتاج إلى هذه العقلية الآن من أجل التغلب على هذه الأزمة على المدى القصير، وتمكن الدول الغنية من التعامل معها".
قال تشومسكي إن أزمة فيروس كورونا قد تدفع الناس إلى صنع العالم الذي نريد العيش فيه، خاصة إذا قررت الدول الغنية مساعدة المحتاجين عوضًا عن خنقهم.
أزمة متوقعة
يعتقد تشومسكي أن أصول هذه الأزمة ترجع إلى السياسات النيوليبرالية التي فاقمت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وجعلتها أكثر عمقًا.
وقال: "من المعروف منذ فترة طويلة أن الأوبئة قد تحدث في أي وقت، وكان من المتوقع أن نشهد أزمة وباء كورونا وهو فيروس آخر خاصة وأنه نسخة أخرى مُعدلة من وباء سارس، لذا كان بالإماكن عمل لقاحات، وتطوير طرق لحماية البلاد من الأوبئة التاجية المُحتملة".
قال: "المعلومات كانت موجودة، لكننا لم ننبته، في أكتوبر 2019، كانت هناك محاكاة واسعة النطاق في الولايات المتحدة، وأظهرت أن العالم مُعرض لخطر وباء مُحتمل، ولكن لم يفعل أحد شيئًا".
وفي 31 ديسمبر الماضي، أبلغت الصين منظمة الصحة العالمية بانتشار مرض الالتهاب الرئوي، وبعد أسبوع توصل العلماء الصينيون إلى فيروس كورونا المُستجد، وقدموا المعلومات للعالم.
لفت تشومسكي إلى أن دول المنطقة، الصين، كوريا الجنوبية وتايوان عملوا كل شيء لاحتواء الفيروس، على الأقل في أول موجات انتشاره، ثم حدث ذلك في أوروبا، ألمانيا على سبيل المثال تحركت في الوقت المناسب، وكان لديها نظام صحي ومستشفيات موثوق فيها، كانت قادرة على التصرف بمفردها دون الحصول على مساعدة من الآخرين، وفي النهاية استطاعت احتواء الأزمة بصورة معقولة.
في المقابل، تجاهلت دول أخرى هذه التحذيرات كما بريطانيا والولايات المتحدة، بحسب تشومسكي.
لحظة حرجة في تاريخ البشرية
قال تشومسكي إن العالم يعيش الآن لحظة حرجة للغاية، ليس فقط بسبب الفيروس، والتي من المفترض أن تساعد الجميع على اكتشاف العيوب العميقة في العالم، والخلل الكبير الذي أصاب النظام الاجتماعي والاقتصادي، والسياسات النيوليبرالية التي من الضروري أن تتغير حتى تكون هناك فرصة للبقاء.
وتابع: "ينبغي أن تكون هذه الأزمة رسالة تحذير ودرسًا نتعامل معه اليوم لمنع حدوث انفجار".
وعلق المُفكر الأمريكي على العزلة الاجتماعية التي يعيشها أكثر من 2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم، قال: "علينا التغلب على هذه الحالة من خلال إعادة الروابط الاجتماعية، ومساعدة الأشخاص المحتاجين، التواصل معهم، وتطوير المنظمات، وتوسيع التحليل".
وأضاف: "الامر لن يكون سهلاً، لكنه سيمر فالبشر مروا بمشاكل في الماضي".
فيديو قد يعجبك: