هل يؤثر وباء كورونا على الديناميكيات الاستراتيجية في الشرق الأوسط؟
القاهرة- ( د ب ا):
ليس هناك شك في أن أي أزمة عالمية دائما ما تسفر عن تحولات في أي دولة ومجتمع في العالم ، ومن بينها منطقة الشرق الأوسط، بطبيعة الحال. وتدور التساؤلات في الوقت الراهن عن طبيعة التحولات التي سوف تسفر عنها أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) في المنطقة.
وترى داليا داسا كاي، وهى من كبار علماء السياسة ومديرة مركز السياسة العامة للشرق الأوسط التابع لمؤسسة البحث والتطوير الأمريكي ( مؤسسة راند)، أنه ليس من المحتمل أن تؤدى أزمة كورونا إلى ديناميكيات استراتيجية جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وتتوقع أن تعزز هذه الأزمة الديناميكيات الحالية والتي تعتبر سلبية إلى حد كبير.
وكتبت كاي في تقرير لها نشره موقع "راند" على الانترنت أن من أبرز الديناميكيات الاستراتيجية التي من المرجح أن تزداد سوءا، العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، فقد تميل الدولتان إلى اعتبار الأزمة فرصة لمضاعفة ما تم اتخاذه من إجراءات سابقة اسهمت في استمرار الصراع بينهما، حيث تواصل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ممارسة سياسة "الضغط القصوى" رغم عدم تحقيقها نتائج استراتيجية حتى الآن، ورغم ما أسفرت عنه من تصدعات في العلاقات مع دول أوروبا وحلفاء آخرين.
وتشير التقارير إلى سعي البعض داخل الإدارة الأمريكية إلى استغلال أزمة كورونا للاستفادة من ضعف إيران المتزايد وإرغام طهران على العودة إلى مائدة المفاوضات.
أما القادة الإيرانيون، فقد نفد صبرهم الاستراتيجى بعد عام من الالتزام بالاتفاق النووي الإيراني في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة منه، وبعد تأكدهم من أن هذه الاستراتيجية لم تحقق لهم سوى قدر ضئيل من التعافي الاقتصادي الذي كانوا يأملون أن تسهم فيه دول أوروبا أو آسيا.
وبدأت إيران تكبيد سياسات "الضغط القصوى" الأمريكية خسائر من خلال استهداف الناقلات والمنشآت النفطية ، وكذلك الأصول العسكرية الأمريكية، والعسكريين الأمريكيين. وفي ظل التصعيد المستمر خلال الشهور التي أعقبت مقتل اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ربما ترى إيران والميليشيات الشريكة لها في فيروس كورونا فرصة لمهاجمة القوات الأمريكية دون التعرض لخطر انتقام كبير في الوقت الذى تحاول فيه إخراج الولايات المتحدة من العراق.
والنتيجة هي احتمال أن يرى الجانبان أن هناك مزايا للتصعيد، مما يسفر عن مأزق أمنى تقليدي قد يؤدي إلى صراع عسكري أكبر كثيرا مما يرغب فيه الجانبان.
وفيما يتعلق بانغماس الصين وروسيا المتزايد في المنطقة، ترى العالمة الأمريكية كاي أن المشاركة الروسية المتزايدة في المنطقة انتهازية إلى حد كبير، وليس من المحتمل أن تتغير نتيجة للأزمة الراهنة، كما توضح التطورات في سورية. وترى أن دور الصين في الشرق الأوسط هو الأكثر أهمية ومدعاة للمراقبة. فالصين تقوم بالفعل، وبدرجة كبيرة، بالاستثمار وبناء البنية التحتية في المنطقة من خلال مبادرة الحزام والطريق.
وعلى الرغم من أن المصالح الاقتصادية تحرك هذه الاستراتيجية إلى حد كبير، ليس من الصعب تخيل تزايد النفوذ الصيني في المجالات السياسية والاستراتيجية مع مرور الوقت. ويرى محللون بالفعل أن أزمة كورونا تعزز صعود نجم الصين التي تستغل ما تواجهه الولايات المتحدة من عثرات لتظهر نفسها كرائد عالمي في مجال مكافحة جائحة كورونا، حيث تقوم بإرسال فرق طبية، و 250 ألف كمامة إلى إيران، على سبيل المثال.
ورغم هذه التوقعات السلبية، تقول كاي إنه من المحتمل حدوث انفراجات دبلوماسية قليلة، مشيرة إلى التقارب بين مجلس التعاون الخليجي وإيران، إذ أنه منذ الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط والتي بدأت الصيف الماضي، أجرت دول رئيسية من مجلس التعاون الخليجي مثل دولة الإمارات العربية المتحدة، مباحثات أمنية بحرية مع الإيرانيين، حيث إن تكاليف المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران أضرت بالفعل بدول الخليج. وبذلك، ليس من قبيل المفاجأة أن رد الفعل الإماراتي بالنسبة لفيروس كورونا الذي أصاب إيران بشدة على نحو خاص تمثل في تسهيل شحنات الامدادات الطبية.
كما ترى كاي أن من بين انفراجات فيروس كورونا تزايد الضغط من أجل إطلاق سراح السجناء السياسيين في أنحاء منطقة الشرق الأوسط ، لا سيما في إيران، في ضوء خطر العدوى واسع النطاق في أماكن الاحتجاز المزدحمة بظروفها الصحية السيئة. وافرجت إيران مؤقتا عن حوالى 85 ألف سجين، بينهم سجناء سياسيون، بسبب وباء كورونا. كما أفرجت البحرين عن حوالى 1500 سجين "لأسباب انسانية".
وفي ختام تقريرها، تقول كاي إن الأوبئة تعبر الحدود السياسية والجغرافية، وأشارت في ذلك الصدد إلى التعاون الإسرائيلي الفلسطيني، إذ يبدو أن هناك تعاونا على مستوى عال بين إسرائيل والمسؤولين الفلسطينيين، والذي يشمل غرفة عمليات مشتركة لاحتواء انتشار الفيروس. كما اتصل الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليشكره على التعاون رفيع المستوى في مواجهة الوباء
وتعتبر غزة، التي تعانى بالفعل من ظروف إنسانية وصحية سيئة للغاية نتيجة سنوات الحصار تحت حكم حماس، موضع قلق خاص في ما يتعلق بحدوث حالات إصابة جديدة بالفيروس. وحذرت منظمة الصحة العالمية من أن النظام الصحي في غزة لن يستطيع التعامل مع أي تفش للفيروس في القطاع الذي يقطنه مليونا نسمة. وترى كاي أن مثل هذه الأخطار توفر فرصا لتخفيف الحصار وربما تسفر عن وقف لإطلاق النار.
وتؤكد كاى أن مثل هذه الانفراجات قد تكون محدودة وقصيرة الأجل، وأنه إذا لم يحدث تطور يؤدى إلى تغيير جوهري في المنطقة ، قد يبقى المسار الاستراتيجي الكئيب في الشرق الأوسط على ما كان عليه قبل تفشى فيروس كورونا.
فيديو قد يعجبك: