خلافات أوروبا تطفو على السطح.. هل يفكك "كورونا" القارة العجوز؟
كتب - محمد صفوت:
نجا الاتحاد الأوروبي، من أزمات عدة طوال تاريخه، هددت بعضها بتفكك التكتل، فمن أزمة عمليات الإنقاذ المالي في منطقة اليورو، مرورًا بأزمة الهجرة، وصولاً لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن ما شكله فيروس كورونا، أزمة حقيقة للتكتل الأوروبي هدد بتدميره نهائيًا.
وسلطت صحيفة "جارديان" البريطانية، في تقرير لها، الضوء على الأزمة الحالية التي تشهدها أوروبا، والانتقادات الموجهة إلى التكتل الأوروبي، التي من شأنها إعادة الأحقاد الأوروبية إلى السطح.
كورونا يهدد التكتل الأوروبي
وفي تصريح نادر، لجاكديلورز رئيس المفروضة الأوروبية السابق وأحد المساهمين في إنشاء الاتحاد الأوروبي بشكله الجديد، حذر من أن عدم التضامن الأوروبي يشكل خطرًا قاتلاً للتكتل الأوروبي.
ويقول إنريكو ليتا، رئيس الوزراء الإيطالي السابق، في تصريح للصحيفة البريطانية، إن الاتحاد الأوروبي يواجه ما وصفه بـ"خطر مميت" من الوباء الجديد، مضيفًا: "نواجه أزمة مختلفة عن الأزمات السابقة، بسبب التفشي السريع لوباء كورونا".
وأرجع ليتا، الخطر الحقيقي على الاتحاد الأوروبي، إلى الأزمات السابقة التي أضعفته خلال العقود الماضية.
ويرى رئيس الوزراء الإيطالي السابق، أن الروح المجتمعية، في أوروبا أضعف اليوم مما كانت عليه قبل 10 سنوات، مضيفاً أن أكبر خطر على الاتحاد الأوروبي هو "فيروس ترامب"، على حد تعبيره.
وحذر من استخدام الدول الأوروبية لاستراتيجية "بلدي أولاً" قائلاً: إن هذه السياسة ستؤدي إلى تفكك الاتحاد الأوروبي تمامًا.
وفي نفس الصدد، ترى ناتالي توسي، المستشارة السابقة لرئيس السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، وباء كورونا باللخظة الفاصلة للمشروع الأوروبي، متابعة: "إذا سارت الأمور على نحو سيئ، فإن هذا يخاطر بأن تكون نهاية الاتحاد، فالأزمة تغذي الشبعوية القومية".
وأشارت توسي، إلى تراجع شعبية زعيم ايمين المتطرف الإيطالي ماتيو سالفيني، مع ارتفاع شعبية رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، مضيفةً: "في بعض الأوقات، يحتاج الجمهور إلى القائد العقلاني، المعتدل، المطمئن، لكن هذا ليس الثابت في أوروبا".
يشار إلى أن بعض الدول الأوروبية، فرضت حظر تصدير للأدوات الطبية، ووضعت ضوابط حدودية جديدة خلال الأزمة تاركة مواطني بعض الدول الأوروبية الأخرى عالقين في المطارات وعلى الحدود.
في حين فتحت ألمانيا والنمسا ولوكسمبورغ مستشفياتها لعلاج المرضى من أكثر البلدان تضررًا، وتبرعت فرنسا وألمانيا بأقنعة أكثر لإيطاليا من الصين، وفقًا للمدير التنفيذي للاتحاد الأوروبي.
في مرحلة مبكرة من الأزمة، أرسلت روسيا والصين إمدادات طبية إلى إيطاليا، في حين فشل أقرب جيرانها في الاستجابة الفورية لنداءات روما للمساعدة
في الوقت الذي اجتمع فيه القادة الأوروبيون حول الاستجابة لأزمة الصحة العامة - تعهد بتعديل نظام إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، وتمويل أبحاث اللقاحات والمشتريات المشتركة للأدوات الطبية - لا تزال الدول منقسمة حول كيفية مساعدة الاقتصاد على تجاوز العاصفة.
كورونا أعاد فتح الجرح الأوروبي
تقول "جارديان" إن وباء كورونا، أعاد فتح جراح أزمة منطقة اليورو، وأحيا القوالب النمطية للأوروبين، بين الجنوبيين المسرفين، والأوروبيين الشماليين المجتهدين الحريصين على قيم العمل وادخار الأموال.
وترى هيذر جراب المستشار السابق لمفوض توسيع الاتحاد الأوروبي، أن كل أزمة قللت الثقة بين الدول الأعضاء وداخل النظام بأكمله وهذه مشكلة حقيقية.
الأسبوع الماضي، أثار وزير المالية الهولندي، ووبكيهكسترا، حفيظة جيرانه بالسؤال عن سبب عدم امتلاك الحكومات الأخرى لحواجز مالية للتعامل مع الصدمة المالية لوباء كورونا المستجد.
ووصف رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا، تصريحاته بـ" البغيضة، وذات عقلية صغيرة" مؤكدًا أنها تهديد لمستقبل الاتحاد الأوروبي.
كورونا عزز الانقسام الأوروبي
وترى "جارديان" إن إيطاليا البلد الأوروبي الأكثر تضررًا من أزمة كورونا، حالة استثنائية في دول أوروبا الجنوبية.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإنه مع انقسام أوروبا بين معسكرين، حول كيفية معالجة التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا، فإن إيطاليا وأسبانيا وما لا يقل عن 6 دول أوروبية أخرى، إصدار ديون مشتركة في منطقة اليورو، ما يسمى "سندات كورونا"، رغم مخالفة ذلك للاتفاقية المنظمة للاتحاد الأوروبي، بينما تستمر ألمانيا والنمسا وهولندا في تجنب الفكرة.
وترى الصحيفة البريطانية، أن الانقسام الأوروبي يمثل كتلتين رئيسيتين هما، سكان أوروبا الفقيرة بحسب المعايين الأوروبية، وهم سكان الدول الجنوبية في القارة العجوز، باستثناء فرنسا التي لا يمكن وصفها بالفقيرة بتلك المعايير.
أما المعسكر الثاني فيضم بالأساس ألمانيا والنمسا وهولندا، والتي يمكن وصفها بأوروبا الجرمانية الشمالية، وأن الانقسام ليس اقتصاديًا فقط، بل يمتد لما هو أعمق، فهو انقسام ثقافي وعرقي وتاريخي ويعود لأكثر من 2000 عام، بني على حدود نهر الراين منذ عهد الإمبراطورية الرومانية.
فشلت القمة الأوروبية الأسبوع الماضي، التي عقدت بين الزعماء الأوروبيون في التوصل إلى قرار، ومررت المشكلة لوزراء مالية الاتحاد، الذين تلقوا تعليمات لإيجاد مخرج، خلال اجتماعهم المقرر له الأسبوع المقبل.
وأشارت الصحيفة، أنه مع تصاعد أزمة كورونا في أوروبا، تجاهل الاتحاد الأوروبي، تآكل المعايير الديمقراطية في المجر، بعد تبني البرلمان المجري، لقانون طوارئ قدمه الرئيس فيكتور أوربان الذي استمر لمدة عشر سنوات حول مركزية السلطة.
ويعتقد السياسيون الأوروبيون، أن أزمة كورونا ستقلل الاهتمام بمعايير أوروبية أقرت سابقًا بينها الديمقراطية، وستسمح لدول باتخاذ إجراءات مخالفة للاتحاد في ظل انشغاله بأزمة كورونا.
ويعتقد لوك فان ميدليار، أستاذ قانون الاتحاد الأوروبي الذي عمل لرئيس المجلس الأوروبي خلال أزمة منطقة اليورو، أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يبتكر طريقة للخروج من الانقسامات الحالية.
وأضاف، إن الاتحاد الأوروبي غير مجهز داخليًا للتعامل مع أي أزمة أو ظروف غير متوقعة، ولكن في كل مرة تحت ضغط الأحداث فإنه يحسن الحلول.
لافتًا إلى أنه خلال أزمة منطقة اليورو، استغرق الأمر عامين لتصميم حل الاتحاد المصرفي الأوروبي، مؤكدا أنه في الأزمات من الطبيعي أن يستغرق الأمر بعض الوقت، محذرًا في نفس الوقت، أن أزمة كورونا لا تمنح التكتل الأوروبي الكثير من الوقت، وأن هذا المقلق في الأمر.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن إصدار "سندات كورونا" كشف الانقسام الأوروبي، مؤكدة أن استجابة القادة الأوروبيون سيشكل في نهاية المطاف الرأي العام.
وكشفت عن استطلا رأي أجري في 12 مارس، أكد أن 88% من الإيطاليين، شعروا بالفشل الأوروبي وتخلي الاتحاد الأوروبي عنهم مع تفشي الوباء.
في حين رأى 67٪ أن عضوية الاتحاد الأوروبي خطأ فادح، وهي نتيجة مثيرة للانتباه لدولة هي عضو مؤسس في الاتحاد.
وتختتم الصحيفة البريطانية، قائلة: "إنه إذا ساد الانقسام الأوروبي، فإن ما سيبقى في الذاكرة لوقت كبير هو التسارع الصيني الروسي لمساعدة إيطاليا، وتخلي الاتحاد الأوروبي وجيرانها عن مساعدتها في تلك الأزمة."
فيديو قد يعجبك: