"عقوبتي تحمّلها طفلي".. رسالة مؤثرة من سجين أمريكي قبل وفاته بكورونا
كتب - محمد صفوت
خلف أسوار سجن لويزيانا الفيدرالي، صاغ السجين باتريك جونز، رسالته طالبًا العفو المشروط بعدما قضى 13 عامًا داخل السجن الفيدرالي بتهمة الإتجار بالمخدرات، في وقت لم يكن يعلم أن وباءً جديدًا ربما يأتي وينهي حياته قبل رؤية نجله، الذي بلغ السادسة عشر من عمره.
"أشعر أن إدانتي وعقابي، لم يكن لي وحدي، لكنه عقوبة تحملها طفلي، لا أملك من الكلمات ما يعبر عن ندمي، أنا آسف؛ لا تبرر غياب الأب عن هدفه في الحياة.. وهو تربية طفله" بهذه الكلمات بعث جونز، رسالته في 15 أكتوبر الماضي، إلى قاضي المقاطعة الأمريكية آلان ألبريت، طالبًا العفو المشروط ليكمل حياته بجوار نجله الذي حرمه السجن منه لأكثر من 13 عامًا.
في عام 2007، ألقت الشرطة الأمريكية، على باتريك جونز، وعثرت على مخدر الكوكايين، في شقته التي يقطنها مع زوجته، والتي شهدت ضده في المحكمة ليقضي القاضي، بمعاقبته بالسجن 27 عامًا، نظرًا لسجله الإجرامي فمن عمليات السطو إلى الإتجار بالمخدرات.
كتب جونز، رسالته آملاً في تخفيف العقوبة والعفو المشروط عنه بموجب قانون "الخطوة الأولى"، الذي يهدف إلى إصلاح العدالة الجنائية ووقعه دونالد ترامب في ديسمبر 2018، وبموجبه أفرج عن مدانين بجرائم مخدرات شريطة عدم ارتكاب أعمال عنفًا.
وفي إشارة لرقمه الفيدرالي داخل السجن، كتب جونز: "لطفلي تجربته الخاصة في التربية، وسيثبت تجربتي في الحياة ويعطي لوجودي في هذا العالم معنى، و"83582-180" (رقمه الأمني في السجن) لا معنى له إنه مجرد رقم يجب نسيانه، الآن أنا شخص جيد أعمل بجدية ونظيف من المخدرات وأصبحت أذكى ومدركًا للحياة بشكل أعمق".
تقول شبكة "إن بي سي نيوز" الأمريكية، إن القاضي رفض الطلب في 26 مارس الماضي، ومات جونز بعد يومين فقط، إثر إصابته بفيروس كورونا المستجد، ليصبح أول نزيل فيدرالي يموت بسبب الوباء.
وتقول محامية جونز، أليسون لومان، إن من المفارقة أن وفاته هي من جعلته يتلقى بعض الاهتمام، واتلفت قضيته، لقد قضى 12 عامًا يطعن على الحكم.
"نرى كل الأخطاء في نظام الأحكام لدينا، أشعر أن حياة جونز انتزعت منه، بالحكم عليه وبتركه يموت في سجنه" بهذه الكلمات عبر كيفين رينج رئيس مجموعة الدفاع عن العدالة الجنائية، عن حزنه لوفاة جونز.
ويوضح رينج، أسباب المدة التي حكم بها على جونز، قائلاً: "إن سجله الجنائي ملئ بجرائم المراهقين التي ارتكبها في سن صغير، وتجارته في عقارات مختلفة، وقربه من أحد الكليات".
تقول الشبكة الأمريكية، إن وفاة جونز، لفتت الانتباه إلى المرضى داخل السجن، بعد إعلان وفاة خمس سجناء في أوكديل جراء كورونا، وإصابة آخرين، ما دفع المسؤولين إلى التوقف مؤقتًا عن إجراء فحوصات كورونا للسجناء.
وبحسب مكتب السجون، فإن نتائج اختبارات 18 سجينًا على الأقل وأربعة من العاملين كانت إيجابية، لكن قادة نقابات السجون يقولون إن الأرقام أعلى بكثير.
وعبر ضابط إصلاحات، رفض الكشف عن هويته، عن خوفه من وباء كورونا خلال فترة عمله، ونقل العدوى إلى أسرته والمجتمع، مضيفًا: "الخوف ينتشر ولا تعرف متى سينتهي".
نشر وباء كورونا الرعب، داخل السجون الأمريكية، ما دفع المدعي العام الأميركي وليام بار، إلى إعلان "حالة الطوارئ" في مكتب السجون الفيدرالي بسبب انتشار الوباء، ما يمهد الطريق أمام المكتب لبدء الإفراج عن مزيد من السجناء ونقلهم إلى "الحبس المنزلي".
وتقول الشبكة الإخبارية، إن المحطة الأخيرة في حياة جونز، كانت صعبة كحياته التي بدأت في تكساس، واتسمت بالاضطرابات، فمن العيش في منزل جدته، في بيت شهد أطفالًا عدة، إلى التنقل بين منازل أقاربه وأصدقائه، وفي مراهقته عاش في الشارع يتنقل من مكانًا لآخر، وفقًا لعريضة الرأفة التي قدمها للمحكمة.
وبحسب ملفات المحكمة، فإن أول حكم صدر بحقه وهو في الـ17 من عمره، بتهمة السطو والسرقة، وعاملته المحكمة كرجل بالغ، وقضى عامين في السجن، لم يمض عامًا على إطلاق سراحه، قبل أن يعود إلى السجن مرة أخرى، بعقوبة 20 عامًا، في مايو 1992، بعد إلقاء القبض عليه بتهمة بيعه الكوكايين لضابط سري.
في عام 2000، حصل جونز، على الإفراج المشروط، واستقر في شقه التي قبض عليه فيها في يناير 2007؛ إذ اقتحمت رجال مسكنه، بموجب أمر اعتقال لامرأة لم يجدوها، لكنهم عثروا على مخدر الكوكايين، وشهدت زوجته ضده بعد شهرين من المحاكمة، واعترفت بكسب الأموال من بيع المخدرات.
وفقًا لـ"إن بي سي نيوز" استخدمت الحكومة الفيدرالية، عوامل عدة لتعزيز حكم المحكمة وضمان بقاء جونز في السجن لفترة أطول، مستندة في ذلك لقرب أحد الكليات من منزله، ودوره كمنظم للنشاط الإجرامي، وتجنيد المراهقين، وتوصيل المخدرات إلى زبائنه، فضلاً عن اتهامه سابقًا وهو في عمر الـ17 و21 عامًا، ما جعلها تعامله مع كل تهمة كحكم منفصل، ما أدى إلى إصدار حكم بسجنه 27 عامًا.
تقول شقيقته الصغرى ديبرا، إنها فوجئت بشدة العقوبة، مضيفة: "اتخذ أخي بعض القرارات السيئة في حياته، لكن هذا لا يجعله شخصًا سيئًا".
قدم جونز، في أكتوبر 2016، طلبًا للعفو عنه، مشيرًا إلى أحكام المحكمة والتغييرات في المبادئ التوجيهية للحكم التي كان من شأنها أن تؤثر بشكل مباشر على قضيته، وقال محاموه وقتها إنه إذا حُكم عليه، فمن المحتمل أنه كان سيحصل على فترة أقل من 10 سنوات من تلك التي حصل عليها.
وفي طلب الالتماس الذي قدمه محامو جونز قبل 4 سنوات، أكد أنه لم يكن لديه تاريخ في العنف، أو ارتباط بعصابات فضلاً عن أنه قضى طفوله دون وجود منزل دائم، إنه سجين نموذجي، نجح في شق طريقه داخل السجن للعمل بالمخبز الخاص به، وهي مهنة يأمل أن يمارسها حال أطلق سراحه.
رفض الالتماس، وتلقى محاموه رسالة من مكتب وزارة العدل لمحامي العفو، تفيد بأنه رفض الالتماس، وتقول محاميته إنها عندما أعلنت ذلك لجونز، عبر عن قلقه وتساءل عما إذا كانت ستفقد وظيفتها لعدم نجاحها في الحصول على الالتماس له.
عقب لقاء محاميته به، كتبت إلى القاضي رسالة قائلة: "إنه مثال واضح للشخص الرقيق والرحيم".
في ديسمبر 2018، وقع ترامب قانون الخطوة الأولى، ما جعل جونز يرى بصيصًا من الأمل، وسرعان ما كتب التماسًا جديدًا، لتخفيف عقوبته بموجب القانون الجديد.
رفض المدعون الالتماس مرة أخرى، وعللوا ذلك بأن جونز لم يكن مراهقًا وله دور قيادي في توزيع المخدرات، وكتب القاضي في حكمه، أن "جونز مذنب، له سجل جرائم سابقة وفي كل مرة يحصل على العفو المشروط، يعود إلى السجن، وعلى الرغم من أن الجزء الأكبر من جرائمه ارتكب في سن الـ17، فقد أظهر الجانب الإجرامي في كل مرة يفرج عنه".
وتقول الشبكة الإخبارية، إن محامية جونز، ظلت على اتصال به عبر نظام البريد الإلكتروني للسجن الفيدرالي، على الرغم من عدم تعاملها معه في محاولاته الأخيرة للحصول على العفو.
كتب لها جونز عشية رأس السنة الماضي: "عام جديد سعيد لك وقد يحضر هذا العام أشياء رائعة في طريقك".
في 27 فبراير الماضي، كتب جونز رسالة إلى محاميته: "في انتظار سماع شيء جيد، لم أحصل على أي معلومات بعد، السجن به الكثير من الحركة مؤخرًا آمل أن أكون ضمن المفرج عنهم قريبًا".
في مارس، تبادل جونز ومحاميته الرسائل، وتحدثت الأخيرة عن الوباء الجديد، مع ارتفاع أعداد ضحايا كورونا في الولايات المتحدة، والمخاوف من تفشي الفيروس في السجون الأمريكية.
وفقًا للشبكة الإخبارية الأمريكية، فإن جونز كتب رسالة إلى محاميته قبل 5 أيام من تقديمه شكوى لموظفي السجن بشأن السعال المستمر، في 14 مارس الماضي، وكشف لها عن عدم حصوله على العفو، والذي كان خبرًا حتى لمحاميته، موضحًا سبب تأخر النظر في الالتماس، بأن المحامي العام لم يحضر إلى مكتبه منذ شهرين.
وكتب جونز: "تحدثت مع مسؤول، وأبلغني بأنه لم يتصل بي أحد، وأنه سيحاول مساعدتي في تقديم استئناف"، مضيفًا: "على أي حال كفى عن مشاكلي".
فيديو قد يعجبك: