كورونا.. الوباء في الواقع مقابل الوباء في الروايات؟
واشنطن- (بي بي سي):
هل الحقيقة أغرب من الخيال، كما أشار الكاتب الأمريكي مارك توين ذات مرة؟
الآن لدينا جميعا فرصة للحكم بأنفسنا، لأن الصحفي الأمريكي المخضرم لورانس رايت كتب للتو رواية مثيرة، من المقرر إصدارها في وقت لاحق من الشهر الجاري، بعنوان "نهاية أكتوبر".
تتحدث الرواية عن جائحة عالمية - مرض يشبه الإنفلونزا - يبدأ في الشرق الأقصى، لكنه ينتشر في جميع أنحاء العالم. ينفجر ذلك الوباء في السعودية خلال موسم الحج السنوي، حيث يوجد في مكة نحو ثلاثة ملايين حاج ويتم إغلاقها.
هل يبدو هذا خياليا؟ ليس كذلك، عندما تتذكر أن الصين وضعت في الآونة الأخيرة حوالي 11 مليون شخص في مدينة ووهان تحت الإغلاق، واتُخذت إجراءات مماثلة في جميع أنحاء العالم.
كتب رايت مؤخرا: "الكتاب ليس نبوءة، لكن ظهوره في وسط أسوأ جائحة في الذاكرة الحية ليس من قبيل الصدفة تماما".
لقد أخبرني أن فكرة الرواية بدأت كسيناريو سينمائي قبل عقد من الزمن، حين طلب منه المخرج "ريدلي سكوت" أن يكتب سيناريو حول نهاية الحضارة. لم يكتمل ذلك العمل أبدا. لكن، كما يقول، كانت القصة تلاحقه دائما، وقرر العودة إليها كرواية.
بصيرة نافذة
كصحفي متميز ومؤلف للعديد من الكتب الواقعية الناجحة للغاية، تعامل رايت مع الأمر تماما مثل أي مهمة صحفية أخرى، حيث يقوم بإجراء بحث وإعداد مفصل.
عندما تنقل من خبير إلى خبير، سمع رايت تحذيرات واضحة من حدوث شيء مثل الفيروس التاجي. لم يكن السؤال الأساسي "ماذا لو حدث" لكن "متى"، والأهم من ذلك، سأل الكثير عن مدى استعداد الحكومات للتعامل مع مثل هذا الوباء.
ويقول: "أتاح البحث في الرواية فرصة لي، للغوص بعمق كاف لفهم كيف ستسير مثل هذه الأزمة. تم إعداد الكتاب في عام 2020. لقد قمت بالفعل بإنشاء تقويم على جهاز الكمبيوتر الخاص بي، يوضح مكان بطلي وكيف كان المرض يتقدم".
كان الكثير من أبحاثه نافذة البصيرة بشكل مخيف.
يقول: "لقد رأيت ذلك بمثابة ناقوس خطر. لكن بالطبع، بحلول الوقت الذي سيظهر فيه الكتاب، يصبح الأمر أشبه بيوميات الكاتب الإنجليزي (دانييل فوي) عن عام الطاعون، يصور الأحداث التي يمكنك قراءتها في الصحيفة كل يوم، وغالبا يبدو لي متسقا مع الأحداث في تقويمي".
إن استخدام رايت لرواية لتقديم حجته أو وجهة نظره هو مجرد جزء من اتجاه متزايد.
في السنوات الأخيرة أدار عدد من المؤلفين الآخرين، الذين يتوقون للتعامل مع التحديات الرئيسية التي قد تهدد أسلوب حياتنا، ظهورهم للكتب الرصينة غير الروائية أو الكتب شبه الأكاديمية، وجربوا صيغة الإثارة بأنفسهم.
مسيرة الروبوتات
بي دبليو سينغر، الذي يعمل في مركز أبحاث "نيو أميريكا"، خبير رائد في الطريقة التي تؤثر بها التكنولوجيا الجديدة على حياتنا، خاصة في المجالين العسكري والأمني. لقد أصبح بسرعة محنكا في هذا النوع من الأدب؟.
في عام 2015، شارك مع المؤلف "أوغوست كول" في كتابة رواية تسمى "أسطول الأشباح"، التي تتحدث عن المستقبل القريب، وصورت الصين ما بعد الشيوعية تشن هجوما عسكريا متطورا تقنيا، ضد الولايات المتحدة في المحيط الهادئ.
كتابهم الجديد، الذي يصدر في مايو المقبل، يسمى Burn-In ، ويصف نفسه على الغلاف بأنه "رواية لثورة أجهزة الروبوت الحقيقية".
لقد التقيت سينغر عدة مرات، لإعداد مواد صحفية حقيقية بشأن الطائرات بدون طيار، والتنافس عالي التقنية وما إلى ذلك. إذن، لماذا ننتقل الآن إلى الروايات، للتعامل مع الروبوتات والذكاء الاصطناعي؟.
قال لي: "نشعر أن ثورة تاريخية تحدث من حولنا، حرفيا واحدة من أهم الثورات البشرية، والتي ستعيد تشكيل العالم من حولنا". لكن مدى التغيير المحتمل غامض إلى حد كبير بالنسبة لمعظم الناس.
يقول: "لذا، فكرنا في مزج الخيال والحقيقة، بطريقة جديدة تبرز كليهما، وتثبت أيضا فائدتها في مساعدة الناس، على فهم أفضل للتغييرات القادمة. معظم الناس، بما في ذلك بصراحة معظم القادة، لن يخصصوا الوقت لقراءة بعض الأوراق الأكاديمية التقليدية، لكنهم سيقرؤون رواية تشويق".
في الواقع، يرى سينغر أن التغييرات والتهديدات، التي تم تسليط الضوء عليها في رواية Burn-In، أصبحت أكثر حدة بسبب أزمة فيروس كورونا.
ويقول: "جميع الاتجاهات التي تتزايد في الكتاب - مثل الانتقال إلى المزيد من الذكاء الاصطناعي، والعمل عن بُعد والمراقبة، بل وأيضا عدم الثقة الاجتماعية والسياسية - كانت موجودة بالفعل قبل الوباء. لكن الدلائل تشير إلى أنها سوف تتسارع بشكل كبير بسببه".
ويرى أن مجموعة متنوعة من الأدوار، التي كانت ستشهد انتقالا تدريجيا ومقاومة مجتمعية، قد تم دفعها إلى الأمام في غضون أسابيع. لقد تم دفع جيل كامل بسرعة إلى التعلم عن بُعد، والعمل عن بُعد، وتم نشر استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنية الروبوتات، في أدوار تتراوح من مراقبة تفشي الوباء، إلى الحلول محل أطقم التنظيف البشرية في كل مكان، من مترو الأنفاق إلى المستشفيات.
ويؤكد أنه "بعد انتهاء التفشي، من غير المرجح أن تعود 100 في المئة من هذه الأدوار والأنماط، ببساطة، إلى ما كانت عليه".
استشراف المستقبل
هذا النوع من الروايات - التي تسعى إلى استقراء الاتجاهات والتحذير من المخاطر المحتملة في المستقبل - ليست جديدة، على الرغم من أنها ربما تكون قد خرجت، إلى حد ما، عن النمط السائد خلال العقود الأخيرة والذي كانت أكثر تفاؤلا.
في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان هناك انفجار في الكتب، التي تحذر من تزايد التنافس الدولي وتهديد الصراع في المستقبل.
وكتب مؤلفون متنوعون، مثل هربرت جورج ويلز من بريطانيا وكابتن دانريت من فرنسا، عن القتال المستقبلي الذي يستخدم أحدث التقنيات، وكيفية تطورها خلال السنوات القادمة.
احتوت تلك الروايات على دبابات وقوات جوية، وأسلحة كيماوية وحتى بيولوجية. بعد بضع سنوات فقط جاءت كارثة الحرب العظمى.
رواية لورانس رايت تجاوزتها الأحداث إلى حد ما. ومع ذلك، سيكون من الرائع رؤية كيف تضاهي روايته الخيالية التداعيات الحقيقية للوباء.
لقد رفض أن يخبرني كيف ستنتهي الرواية، وحتى لو كان قد فعل، فلن أفسد الأمر عليك. لكنه يحاول أن يضرب نغمة متفائلة في هذه الأوقات الصعبة للغاية.
ويقول: "أعتقد أن هذه الأزمة فرصة عظيمة لإعادة تشكيل الحضارة، ليس فقط في الولايات المتحدة، ليس فقط في مجال الرعاية الصحية، ولكن في تغير المناخ، في السياسة، الرعاية الاجتماعية ، وغيرها من المجالات التي لم نتخيلها بعد ".
ويعود رايت إلى سابقة تاريخية لإثبات قضيته. ويلاحظ أن "الطاعون الأسود يمثل نهاية العصور الوسطى وبداية عصر النهضة". ويرى أن جائحة فيروس كورونا "ليس حدثًا ملحميا، على الأقل نأمل ألا يكون كذلك، لكنها تقدم درسا عن من نحن، والتحدي الذي نواجهه للحفاظ على حضارتنا وتطويرها".
فيديو قد يعجبك: