محلل أمريكي: أزمة ترامب مع الصين جعجعة بلا طحن
واشنطن (د ب ا)
بعد سنوات من التصريحات القوية الغاضبة ضد الصين بشأن الممارسات التجارية، ثم الحديث عن احتمال تسرب فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) من أحد المعامل الصينية، يهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الآن بقطع العلاقات مع الصين تماما.
فهل تتجه العلاقات بين الصين والولايات المتحدة نحو مزيد من التدهور؟ هذا السؤال طرحه الكاتب والمحلل الأمريكي ديفيد فيكلنج في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء عن مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية.
ففي مقابلة مع قناة فوكس بيزنس نيوز التلفزيونية الأمريكية في الأسبوع الماضي قال ترامب "يمكن أن نقطع العلاقات كلها الآن... إذا قمنا بذلك ماذا سيحدث؟ سنوفر 500 مليار دولار". في المقابل كتب هو شي جين رئيس تحرير صحيفة "جلوبال تايمز" الشعبية في الصين على موقع التواصل الاجتماعي تويتر يقول "خطر المواجهة العسكرية بين البلدين (الصين والولايات المتحدة) يتصاعد رغم أن أيا من الجانبين لا يريد الحرب".
وبحسب ديفيد فكلينج فإن إلقاء نظرة على العلاقات المتوترة للصين مع دول أخرى، سنرى أن بكين تعتمد على الواقعية السياسية أكثر مما تركز على "الذات".
على سبيل المثال، تمر العلاقات الوطيدة بين الصين وأستراليا بمرحلة تصحيح صعبة، مع تهديد الصين بفرض رسوم على وارداتها من الشعير الأسترالي وفرض حظر على استيراد اللحم البقري من بعض المجازر، ردا على دعوة أستراليا إلى إجراء تحقيق لمعرفة ما إذا كانت أسواق الطيور والحيوانات الحية في الصين هي المسؤولة عن ظهور فيروس كورونا المستجد. في الوقت نفسه فإن صادرات أستراليا إلى الصين، تزيد عن إجمالي صادراتها إلى أكبر أربع شركاء تجاريين لها بعد الصين.
وعلى الصعيد الدبلوماسي مازال الغضب يسيطر على العلاقة بين كانبرا وبكين منذ سنوات. وكان آخر لقاء جمع بين زعيمي البلدين في 2016. ولم يضع الرئيس الصيني شي جينبينج أستراليا على جدول رحلاته الخارجية المزدحم منذ 2014. وشهدت العلاقات الثنائية تصاعدا في التوتر بسبب قوانين مكافحة النفوذ الأجنبي في أستراليا وملف حقوق الإنسان في الصين وقيام الأخيرة باعتقال الكاتب الأسترالي يانج هينجوين وحتى فضيحة تناول السباح الصيني صن يانج للمنشطات، والذي قررت اللجنة الأوليمبية الدولية إيقافه.
ورغم كل هذه الخلافات، مازالت العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الصين وأستراليا جيدة كما هي دائما. فالواردات الصينية من أستراليا خلال العام الماضي وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. وعدد الدارسين الصينيين المسجلين في الجامعات الأسترالية وصل إلى مستوى قياسي ليبلغ ضعف العدد في بداية عودة الدفء إلى العلاقات بين البلدين عام 2014.
وفي العام الماضي، تركزت الدبلوماسية التجارية بين بكين وكانبرا، حول ادعاءات أستراليا بأن الصين تستخدم إجراءات التفتيش الجمركي لفرض حظر ناعم على صادرات الفحم الأسترالي، ومع ذلك زادت كمية صادرات الفحم الأسترالي إلى الصين حتى نهاية مارس بنسبة 21 في المئة عن العام السابق.
ويرى المحلل الأمريكي ديفيد فكلينج أن أفضل تفسير لهذا الشكل غير المعتاد للعلاقات هو أنه في حين يمكن أن تحاول القيادة الصينية ممارسة البلطجة على دول صغيرة مثل النرويج، فإن غريزة البقاء تجعل هذه القيادة واقعية للغاية عندما يتعلق الأمر بواردات أساسية من شركاء تجاريين رئيسيين. هذه الحقيقة تظهر في حالة كوريا الجنوبية التي زادت صادراتها إلى الصين بنسبة 11 في المئة عام 2017 عندما كانت العلاقات السياسية بينهما في أسوأ حالاتها بسبب قيام الولايات المتحدة بنشر منظومة الدفاع الصاروخي المضادة للصواريخ ثاد في كوريا الجنوبية.
ومن أستراليا ينتقل المحلل الأمريكي ديفيد فكلينج إلى العلاقات مع البرازيل، حيث جاء الرئيس البرازيلي جاير بولوسونارو إلى السلطة وهو يبدو مصمما على تبني خطابا معاديا للصين في كل مناسبة. ولكن قادت الصين رفضوا بحسم التجاوب مع إساءات الرئيس البرازيلي وعملوا بدأب على تطوير العلاقات مع دولة البرازيل التي تعتبر مصدرا رئيسيا لخام الحديد وفول الصويا واللحوم.
كذلك فالولايات المتحدة تتصرف بنفس الطريقة الصينية رغم كل الكلمات المعادية والنارية التي تصدر من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.
فبعد ثلاث سنوات من الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، كانت قيمة الاستثمارات التي ضختها الشركات الأمريكية في الصين خلال 2019، قريبة من نفس الاستثمارات السنوية منذ 2005 وتبلغ 14 مليار دولار سنويا، بحسب بيانات مؤسسة "روديوم جروب" للاستشارات. وفي حين تراجع تدفق الاستثمارات الصينية إلى الولايات المتحدة، فإن ذلك جاء في إطار تراجع عام للاستثمارات الصينية في الخارج، ونتيجة القيود التي فرضتها الولايات المتحدة على الشركات الصينية، ونتيجة قرار صيني لمعاقبة أمريكا على مواقفها التجارية.
ومع ذلك فإن التدهور البطيء للعلاقات الأمريكية الصينية مازال مثيرا للقلق، بخاصة مع تصاعد الحديث عن المواجهة داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي في واشنطن وعلى مختلف مستويات القيادة في الصين. فالدول التي تبدأ النظر إلى بعضها البعض باعتبارها متنافسة، سرعان ما تتصرف على هذا النحو. وإذا لم يتم التحرك لاستعادة العلاقات الودية، فقد يصبح من المستحيل الخروج من دائرة عدم الثقة بين الجانبين.
وأخيرا، فعندما تشتد الحرب الكلامية بين قادة الدول، يجب تذكير الجميع بأن العلاقات بين الدول هي علاقات بين شعوب وشركات، أكثر مما هي بين الدبلوماسيين والرؤساء. ومن هذا المنظور فإن العلاقات الأمريكية الصينية مازالت دافئة للغاية.
فيديو قد يعجبك: