"تعامل الشرطة والتواصل الاجتماعي".. كيف تحولت احتجاجات أمريكا إلى "عنف"؟
كتب - محمد صفوت:
اتسعت رقعة الاحتجاجات الأمريكية، على خلفية مقتل جورج فلويد الأمريكي من أصول أفريقية، أثناء اعتقاله وبث فيديو مدته ١٠ دقائق لمحاولة اعتقاله وتقيده أرضًا ووضع أحد رجال الشرطة ركبته على رقبة فلويد، ما أشعل الغضب في البلاد.
كانت أغلب التظاهرات سلمية إلا أن بعضها اتسم بالعنف، حيث أحرق متظاهرون سيارات للشرطة وحطموا واجهات المحال وحرقوا بعض المباني الحكومية في عدد من الولايات والمدن، ما دفع سلطات الولايات إلى فرض حظر تجوال ليلي أو إعلان حالة الطوارئ والدفع بقوات الحرس الوطني للسيطرة على الأوضاع.
وسلطت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في تقرير لها بعنوان "لماذا تتحول بعض الاحتجاجات إلى العنف؟" الضوء على الأسباب التي ربما أدت إلى الشغب والفوضى التي شهدتها الاحتجاجات الأمريكية خلال الستة أيام الماضية.
وتحدثت "بي بي سي" مع خبراء الذين كشفوا أوجه تشابه الاحتجاجات الأمريكية، مع أعمال الشغب في إنجلترا عام 2011، عندما تحول احتجاج سلمي على مقتل رجل برصاص الشرطة إلى أربعة أيام من نهب واسع النطاق وإشعال النار في المباني.
هوية مشتركة
يقول البروفيسور كليفورد ستوت، وهو خبير في أنماط السلوك الجماهيري وشرطة النظام العام بجامعة كيل البريطانية، إن واقعة فلويد تمثل الهوية المشتركة للمحتجين مع الضحية حافزًا، لأنها ترمز إلى تجربة أوسع بين عدد أكبر من الناس، حول العلاقة بين الشرطة والمجتمع الأسود في البلاد.
وأكد أن المواجهات تصبح محتملة في غياب العدالة الهيكلية في المجتمع ووجود حالة كراهية للشرطة، لافتًا إلى أنه بدراسة أحداث بريطانيا ٢٠١١، كشف أن أعمال الشغب انتشرت آنذاك، لأن المتظاهرين بمدن مختلفة شعروا بتشابه بينهم، إما بسبب العرق أو في كراهية الشرطة وممارساتها، وحاولوا فرض سيطرتهم على المناطق التي تراجعت بها قوات الأمن.
تعامل الشرطة
يرى الخبراء أن احتمالية العنف في الاحتجاجات تقل عندما تكون للشرطة علاقة جيدة بالمجتمع، كما أن رد فعلها الأولي على الاحتجاجات مهم.
ويقول ستوت، إن أعمال العنف والشغب هي نتاج لتفاعلات عدة، على رأسها طريقة تعامل الشرطة مع الاحتجاجات، ضاربًا مثلاً بأنه في العديد من المظاهرات تبدأ التوترات بين الشرطة وعددًا قليلاً من المشاركين، لكن رد فعل الشرطة يكون تجاه الحشد ككل.
ويتابع: "حال شعروا الناس أن استخدام الشرطة للقوة غير مبرر فهو يزيد من عقلية نحن ضدهم، وربما يغير شعور الناس حيال العنف، ويبدأ بعضهم في الشعور بأن العنف مشروعًا في تلك الظروف".
ويعتقد دارنيل هانت، عميد العلوم الاجتماعية في جامعة كاليفورنيا، أن استخدام الشرطة للغاز المسيل والرصاص المطاطي ونشر قوات الحرس الوطني في الاحتجاجات الأمريكية، عززت من تفاقم التوتر.
وينظر "هانت" إلى تكتيكات الشرطة في التعامل مع الاحتجاجات من إطلاق الغاز المسيل والرصاص المطاطي، على أنها حافزًا للمتظاهرين على المواجهة.
وسائل التواصل الاجتماعي وأسباب الاحتجاج
يقول الأستاذ المساعد في السلوك التنظيمي في جامعة رايس، مارلون موجيان، إن علم النفس الأخلاقي يساهم في تفسير سبب تحول الاحتجاج إلى عنف.
وتابع موجيان، أن حساسية الشخص الأخلاقية أمر محوري في كيفية رؤيته لنفسه، موضحًا أنه عندما نرى شيئا غير أخلاقي بالنسبة لنا فإنه يخلق مشاعر قوية تحثنا على حماية فهمنا للأخلاق.
ولفت إلى أن هذا الشعور يتغلب على مخاوف أخرى مثل حفظ السلام، لأنه عندما يسيطر عليك شعور أن النظام به خللاً فهناك دوافع تحدث لفعل شيء يظهر أن هذا الخلل غير مقبول.
ويرى موجيان، أن وسائل التواصل الاجتماعي لها صدى واسع في تحريك وتأييد العنف، خاصة عندما تشعر أن هناك من يعتقد بنفس معتقداتك.
فوضى منظمة
تضررت مئات الشركات من أعمال السرقة التي صاحبت الاحتجاجات خاصة في لوس أنجلوس ومينيابوليس خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ويحذر ستوت، من أن عمليات النهب والسرقة كانت منظمة للغاية ولها مغزى، موضحًا أنها ليست عشوائية كما ظهر للبعض.
ويوضح أن النهب والسرقة خلال الاحتجاجات الأمريكية كانت لشعور السود بالعجز أمام الشرطة، فحاولوا تفريغ طاقاتهم في الشركات الكبرى التي تمثل الرأسمالية، مدللاً على ذلك بشعورهم بعدم المساواة لأن الشغب يظهر قوة المتظاهرين ضد الشرطة.
في نفس السياق، يقول البروفيسور هانت، الباحث في أعمال شغب لوس أنجلوس التي وقعت في ١٩٩٢، إن هناك تاريخًا طويلاً من النهب خلال الاحتجاجات، كان بعضها أنتقائي للغاية، حيث وضعت صورًا وشعارات على الشركات المملوكة للأقليات خلال احتجاجات ١٩٩٢، ولم يكن المتظاهرون أو مثيري الشغب يقتربون منها.
ويحذر الخبراء من أن أعمال النهب والسرقة، تكون معقدة خاصة في الاحتجاجات الكبرى، فهناك دوافع مختلفة للفئات التي تشارك بالاحتجاج، فمنهم من يعانون الفقر، ومنهم مجرمون منظمون.
وضربوا مثلا باحتجاجات هونج كونج الأخيرة، التي شهدت أعمال عنفًا كبيرة ورغم ذلك لم تشهد نهبًا، مرجعين ذلك إلى أنها نشأت عن تطورات سياسية، وليس تمييز وعدم مساواة.
فيديو قد يعجبك: