نموذج عربي ملهم.. كيف تصدّت الإمارات "بذكاء" لوباء كورونا؟
كتبت - رنا أسامة:
قدّمت الإمارات نموذجًا مُلهمًا في المعركة الشرسة ضد جائحة فيروس كورونا المُستجد، من خلال استراتيجية استباقية مُحكمة ارتكزت على تقنيات الذكاء الاصطناعي، دفعتها لأن تُدرج ضمن أفضل 10 دول في العالم في كفاءة الاستجابة للوباء، وفق تقرير حديث صادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية بالتعاون مع مركز السياسات في كلية العلوم الصحية بالجامعة الأمريكية في بيروت.
سجّلت الإمارات البالغ عدد سكانها أكثر من 9 ملايين مليون نسمة، 40 ألفا و507 إصابات و284 وفاة حتى اللحظة جراء "كوفيد 19"، فيما تعافى منه 24 ألفا و17 شخصًا، وذلك منذ ظهور الفيروس على أراضيها في 29 يناير الفائت.
وتحتل المرتبة الثالثة في دول مجلس التعاون الخليجي الست من حيث عدد الإصابات، بعد كلٍ من السعودية (112 ألف حالة)، وقطر (73 ألفًا). فيما تأتي في المرتبة الثانية من حيث الوفيات بعد السعودية (819 وفاة). فكيف إذن نجحت في حصار الوباء الذي أصاب أكثر من 7 ملايين حول العالم؟
وظّفت الإمارات التكنولوجيا الذكية كسلاح في معركتها ضد الوباء، لتتراوح بين اعتماد وسائل ذكية للكشف عن حاملي العدوى، وتطوير تقنيات علاجية تسرعُ شفاء المرضى وتُعجّل بالكشف عن المُصابين قبل نقلهم العدوى، فضلًا عن تبني استراتيجية ذكية للعمل والتعليم والعلاج وقضاء المصالح الحكومية "عن بُعد"، لحماية أرواح مواطنيها والمُقيمين على أراضيها من خطر الفيروس.
برنامج التعقيم الوطني
أطلقت الإمارات في مارس الماضي "برنامج التعقيم الوطني" لمكافحة كورونا، لإجراء تعقيم كامل لكافة المرافق والنقل العام وخدمة المترو. وبموجب ذلك، يُحظر التجول من العاشرة مساء إلى السادسة من صباح اليوم التالي، اعتبارًا من 30 مايو وحتى إشعار آخر.
وبخلاف ساعات الحظر الليلي، يلتزم المواطنون بالبقاء في منازلهم وعدم الخروج إلا لشراء الغذاء والدواء أو للضرورة الصحية أو العمل من قِبل فئات القطاعات الحيوية (الطاقة والاتصالات والصحة والتعليم والأمن والشرطة والعسكري والبريد والشحن والأدوية والمياه والأغذية والطيران المدني والمطارات والجوازات والمالي والمصرفي والإعلام الحكومي)، وذلك من خلال التحقق من بطاقات العمل أو الهوية.
ويُسمح لمنافذ بيع المواد الغذائية والبقالة والصيدليات بالعمل على مدار الساعة، مع تقيّد المحال المصرح لها بالعمل بإجراءات الصحة والسلامة والإرشادات الاحترازية المنصوص عليها، ومراعاة ألا تتجاوز نسبة المتسوقين 30 بالمائة من السعة الاستيعابية الإجمالية مع المحافظة على المسافة الآمنة "متران" وفق مبدأ التباعد الاجتماعي.
وفي الوقت ذاته، فرضت عقوبات خاصة بانتهاك إجراءات الحد من انتشار كورنا، ومنها غرامة 50 ألف درهم (13 ألف دولار) على إهمال أوامر الحجر الصحي و3 آلاف درهم على عدم وضع كمامات أو إهمال التباعد في الأماكن العامة أو خرق حظر التجول.
أداة الليزر والخِوذ الذكية
كما أدلت الإمارات بدلوها في مجال التطوير والابتكار المتعلق بفيروس كورونا. ففي وقت سابق من الشهر الماضي، طوّرت أداة جديدة تعتمد على الليزر لإجراء فحوص جماعية فائقة السرعة خلال ثوانٍ، تسمح بتوسيع دائرة الاختبارات على نحو غير مسبوق وكبح جماح المرض بين القِوى العاملة، حسبما أعلن مختبر " كوانت ليز".
وقال الدكتور بروماد كومار، قائد فريق الباحثين في المختبر والمعني بدراسة وتحليل التغيرات في بنية خلايا دم المصابين بالفيروس إن "الأداة التي تستخدم المجهر الإلكتروني، ستسمح بإجراء الفحوصات على نطاق جماعي وتتيح صدور النتائج خلال ثوانٍ"، وفق صحيفة "البيان" الإماراتية.
وبإمكان الأداة الجديدة المبنية على تقنية "دي بي آي" وتعتمد على تضمين الطور البصري، التعرف على الفيروس خلال ثوانٍ، كما أنها سهلة الاستخدام، وغير جراحية، ومنخفضة الكلفة، ويُمكن تداولها في المستشفيات والأماكن العامة مثل دور السينما ومراكز التسوق.
اعتمدت وزارة الداخلية الإماراتية تقنية "الخِوذ الذكية" القادرة على رصد الأشخاص المحتمل إصابتهم بالفيروس، تُمكّن من قياس درجة حرارة مئات الأشخاص كل دقيقة، لاسيّما في المناطق ذات الكثافة السكانية المرتفعة، بما في ذلك الأحياء المُغلقة.
ويمكن لهذه الخِوذ، التي تحتاج لوقت أقل ومسافة أقصر من أجهزة قياس الحرارة التقليدية، قياس درجة الحرارة من على بُعد 5 أمتار وتستطيع فحص ما يصل إلى 200 شخص في الدقيقة الواحدة. وتصدر إنذارًا في حالة رصد شخص مصاب بالحمى، وفق الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة ووقاية المجتمع.
كما يمكنها قراءة درجة حرارة الأشخاص في ظل ظروف مناخية مختلفة وفي الهواء الطلق وفي بيئة معقدة، عن طريق الإشعاع الحراري بدقة وبسرعة معتمدة على تقنية ذكية مع إطلاقها تنبيهات وتحذيرات صوتية بحسب حالة الشخص.
فحوص السيارات
في الوقت ذاته، تم افتتاح عشرات المراكز للفحص من السيارات منذ افتتاح ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد أول مركز في 28 مارس الفائت، وذلك للكشف عن الفيروس في إطار التدابير والإجراءات الوقائية الإماراتية للحد من انتشار كورونا.
تتيح تلك الفحوص إجراء الاختبار بدون الحاجة إلى مغادرة السيارات، وفق أعلى المعايير الطبية، مع ضمان تقديم النتائج في فترة وجيزة.
والشهر الماضي، تقرر إنشاء 9 مراكز إضافية لتصل إلى 23 مركزًا، بطاقة استيعابية تُمكّن من فحص 7 آلاف شخص يوميًا، ليصل إجمالي الفحوصات إلى أكثر من 115 ألفًا أسبوعيًا، بحسب صحيفة "الإمارات اليوم".
تُمنح أولوية الفحص من السيارات إلى من لديهم أعراض مرضية أو مزمنة وكبار السن والحوامل. وتتم على مرحلتين: الأولى؛ من خلال تسجيل بطاقة الهوية، ثم مراجعة البيانات وتسجيل رقم الهاتف.
والثانية؛ تتمثل في محطة المسح، ويتم خلالها قياس درجة الحرارة للتأكد من صحة الزائر وعدم وجود أي أعراض، في عملية لا تستغرق أكثر من 3 دقائق، يتم بعدها تنفيذ التدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية، وتوجيه الزائر للالتزام بها حتى ظهور نتيجة الفحص.
وتصل نتيجة الفحص لزائر أي مركز عن طريق رسالة على الهاتف الذي تم تسجيله، خلال مدة تتراوح ما بين يومين إلى 5 أيام.
وأجرت الإمارات حتى الآن مليوني و537 ألف فحص في المستشفيات والمراكز الصحية، بما يضعها في المركز الثالث عالميًا من حيث عدد الاختبارات التي يتم إجراؤها لكل مليون شخص.
علاج الخلايا الجذعية
كما طوّر باحثون في الإمارات علاجًا عن طريق الخلايا الجذعية لعلاج الالتهابات الناجمة عن الفيروس، حصل على حماية الملكية الفكرية هذا الشهر، بما يُعطي "بارقة أمل" لتطويق الوباء ويُمهد لمشاركة هذا العلاج على نطاق واسع ينقذ مزيدًا من المرضى.
وجرى تطوير هذا العلاج من قِبل فريق أطباء وباحثين في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية، اعتمادًا على تقنية تقوم على استخراج الخلايا الجذعية من دم المريض وإعادة إدخالها إلى الرئتين بعد تنشيطها من خلال استنشاقها بواسطة رذاذ ناعم.
وقبل يومين، أعلن مركز الخلايا الجذعية في أبوظبي أن نتائج التحاليل أظهرت أن العلاج "فعال وآمن" كمساعد لبروتوكولات العلاج المعمول بها، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية الإماراتية (وام).
وبحسب "وام"، تمت تجربة هذا العلاج على 73 مصابا ظهرت عليهم أعراض ترواحت بين المتوسطة والشديدة، واستجابوا بشكل جيد للعلاج. وفي وقت سابق، وجّه ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، بسداد تكاليف علاج الحالات الحرجة المُصابة عن طريق الخلايا الجذعية.
تطبيقات ذكية ومِنصة "للتطبيب عن بُعد"
أطلقت الإمارات عددًا من التطبيقات الإلكترونية الذكية لإبلاغ المواطنين بما ينبغي فعله لمواجهة الجائحة، لعل أبرزها تطبيق "الحصن"، الذي يتيح للأشخاص الذين يخضعون لاختبارات الكشف عن كورونا بتلقي نتائج اختباراتهم مباشرة على هواتفهم.
ويعتمد على استخدام الإشارات قصيرة المدى الخاصة بتقنية "البلوتوث"، ليُظهر ما إن كان الشخص على مقربة من أشخاص خالطوا أو تعاملوا مع مُصابين ولديهم التطبيق نفسه على هواتفهم المحمولة.
وهناك تطبيق "ابق في المنزل The StayHome app" الذي يضمن التزام الأشخاص المطالبين بالحجر المنزلي التقيد بالتعليمات الخاصة بالحجر الصادرة لهم من الجهات الصحية المعنية في أبوظبي، وعدم مخالطة أشخاص آخرين أثناء فترة الحجر لحمايتهم وحماية المجتمع.
إلى جانب تطبيق "تتبع كوفيد TraceCovid" المعني بتحديد والتعرف على المخالطين للمصابين بالفيروس سواء بشكل مباشر أو غي مباشر، بشرط أن يكونوا مستخدمين للتطبيق، ما يعمل على تسريع وتيرة توفير الرعاية الصحية اللازمة.
ومنصة "الدكتور الافتراضي لكوفيد-19"، التي تُمكن الأشخاص من تقييم الأعراض المرضية التي تظهر عليهم وما إذا كانت تلك الأعراض مرتبطة بالفيروس، من خلال طرح مجموعة من الأسئلة المتعلقة بتاريخ السفر، وما إذا كان على اتصال بشخص كان مسافراً أو مريضًا أو مُصابًا
كما يسأل الدكتور الافتراضي ما إذا كان الشخص يعاني من أعراض معينة أو يتبع عادات صحية معينة. وبناء على إجابات الشخص، يتنبأ الدكتور الافتراضي بمستوى الخطر الذي قد يواجهه. وبعد ذلك يتم ربط الشخص بطبيبه الخاص من خلال نفس المنصة.
العمل والتعلم "عن بُعد"
بالتوازي، أقرّت الإمارات نظام "التعلم عن بُعد" اعتبارًا من 22 مارس الماضي وحتى انتهاء العام الدراسي، الذي التحق به أكثر من 1.2 مليون طالب وطالبة في المدارس الحكومية والخاصة ومؤسسات التعليم العالي.
احتضنت عدة مشاريع ومبادرات حيوية دعمًا للتعلم عن بُعد، من بينها مشروع منصة "مدرسة" للتعليم العربي الإلكتروني التي توفر أكثر من 5 آلاف درس تعليمي بالفيديو، ومنصة "دبي صف واحد" لتوفير الدعم اللازم للطلبة والمهنيين عبر الإنترنت.
ووفرت خدمات الإنترنت عالي السرعة عبر الأقمار الصناعية للطلبة والمعلمين في مواقع متعددة داخل الدولة لا تتوفر فيها بدائل الإنترنت عبر الشبكات الأرضية.
ونفذت وزارة التربية والتعليم الإماراتية برنامجا تدريبيا شاملا خاصا بآليات وتقنيات التعلم عن بعد لأكثر من 25 ألف معلم وإداري في المدارس الحكومية، بالإضافة إلى أكثر من 9200 معلم ومدير مدرسة من المدارس الخاصة.
وكذلك، عمّمت نظام "العمل عن بعد" بشكل دائم في مختلف الجهات والقطاعات، اعتمادًا على البنية التحتية التكنولوجية في الحكومة الاتحادية والمدعومة بالتقنيات والتكنولوجيا ذات المواصفات العالمية.
كما اعتمدت الوزارات والجهات الاتحادية في الإمارات على الوسائط التقنية والتكنولوجيا لعقد اجتماعاتها الداخلية والخارجية، ما أسهم في مواصلة العمل وفق ضوابط وآليات تضمن الحفاظ على كفاءة العمل وإنتاجيته دون تعريض حياة العاملين للخطر.
مُساعدات طبية وإنسانية
الاستراتيجية التي تبنّتها الإمارات لاحتواء الوباء لم تتوقف حدّ ذلك، لكنها شملت أيضًا تقديم مساعدات طبية وإنسانية لـ64 دولة،استفاد منها أكثر من 730 ألفا من الكوادر الطبية والتمريضية والفنية، بحسب تقرير صادر عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية.
ووفق التقرير، شملت الإمدادات الطبية الإماراتية قفازات وكمامات جراحية، بالإضافة إلى معدات الحماية الشخصية الأخرى، وآلاف من الأجهزة ووحدات الاختبار ومعدات الفحص.
ومن أبرز الدول التي تلقت مساعدات إماراتية خلال أزمة الوباء، الولايات المتحدة، حيث تم تقديم 200 ألف مجموعة اختبار بقيمة 20 مليون دولار إلى أحد أكبر مراكز فحص كورونا في مدينة لاس فيجاس بولاية نيفادا، بتوجيهات من الشيخ محمد بن زايد.
كما قدّمت 20 طنًا من الإمدادات الطبية للصين، بؤرة تفشي الفيروس، بما في ذلك أقنعة الوجه والقفازات. وفي 4 مارس الماضي، أجلت 215 شخصًا من جنسيات مختلفة من مقاطعة هوبي في إطار مبادرة "الإمارات وطن الإنسانية".
وفي أوروبا، تم إرسال مساعدات تحتوي على 6.6 طن من المواد الأولية إلى بريطانيا لتتمكن من إنتاج الملايين من مستلزمات الحماية الشخصية. ومن الدول الأوروبية الأخرى التي حصلت على مساعدات طبية إماراتية، اليونان وإيطاليا وصربيا وأوكرانيا
وفي آسيا، وصلت المساعدات إلى دول مثل كوريا الجنوبية والفلبين وبنجلاديش وباكستان والهند ونيبال.
كما أرسلت الإمارات مساعدات إلى دول أفريقية مثل إثيوبيا وسيشل وكينيا وغينيا وبوتسوانا، إلى جانب عدد من دول أمريكا اللاتينية.
فيديو قد يعجبك: