سياسة مشوشة ومتناقضة.. كيف تحركت الولايات المتحدة في الصراع الليبي؟- تقرير
كتب - محمد عطايا - محمد صفوت:
منذ العام 2011 كان دور الولايات المتحدة في ليبيا مشوشًا وغير واضح، وإن كان يتجه في بعض الأحيان إلى أن يكون غير بناء، حسب وصف الخبيرة في الشؤون الأمنية الأمريكي، إيرينا تسوكرمان.
تصاعدت الأوضاع في ليبيا مع إطلاق قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، في أبريل 2019، عملية "طوفان الكرامة"، لتطهير بلاده من الميليشيات الإرهابية وتحرير العاصمة طرابلس من تلك الجماعات "المتطرفة".
وقال المشير خليفة حفتر، حينها، إن الوقت قد حان لتخليص العاصمة الليبية طرابلس من الميليشيات التي تسيطر عليها.
ومع تصاعد الأصوات التي نادت بتغليب العملية السياسية في ليبيا على العسكرية، تفاعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع قرار المشير حفتر بشكل مختلف.
وبرغم إعلان الخارجية الأمريكية أنها ترفض تحركات حفتر وتدعو لتغليب السياسة، إلا أن ترامب نفسه تواصل هاتفيًا مع قائد الجيش الليبي، الذي ناداه الرئيس الأمريكي بـ"المشير".
وفي المكالمة، اعترف ترامب بجهود المشير حفتر في مكافحة الإرهاب، وتخليص بلاده من الجماعات المتطرفة، وهو ما اعتبرته بعض الأصوات في الولايات المتحدة توجهًا مغايرًا للسياسة الأمريكية ككل بشأن الأزمة الليبية.
"الدور المشوش"
فسر محللون ما جاء في المكالمة الهاتفية، بأن ترامب كان يضع آمالًا على المشير خليفة حفتر في السيطرة على العاصمة الليبية في وقت سريع، وإنهاء الأزمة، وذلك وفقًا لـ"واشنطن تايمز".
بشكل معلن، لم تدعم الولايات المتحدة طرفًا صراحة -وإن كانت تميل للوفاق- ولكنها اكتفت بمواقف وبيانات بدا بعضها متناقضًا.
وأكدت الخبيرة الأمنية الأمريكية، في تصريحات لمصراوي، أن الولايات المتحدة اتجهت في البداية لدعم ميليشيات مصراتة، التي انضمت بعد ذلك إلى الميليشيات المقاتلة لصالح حكومة الوفاق.
وأضافت أن ترامب أعلن في أكثر من مناسبة، أنه سيضع حدًا للانخراط الأمريكي في "حروب الشرق الأوسط التي لا نهاية لها"، لكنه استمر بدلاً من ذلك في سلك نهج سياسات سابقه باراك أوباما "المزدوجة المشوشة وغير المحددة"، والتي انتهى بها الأمر إلى "تمكين المعتدين وإبعاد حلفاء الولايات المتحدة".
وأكدت تسوكرمان، أن دور الولايات المتحدة في ليبيا انتابه نوع من الغموض والتشويش.
"هدوء غير مبرر"
السياسة الأمريكية توجهها يذهب نحو دعم حكومة الوفاق، حتى وإن لم يكن بصورة واضحة، وذلك وفقًا لصحيفة "واشنطن تايمز".
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن مكالمة ترامب مع المشير حفتر زادت الوضع تشوشًا وتعقيدًا حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، نظرًا لأن ما جاء في المكالمة لم يكن متوافقًا مع السياسة الأمريكية المعلنة.
بشكل غير مبرر، ظلت تحركات الإدارة الأمريكية هادئة بشأن الملف الليبي، ولم يظهر دور بارز لها إلا بعد المكالمة بين ترامب وحفتر بنحو عام كامل.
في مطلع العام الجاري، أعلنت الولايات المتحدة انزعاجها من نوايا تركيا التدخل في الشؤون الليبية بشكل مباشر، وحذرتها بالفعل من مغبة التدخل في تلك البلد الإفريقية.
ولكن بتطور الأحداث وتورط تركيا في ليبيا، أظهرت الولايات المتحدة دعمًا لتركيا لا العكس.
ووفقًا لصحيفة "واشنطن تايمز"، فإن الدعم الأمريكي لتركيا التي تدعم حكومة الوفاق كان خفيًا، نظرًا لأن بعض المقاتلين الذين أرسلتهم أنقرة إلى طرابلس يعتقد أنهم على صلة بالقاعدة وتنظيم داعش.
يقول محللون -وفقًا للصحيفة الأمريكية- إن حضور تركيا العدواني في ليبيا مدفوع برغبة حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في توسيع نفوذها عسكريا واقتصاديا في جميع أنحاء شرق البحر الأبيض المتوسط.
ورأى كان كاسابوجلو في مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية، وهو مركز أبحاث تركي، في تصريحات صحفية، أن ليبيا "لبنة أخرى" في إستراتيجية السياسة الخارجية العدوانية التي كانت أنقرة تتبعها في السنوات الأخيرة في سوريا.
ويقول المحلل السياسي الليبي عمر الحامدي، في تصريحات لمصراوي، إن التدخل التركي في ليبيا جاء بمباركة أمريكية منذ بدايته، فهي تسعى للسيطرة على المنطقة عبر وكلاء لها.
ويوضح أن التدخل التركي في ليبيا، يهدف للضغط على مصر، والتأثير على دورها الإقليمي، واتخاذ ليبيا منطلقا لتنظيم أردوغان الدولي، للتحالف مع تيارات إسلامية تنكر العروبة.
يقول فتحي المريمي مستشار رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح: أمريكا دول كبرى ولها تأثيرها ولها مصالحها، وأي تحرك من الإدارة الأمريكية بشأن ليبيا له تأثيره على الأرض.
وأشار إلى تصريحات السفير الأمريكي في ليبيا التي طالب فيها بوقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات في أسرع وقت، موضحا أن واشنطن تتحرك بقوة وبصرامة من أجل إنهاء الأزمة الليبية.
وأكد المريمي، أن واشنطن لها مصالح في ليبيا نفطية واقتصادية، وكنا نتمنى أن تشكل لجنة لمراقبة حظر دخول الأسلحة والمرتزقة إلى ليبيا، كما فعل الاتحاد الأوروبي، مطالبا بأن تلعب واشنطن دورا في هذا الشأن.
لماذا بدت السياسة الأمريكية مشوشة؟
لا تريد الولايات المتحدة الإفصاح عن دعمها لتركيا والوفاق في ليبيا، حتى لا تصبح متورطة بشكل مباشر في دعم ميليشيات ومرتزقة يقاتلون لصالح السراج، وهم خارجين عن القانون وإرهابيين، وذلك وفقًا لتسوكرمان.
وأوضحت الخبيرة الأمنية الأمريكية، أن التدخل الروسي في المعارك بليبيا لصالح المشير حفتر، كان له عامل أيضًا على قرار الولايات المتحدة في تغليب كفة تركيا، حليفتها في الناتو.
هذا ما أشارت إليه السفارة الأمريكية في ليبيا، في بيان لها الاثنين الماضي، بعد لقاء السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند، وقائد القيادة الأمريكية الأفريقية المشتركة ستيفين تاونسند، حيث قدم نورلاند إحاطة حول دعم واشنطن للجهود الدبلوماسية الجارية برعاية الأمم المتحدة لتعزيز وقف إطلاق النار والحوار السياسي، فيما قدم تاونسند وجهة نظره العسكرية حول خطر التصعيد، والأخطار التي يشكلها دعم روسيا لعمليات فاغنر، والأهمية الإستراتيجية لضمان حرية الملاحة في البحر الأبيض المتوسط.
وذكرت "واشنطن تايمز"، أن التواجد الروسي في ليبيا جعل وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" قلقة، ما استوجب تحركًا من واشنطن لدعم الجبهة المضادة.
واتهمت الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة روسيا، بإرسال سلاح ومقاتلين إلى الجيش الوطني الليبي، وهو ما نفته موسكو.
إلى أي مدى يمكن أن يصل الدعم الأمريكي لليبيا؟
وعن تدخل أمريكيا عسكريا في الأزمة الليبية، ترى المحللة السياسية أن التدخل الأمريكي عسكريا في ليبيا أحد الخيارات المتاحة، مشيرة إلى أنه حال تدخلت واشنطن ستكون محددة النطاق وليست دفع قوات في البلاد، حيث من المحتمل الدفع بقوات خاصة بدعم جوي وبحري.
وتابعت: "المعطيات الحالية لا تشير إلى مدى تدخل مصر في ليبيا" لكنها قالت: "إن هناك عوامل يمكن من خلالها توقع مدى التدخل المصري في الأزمة الليبية، يتمثل في مدى الضغط الذي تمارسه أنقرة على سرت الليبية في محاولة لدخول قوات الوفاق المدعومة من تركيا إلى المدينة".
ورحبت واشنطن، في بيان لخارجيتها، بالجهود المصرية الهادفة لحل الأزمة الليبية (إعلان القاهرة) داعية الأطراف المتنازعة إلى وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات.
وأكدت واشنطن أنها تدعم رغبة جميع الليبيين في وضع حد للتدخل العسكري الأجنبي والامتثال لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة والالتزامات الأخرى.
فيما يرى المحلل السياسي الليبي، أن أمريكا تسببت في الأزمة الليبية الحالية، منذ بدايتها في ٢٠١١ والإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمر القذافي.
وأوضح أن التدخلات الأمريكية منذ بداية الأزمة الليبية، شكلت تيارا ليبيا أمريكيا انقسم على نفسه بعد ذلك لعدة جبهات، ولا تهدف واشنطن لحل الأزمة كما يظهر في تصريحاتها الرسمية، لكنها تسعى لضمان مصالحها في المنطقة.
وأشارت المحللة السياسية الأمريكية، إلى أن هناك دعما عربيا وأمريكية للتصريحات المصرية الأخيرة بشأن ليبيا، موضحة أن واشنطن تفهمت القلق المصري، وما يمثله التدخل التركي في ليبيا من مخاطر للأمن القومي المصري، لكن من غير الواضح ردّ فعل البيت الأبيض ومستوى إدراكه للتأهب العسكري المصري في حال استمرت تركيا التقدم نحو سرت.
فيما يقول الحامدي، إن التدخلات التركية في ليبيا، جاءت بمباركة أمريكية، منذ بدايته، فهي تسعى للسيطرة على المنطقة عبر وكلاء لها.
ويوضح أن التدخل التركي في ليبيا، يهدف للضغط على مصر، والتأثير على دورها الإقليمي، واتخاذ ليبيا منطلقا لتنظيم أردوغان الدولي، للتحالف مع تيارات إسلامية تنكر العروبة.
وتقول توسكرمان، إنه حتى تلعب الولايات المتحدة دورًا مهمًا أو تظهر اعترافًا بأن هناك احتمالًا خطيرًا لاندلاع اشتباكات بين القوات المصرية والميليشيات المدعومة من تركيا، والتي يتلقى بعضها أيضًا مساعدة من الولايات المتحدة، فلابد أن تنقل جهودها إلى مستوى أعلى.
فيديو قد يعجبك: