إعلان

الخيال أصبح حقيقة.. كيف استخدمت الحكومات شركات الاتصالات للتجسس؟

04:18 م الجمعة 17 يوليو 2020

بريطانيا تحظر هواوي

كتبت- هدى الشيمي:

أعلنت حكومة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الثلاثاء الماضي، عن قرارها بحظر خدمات عملاق الاتصالات الصيني هواوي في شبكة الجيل الخامس، بعدما اضطرت لندن إلى مراجعة عقودها مع هواوي بسبب العقوبات الأمريكية الجديدة التي فُرضت في مايو، الهادفة لمنع شركة الاتصالات الصينية من تطوير أشباه النواقل في الخارج بالاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية.

نقل وزير الإعلام البريطاني أوليفر دودن النبأ، وقال إن الحكومة أصدرت تعليمات لشركات الاتصالات بالتخلص من معدات الشركة الصينية في مجال شبكة الجيل الخامس بحلول عام 2027.

بعيدًا عن الأسئلة التقنية المتعلقة بهذا القرار، قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، في تحليل مطوّل على موقعها الإلكتروني، إن السؤال الأكثر إلحاحًا الآن هو ما إذا كانت معدات هواوي تشكل تهديدًا للأمن القومي البريطاني أم لا.

كان المركز الوطني للأمن السيبراني في بريطانيا قد أشار في وقت سابق إلى أنه يمكن الحد من مخاطر هواوي من خلال تقييد خدمات شبكة الجيل الخامس مع حماية جوهرها الحساس، ما يبعث على الطمأنينة بأن جهاز المخابرات البريطاني أجرى تحقيقات مستمرة منذ دخول شبكة الاتصالات بريطانيا لأول مرة منذ سنوات، ولكنها لم تكشف عن أي دليل على قيام الصين بأي نشاط سيبراني من خلال الشركة.

مع ذلك، ترى فورين بوليسي أن غياب الدليل لا يجب تفسيره بأن الصين لا تنوي استخدام شبكة الاتصالات خاصتها للقيام بأي نشاط سيبراني مشبوه في بريطانيا، لاسيما مع وجود تاريخ طويل يؤكد أن الحكومات طالما استغلت شركات الاتصالات لجمع معلومات استخباراتية عن الدول، بما يسمح لها بتعزيز مصالحها وحماية أمنها القومي، حتى أن حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة كانتا جانتين ومجني عليهما.

أوضحت المجلة الأمريكية أن الكشف عن تاريخ التجسس السيبراني أمر صعب بطبيعته، خاصة وأنه يخضع لحراسة مُشددة، ولكن أرشيفات الاستخبارات التي جرى فتحها حديثًا تجعل الأمر مُمكنًا، إذ أظهر أن لندن وواشنطن توسطتا سابقًا في اتفاقات سرية مع شركات الاتصالات لاستخدام معداتها من أجل الوصول إلى المواد والمعلومات التي اعتقدوا أنها تخدم مصالحهم الوطنية.

"خيال علمي تحول إلى حقيقة"

على مدار التاريخ، وجد القادة طرقًا لاعتراض الاتصالات وقراءة رسائل خصومهم سرًا، بدءًا من سرقة رسائل البريد وصولاً إلى اعتراض البرقيات والتجسس على المكالمات الهاتفية، والآن أصبح هناك التجسس السيبراني.

تطورت تقنيات التجسس واعتراض الاتصالات مع تطور سبل التواصل، ذكرت فورين بوليسي أنه في عام 1902، صنع العالم جوجليلمو ماركوني التاريخ بإرسال أول رسالة راديو لاسلكية عبر المحيط الأطلسي، وفي العام نفسه كتب الكاتب البريطاني روديارد كيبلينج قصته القصيرة "لاسلكيًا" التي تحدث فيها عن التنصت والتجسس على الحكومات، وقتها نُظر إلى القصة باعتبارها أحد أنواع الخيال العلمي، ولكنها سرعان ما أصبحت حقيقة.

1

بعد اثنى عشر عامًا، عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، فرضت بريطانيًا قوانين طارئة، مثل قانون الدفاع عن العالم، والذي سمح بالاعتراض الجماعي للاتصالات البريدية والبرقيات. وكانت أول أعمال بريطانيا في عالم التجسس هي قطع الاتصالات الألمانية في أغسطس 1914.

في هذا الوقت، كانت بريطانيا الدولة الأكثر تقدمًا في نظام كابلات التلجراف، حسب فورين بوليسي، وبمجرد إعلان الحرب شنّت بريطانيا هجومًا شرسًا لقطع الكابلات البحرية الألمانية في جميع أنحاء العالم، من هونج كونج إلى جبل الطرق، إذ اعتمدت استراتيجية لندن على حرمان برلين من اتصالاتها الخارجية واجبارها على الاعتماد على الكابلات التي تخضع للمراقبة البريطانية، حيث يمكن جمعها وفك تشفيرها.

"الغرفة السوداء الأمريكية"

بعد الحرب العالمية الأولى، أنشأت حكومة الولايات المتحدة قسم خاص بفك الشفرات واختراق الاتصالات، الغرفة السوداء. توسط رئيسها هربرت ياردلي إلى اتفاق سري، وغير قانوني، مع شركات التلغراف الأمريكية للحصول على نسخ من البرقيات التي تدخل الولايات المتحدة وتخرج منها. وفقًا لفورين بوليسي، فإن الاتفاق الذي أبرمه ياردلي شخصيًا مع نيوكومب كارلتون، رئيس شركة ويسترن يونيون للتلغراف الأمريكية، تضمن إرسال رسول إلى الغرفة السوداء يحمل نسخًا من الرسائل والبرقيات، ثم إعادتها إلى ويسترن يونيون قبل نهاية اليوم.

في حديثه عن عمله في الغرفة السوداء، قال ياردلي إنها المكان الذي "ترى فيه كل شيء، وتسمع كل شيء.. مكان له آذان حساسة تلتقط الهمسات في العواصم الأجنبية حول العالم".

3

لكن الأمور لم تستمر على هذا النحو كثيرًا، مع الوصول إلى العشرينات من القرن الماضي قررت الإدارات في البيت الأبيض التقليل من عمليات التجسس باعتبارها عمليات لا أخلاقية شريرة ولا تستحق اهدار كل هذا الكم من الموارد، وعندما أصبح هربرت هوفر رئيسًا للولايات المتحدة عام 1929، عيّن هنري ستيمسون وزيرًا للخارجية، والذي أصر على إدارة الشؤون الخارجية بنزاهة وشفافية، ما وضعه في صدام مع الغرفة السوداء.

عندما اكتشف ستيمسون حقيقة ما تفعله الغرفة السوداء، قرر إغلاقها، مبررًا قراره بأن "السادة المحترمين ليس من المفترض بهم قراءة رسائل البريد الخاصة بآخرين".

نتيجة لقرار ستيمسون، واجهت الولايات المتحدة- حسب فورين بوليسي- تهديدات استراتيجية وتكتيكية في ثلاثينيات القرن الماضي دون الاستفادة من وكالات الاستخبارات المستقلة والمخصصة، بينما لم يُظهر خصوم الولايات المتحدة أي علامات لضبط النفس أو الاحترام عندما يتعلق الأمر بقراءة البريد الإلكتروني.

ترى فورين بوليسي، أنه إذا سمح ستيسمون للغرفة السوداء بمواصلة عملها مع فرض بعض الضوابط، والتحايل على الأخلاق من خلال عقد اتفاقات غامضة مع شركات الكابلات، لكانت الولايات المتحدة على دراية بالتهديدات الاستراتيجية التي واجهتها في الثلاثينيات.

"جمع المعلومات عبر الإنترنت"

مع الثورة الرقمية التي يشهدها العالم تكشفت تغييرات واسعة النطاق في طريقة الحكومات في التجسس وجمع المعلومات. قالت فورين بوليسي إن القيام بذلك تطلب تغيير طبيعة عمل أجهزة الاستخبارات نفسها، مع ذلك فإن المبادئ الأساسية لاستغلال شركات الاتصالات من أجل جمع المعلومات بقى كما هو ولا يزال كما كان عليه في الماضي.

على عكس مشاريعهما السابقة، لم تنفذ وكالة الأمن الوطني الأمريكية أو مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية عملياتها لجمع المعلومات في عصر الإنترنت من خلال الاتفاقيات المشبوهة التي توصلت إليها مع شركات التواصل، عوضًا عن ذلك وضعت تشريعات تسمح بذلك.

2

نجحت وكالة الأمن الوطني في فعل ذلك، واستطاعت تأسيس قاعدة بيانات شاملة جمعت عدد من المكالمات الهاتفية من خلال تنفيذ القسم 2015 في القانون الوطني الأمريكي. وحسب تقارير فإن وكالة الأمن القومي تمكنت من جمع 534 مليون مكالمة هاتفية وسجلات رسائل نصية. وفي بريطانيا استخدمت مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية اتفاقيات غامضة وقديمة من أجل جمع البيانات والمعلومات.

"عالم شجاع جديد"

من المفترض أن تكون الشكوك التي تحوم حول استخدام الحكومات لمنصات اتصالات جديدة من أجل التجسس أكبر من القلق إزاء اعتماد الصين على هواوي، حسب فورين بوليسي فإنه هناك مخاوف من أن برنامج مكافحة الفيروسات (Kaspersky Lab) يحمل روابط تمكّن الاستخبارات الروسية من التجسس، وكذلك أثار تطبيق المراسلة الإماراتي توتوك مخاوف إزاء استخدام الاستخبارات الإماراتية له لنفس الأسباب، ويُعتقد أن الحكومة الصينية تستغل الشعبية الكبيرة التي يحظى بها تطبيق تيك توك من أجل الاختراق والتجسس.

لذا استبعدت المجلة الأمريكية ألا تكون الصين، حكومة الحزب الواحد التي لا يتمتع فيها أي كيان بالاستقلال، لا تستخدم أجهزة هواوي من أجل التجسس حال أرادت ذلك، تمامًا كما فعلت أجهزة الاستخبارات البريطانية والأمريكية مع أجهزة الاتصالات السابقة.

وما يزيد الشكوك إزاء احتمالية استخدام بكين لهواوي من أجل التجسس، هو أنه بموجب قانون الاستخبارات الوطنية الصيني لعام 2017، فإن شركات الاتصالات مُلزمة بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات إذا طُلب منها ذلك، ما يعني إذا أمرت بكين عملاق الاتصال هواوي بالتعاون معها فإنها ستنصاع للأوامر.

حسب فورين بوليسي، فإن الصين قد تستخدم معدات وأجهزة هواوي في تعطيل شبكة الاتصالات البريطانية أو القضاء عليها خلال أزمة دولية أو كجزء من هجوم إلكتروني، كما فعلت لندن مع برلين في عام 1914، وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن الأمر قد يزداد خطورة إذا دمجت بكين شبكات الجيل الخامس مع مليارات من الأجهزة وأجهزة الاستشعارات والأدوات الموجودة داخل المجتمع البريطاني.

4

شددت فورين بوليسي على أهمية إدراك حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة من خلال التدقيق في تاريخهما مع الصفقات والاتفاقات السرية مع شركات الاتصالات، والتنصت على حكومات الدول الأخرى، أنه لا يوجد سبب يمنع بكين من فعل الأمر نفسه، لاسيما الآن خلال جائحة فيروس كورونا المستجد، إذ أصبحنا نعيش في عالم يعتمد بصورة رئيسية على التواصل الافتراضي بين الأشخاص، وبات الجميع في حاجة مُلحة إلى شبكات الجيل الخامس التي تجعل التواصل عبر الإنترنت أسرع.

وأضافت: "إذا كانت شركة هواوي روسية وليست صينية، فهل كانت بريطانيا تسمح لها بادخال شبكة الجيل الخامس في أراضيها؟ بالتأكيد لا".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان