محلل أمريكي: مأساة اغتيال الهاشمي فرصة لتقليم أظافر إيران في العراق
نيويورك- (د ب أ):
يعتبر مقتل الباحث العراقي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية المتطرفة هشام الهاشمي مأساة بالنسبة للعراق، ولكنه في الوقت نفسه يمثل اختبار قيادة وربما فرصة سياسية لرئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، بحسب المحلل السياسي والكاتب الصحفي الأمريكي من أصل هندي بوبي جوش.
كان مسلحون أطلقوا النار على الباحث العراقي هشام الهاشمي يوم الاثنين الماضي فأردوه قتيلا. كان الهاشمي باحثا متخصصا في تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين، وعمل مستشارا للحكومة العراقية في شؤون الإرهاب والجماعات المتطرفة. وخلال العام الماضي بدأ يركز على المليشيات الشيعية المسلحة المدعوم أغلبها من إيران والمتغلغلة في النظامين الأمني والسياسي للعراق.
وأثارت انتقاداته المتكررة لهذه المليشيات غضبها وكراهيتها له. ويقول أصدقاء الهاشمي إنه تلقى تهديدات بالقتل من هذه الجماعات. وتمثل عملية قتله جريمة اغتيال كاملة. ورغم أنه لم يعلن أحد مسؤوليته عن الحادث فإن المليشيات الشيعية يجب أن تكون المشتبه فيه الأول. وقد تعهد رئيس الوزراء العراقي الكاظمي بتقديم قتلة الهاشمي للعدالة. وتمثل المليشيات أكبر تهديد للنظام الاجتماعي والسياسي في العراق.
وحاول رؤوساء الوزراء السابقون بدرجات متفاوتة من الحماس التصدي لنفوذ هذه المليشيات، ولكن أيا منهم لم يحقق تقدما يذكر في هذا الاتجاه. ولكن يمكن للكاظمي النجاح فيما فشل فيه روؤساء الحكومة السابقون إذا استطاع الاستفادة من مجموعة من الظروف المواتية – بالإضافة إلى جريمة قتل الهاشمي المؤسفة.
ويقول بوبي جوش في التحليل الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إن خلفية مصطفى الكاظمي تجعله مؤهلا بشكل فريد للقيام بهذه المهمة. فهو كرئيس سابق للمخابرات العراقية يعرف عن هذه المليشيات أكثر مما يعرفه أي سياسي عادي. كما أن وظيفته السابقة جعلته يطور علاقات قوية مع واشنطن أو بشكل أكثر دقة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وكذلك مع طهران.
وهناك عنصر آخر حاسم وهو اختيار كاظمي لمن يقود عمليات مكافحة الإرهاب في البلاد حيث أعاد تعيين الفريق عبد الوهاب السعدي الذي كان رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي قد خفض رتبته وأطاح به في العام الماضي استجابة لضغوط من إيران فيما يبدو.
ويرى جوش الذي يعمل منذ 2017 رئيسا لتحرير صحفية هندوستان تايمز الهندية انه يمكن للكاظمي الاستفادة من المشكلات التي تواجهها طهران. فما بين العقوبات الأمريكية وجائحة فيروس كورونا المستجد، تجد إيران نفسها غير قادرة على مواصلة دعمها السخي لعملائها في العراق. وبالفعل خفضت إيران مدفوعاتها الشهرية للمليشيات العراقية.
ولم تتمكن إيران من تعويض خسارة قائدها العسكري قاسم سليماني الذي كان يدير التنظيمات الخارجية الموالية لطهران، إلى جانب رجله القوي في العراق أبو الهادي المهندس واللذان قتلا في غارة أمريكية بالقرب من مطار بغداد في بداية العام الحالي. ويكافح إسماعيل غاني خليفة سليماني للسيطرة على المليشيات العراقية والذي لم يتمكن من تجميعها حول زعيم محلي جديد مثل المهندس.
ومنذ توليه رئاسة الحكومة في أيار/مايو الماضي، يحاول كاظمي بقوة تفكيك بعض هذه المليشيات. وقد أمر بشن هجمات ضد جماعات بارزة مثل كتائب حزب الله ولكن سرعان من تم إطلاق سراح عناصر هذه الكتائب الذين تم القبض عليهم. كما حذر هذه الجماعات من استمرار هجماتها الصاروخية على الأهداف الأمريكية لكنها استمرت.
ولكن ما يفتقده الكاظمي هو الدعم البرلماني الكامل، حيث يتلقى أغلب السياسيين الشيعة العراقيين أوامرهم من طهران ومن العراقيين العاديين. ورغم أنه تعهد بحل مشكلات المحتجين من الشباب العراقيين الذين أطاحوا بسلفه فيما يعرف باسم "ثورة أكتوبر"، فإن الشباب العراقي يشككون فيه باعتباره صنيعة للمؤسسة السياسية المشوهة.
وحتى يتمكن رئيس الوزراء من مواجهة المليشيات وسادتهم الإيرانيين، فإنه يحتاج إلى المزيد من دعم العراقيين من مختلف الطوائف ومن المجتمع الدولي.
والحقيقة أن مقتل الهاشمي يمكن أن يخدم موقف أي سياسي بارع. فقد كان الباحث العراقي يحظى بشعبية واسعة بين المتظاهرين الذين واجهوا رصاص وهراوات المليشيات التي كانت تحاول فض مظاهراتهم. ورغم تراجع زخم ثورة أكتوبر منذ أوائل الربيع الماضي نتيجة جائحة فيروس كورونا وانسحاب دعم القيادات السياسية والدينية الشيعية، يمكن لمقتل الهاشمي إشعال جذوة الاحتجاجات مرة أخرى.
وأدانت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وغيرها من الدول والمؤسسات الدولية مقتل الهاشمي، بل إن إيران وجدت نفسها مضطرة لإعلان أسفها على مقتله. ويمكن للكاظمي دعوة هذه الدول والأطراف الدولية لتحويل أقوالها إلى أفعال وزيادة الدعم المخابراتي لبلاده وتشديد الضغوط الدبلوماسية على إيران.
ولكن يظل السؤال، هل يمكن أن يفشل الكاظمي في ذلك؟ بالطبع يمكن ذلك، لأن إيران تمتلك نفوذا قويا في بغداد وسوف تستخدمه. وحتى مع انخفاض الدعم الإيراني للمليشيات العراقية، فإن الأخيرة مازالت قادرة على إلحاق الأذى بأي قوة عراقية أخرى يمكن أن يستخدمها الكاظمي ضدها. في الوقت نفسه مازال على الكاظمي إبراز المظلومية السياسية المطلوبة لتحويل مأساة اغتيال الهاشمي إلى فرصة لتقليم اظافر إيران في بلاده.
فيديو قد يعجبك: