مدن ألمانية تتخوف من التأثير الاقتصادي لانسحاب قوات أمريكية منها
برلين - (د ب أ)
بدا واضحًا لتاجر السيارات، كارل ميتس أنه " عندما ينسحب الجنود من مدينة شبانجداليم، يمكن أن نغلق محلنا هنا". و يبيع ميتس سيارات لأفراد عائلات الجنود الأمريكيين بالقرب من القاعدة الجوية الأمريكية في المدينة، وقد رأى أن انسحاب الجنود الأمريكيين " سيكون خسارة فادحة، سيضيع العمل وكل شيء.
ومثل ميتس هناك العديد من الناس أيضا في منطقة إيفل المحيطة بالمطار الأمريكي هناك، يساورها قلق كبير حيال الوظائف وطلبات الشركات وكذلك أيضا حيال الصداقات والتعايش الألماني الأمريكي.
ويعتزم الجيش الأمريكي نقل سرب من مقاتلات إف-16 بأطقمه وقوات الدعم والفنيين من شبانجداليم إلى إيطاليا. ويعد هذا السرب الذي يضم أكثر من 20 طائرة، والذي يدعم عمليات حول العالم للقوات الجوية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، هو الركيزة الأساسية للقاعدة التي تضم نحو 4000 جندي. إن هناك صدمة في المنطقة.
ويعيش ويعمل في القاعدة نحو 11 ألف شخص بما في ذلك أقارب الجنود، ويعد المطار جهة عمل بالنسبة لأكثر من 800 ألماني، وتضم القاعدة وحدة نقل واحدة إلى جانب السرب.
وأشارت تقديرات مانفريد رودنس، عمدة بلدية شبايشر، التي تضم مدينة شبانجداليم، إلى أنه في حال نقل السرب، فإن ذلك سيسري على ما لا يقل عن 2000 جندي وذويهم وقال:" هذا قرار فردي وغير عقلاني ولا يمكن فهمه، صادر من شخص غريب"، ورأى أن خطط سحب الجنود ليس لها أي منطق، مشيرا إلى أن نحو 400 مليون دولار كان قد تم استثمارها في القاعدة في الأعوام الخمسة أو الستة الماضية، ولفت إلى أنه تم إنشاء عدة مرافق من بينها مستشفى للأسنان ومدارس جديدة ودور حضانة ومركز للياقة البدنية.
وتابع رودنس أنه بالإضافة إلى ذلك فقد تم تجديد إضاءة المدرج " وهذا هو أحدث مدرج في أوروبا" وقال إنه إذا تم نقل السرب إلى مدينة افيانو الإيطالية، فإنه سيتم غلق القاعدة في منطقة ايفيل " لكنها جاهزة في أي وقت للقيام بمهام دفاعية أخرى للأمريكيين". غير أن هذا يبدو الآن وكأنه أمنيات في تفكير العمدة.
وكانت هناك شائعات وتكهنات على مدار عام حول انسحاب للجنود الأمريكيين من ألمانيا، ولم يعتقد الكثيرون في بداية الأمر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاد في هذا، لكن الأمر صار مؤكدا منذ يوم الأربعاء الماضي. فقد صارت هناك خطة مبدئية لتخفيض عدد الجنود الأمريكيين في ألمانيا البالغ 36 ألف جندي بمقدار الثلث، حتى وإن لم يكن هناك بعد جدول زمني لهذه الخطوة.
وليس من المستبعد أن يبدأ سحب القوات في شبانجداليم، إذ يبدو أن نقل الـ20 مقاتلة سهل نسبيا من الناحية اللوجستية ويرجع ذلك بالأساس إلى وجود بنية تحتية راسخة لها في مقرها الجديد في إيطاليا.
وربما هناك ما يريح بال العمدة فقد قال ديفيد إيبرسون الكولونيل في سلاح الجو الأمريكي وقائد سرب المقاتلات الثاني والخمسين، ليلة الجمعة/السبت "المهمة هنا لا تنتهي بنقل سرب طيران أو وحدات أخرى قد يشملها هذا التحول في الاتجاه... غالبية أفراد السلاح الجوي المنتمين إلى سرب مقاتلات 52 يدعمون جوانب من المهمة ولن ينتقلوا من شبانجدالم".
ولا تبدو المشكلة بمثل هذه الحدة في مدينة شتوتجارت حيث سيتم نقل مركز قيادة للقوات الأمريكية في أوروبا وأفريقيا، من هناك، وليس هناك بعد مقر رئيسي جديد لمركز قيادة القوات في افريقيا، بينما من المرجح أنه سيتعين بناء مركز جديد لقيادة القوات الأمريكية في أوروبا في مونس في بلجيكا. كما يبدو أن مدينة شتوتجارت الغنية قادرة على تحمل التداعيات الاقتصادية بصورة أسهل مقارنة بمنطقة إيفيل ذات البنية الضعيفة والواقعة في ولاية راينلاند بفالتس (حيث تقع القاعدة الجوية في شبانجداليم).
من جانبه، يعتبر فريتس كون، عمدة شتوتجارت، المنتمي إلى حزب الخضر، هذه الخطوة بأنها " عمل عقابي"، غير أن هناك أصواتا أخرى في شتوتجارت. حيث يعتبر اتحاد المستأجرين في شتوتجارت سحب القوات الأمريكية فرصة فريدة في مكافحة أزمة السكن التي يتعين السيطرة عليها، وقال رولف جاسمان، رئيس الاتحاد:" إذا جاءت الفكرة من الأمريكيين، فلا يجب أن ننوح وتصطك أسناننا"، مشيرا إلى أن هناك نقصا في المساكن في شتوتجارت يُقَدَّر بـ 30 ألف مسكن، ورأى أن مشروع شتوجارت 21 لبناء محطة سكك حديدية ونقل المحطة الرئيسية في شتوتجارت تحت الأرض، سيوفر اعتبارا من عام 2025، مساحة نحو 80 هكتارا تسع لـ7500 مسكن.
وتابع جاسمان أن المساحات العسكرية جيدة الإعمار في شتوتجارت (عاصمة ولاية بادن-فورتمبرج) والتي تزيد عن 180 هكتارا، أكبر بكثير من تلك المساحة. كما أن مراكز القيادة والثكنات العسكرية غير مطلوبة في مدينة كبيرة مكتظة بالسكان.
غير أن مثل هذه التصريحات تتسم بوقع غريب بالنسبة للمواطنين في مدينة فيلزيك في ولاية بافاريا، وهي ثالث مدينة معنية بانسحاب القوات الأمريكية. فأزمة المساكن ليست قضية مطروحة في المدينة التي يقطن بها أكثر من 6000 شخص، غير الأمريكيين. ومن المنتظر أن يغادر العدد الأكبر من نحو 5500 جندي وذويهم البالغ عددهم نحو 9000 شخص، هذه المدينة. وهذا سيغير صورة المدينة والحياة بها على نحو كبير. فالجنود الأمريكيون وذويهم يتسوقون من محلات هذه المدينة، كما أن هناك العديد من أبناء المدينة يعملون كموظفين مدنيين لدى الجيش الأمريكي. وقد نشأت العديد من الصداقات وعلاقات المصاهرة بين سكان المدينة والأمريكيين على مدار عقود.
وقال هانز-مارتين شيرتل، عمدة المدينة إن عسكريين أمريكيين بارزين وصفوا قاعدة التدريب في جرافنفور/فيلزيك بأنها " جوهرة التاج للجيش الأمريكي"، وأعرب عن استغرابه لتفكيك جزء من القاعدة وقال إن مئات ملايين الدولارات تم استثمارها في السنوات الأخيرة في تحديث مركز التدريب العسكري، ومنها إنشاء ساحات للرماية وبنية تحتية، كما أن هناك بعض أعمال البناء لم يتم الانتهاء منها بعد. ولفت شيرتل إلى أن القاعدة تسهم بنحو 700 مليون يورو سنويا في الاقتصاد المحلي للمنطقة في صورة رواتب أو إيجارات أو عقود بناء.
يذكر أن مكتب السياحة الواقع قبالة مبنى بلدية المدينة متخصص في الرحلات إلى الولايات المتحدة، وتقول هيلجا شيسل، مديرة المكتب إنه إذا حدث الانسحاب، فإن ذلك سيكون بمثابة "كارثة"، وأضافت أن الكثير من سكان المدينة والأمريكيين يأتون إليها لحجز رحلاتهم أو عطلاتهم في الولايات المتحدة. وأعربت عن أملها في أن يتم التراجع عن القرار. وأكدت أن مركز التدريب العسكري هنا مهم " وكل مدينة فيلزيك تعيش عليه".
فيديو قد يعجبك: