"لعبة التحكيم الدولي".. لماذا يرفض لبنان تحقيقًا دوليًا في انفجار مرفأ بيروت؟
كتب – محمد عطايا – محمد صفوت:
من سيء إلى أسوأ.. هكذا هو الحال في لبنان الذي أصبح على شفا الانهيار، فلم تكن نيران المرفأ سوى حجر يضاف إلى جبال من أزمات اقتصادية وتنموية وسياسية وأمنية أثقلت كاهل الشعب اللبناني.
اشعلت حادثة مرفأ بيروت الأوضاع في لبنان مرة أخرى، الذي يعاني بالفعل منذ أكثر من سنوات، ويشهد العديد من التظاهرات المطالبة بإقصاء الحكومة والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة، وربما في أفضل الظروف، القضاء على نظام المحاصصة الذي رسخ للطائفية.
ومنذ الأمس، خرجت تظاهرات رافضة لآداء الحكومة والتعامل مع الأزمات التي تمر بها البلاد، في ظل وعود حكومية بتقديم المسؤولين عن الحادث إلى محاكمة عادلة.
وفي ظل تردي الأوضاع في بيروت، دعت فرنسا إلى عقد مؤتمر افتراضي دولي لتقديم مساعدات إلى الشعب اللبناني، وهو ما تحقق بالفعل اليوم، وأعلنت عدد من الدول تقديم مساعدات مالية قد تتخطى قيمتها 100 مليون دولار أمريكي، فضلًا عن تقديم وعود بإعادة إعمار بيروت.
لبنان إلى متاهة
مع تردي الأوضاع الحالية تبدو النظرة إلى مستقبل لبنان لا توحي بالخير، خاصة وأنه من المحتمل أن تشهد البلاد حالة من الفراغ السياسي في ظل الاستقالات الحالية للوزراء، وذلك وفقًا لأستاذ العلوم السياسية طارق فهمي.
وبرغم أن مؤتمر المانحين الذي عقد اليوم تبدو مؤشراته جيدة، إلا أنه وفقًا لفهمي في تصريحات لمصراوي، الأهم حاليًا هو إعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني وتشغيل القطاعات المعطلة.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية أن المشهد حاليًا يذهب إلى مزيد من الصدامات.
ومع استقالة وزيرة الإعلام اللبنانية ووزير البيئة اليوم، في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، أكد فهمي أنه خلال الساعات المقبلة سيحدث فراغ سياسي من خلال استقالات حكومية متتالية، وفي هذه الحالة ستتفكك الحكومة، ومن الممكن أن يدخل لبنان إلى متاهة مثلما حدث منذ سنوات، على حد وصفه.
"لعبة التحكيم الدولي"
وبرغم ضبابية الرؤية حول مستقبل لبنان، إلا أن الشعب اللبناني والعالم ينتظر نتائج التحقيق التي تكشف عن هوية المسؤولين عن الانفجار الذي أدى إلى مصرع 158 شخصًا وتشريد مئات الآلاف.
وتعالت الأصوات الدولية مؤخرًا، لإتاحة الفرصة لتحقيق دولي يكشف عن هوية المسؤولين عن الحادث، إلا أن ذلك الأمر لم يلق ترحيبًا من قادة لبنان.
واعتبر الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم، التحقيق الدولي في انفجار مرفأ بيروت "مضيعة للوقت"، ولا طائل منه، مقدمًا وعود بالكشف عن هوية المتسببين في الحادث.
كما أعلن حزب الله اللباني، أن التحقيق الدولي لا يهدف سوى للتدخل في الشؤون الداخلية للبنان.
وبرغم ظهور أصوات تؤكد على أهمية التحقيق الدولي حتى يكون التحقيق بعيدًا عن كل الضغوط السياسية في لبنان، إلا أن المحلل السياسي اللبناني نضال السبع، أكد أنه ليس من المنطقي العودة للتحقيقات الدولية خاصة بعدما حدث في حادث اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، عام ٢٠٠٥ ولم تعلن جهات التحقيق الدولية عن نتائج حتى اللحظة بعد مرور نحو ١٥ عامًا.
وتابع السبع، في تصريح خاص لمصراوي، أن التجربة اللبنانية مع التحقيق الدولي سيئة ولا يمكن تكرارها في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة والأزمات التي تعصف بلبنان، موضحًا أن لجنة التحقيق بشأن اغتيال الحريري لم تعلن عن أي نتائج بعد.
وأشار إلى أن لجنة التحقيق الدولية في قضية اغتيال الحريري، أمرت بحبس ٤ قيادات عسكرية كبيرة مسؤولين عن الأمن اللبناني، ووجهت إليهم اتهامات بالتقصير لتكشف برائتهم بعد سنوات من الحبس بإعلان من المحكمة الدولية، دفع فيها لبنان الثمن من عدم استقرار أمني وحوادث كثيرة شهدتها البلاد ما مثل فتحًا لباب الاغتيالات في البلاد -على حد قوله.
وأوضح السبع، أن لجنة التحقيق في اغتيال الحريري استنزفت لبنان ماليًا ولا يمكن تأسيس أخرى لمص ما بقى من دماء اللبنانيين، وانتظار نتائج تعلن بعد ١٥ عامًا من الواقعة.
ويرى المحلل السياسي اللبناني، أن هناك نظرة في لبنان بأن المحكمة الدولية مسيسة وتهدف لممارسة الضغوط على لبنان، لافتًا إلى أن لبنان به قضاء مستقل ونزيه ويمكن الاعتماد على القضاء اللبناني في تلك القضية التي من المستحيل أن تأخذ منهم ١٥ عامًا كما حدث في اللجنة الدولية، فضلاً عن أنه سيراعي الأزمة الاقتصادية ولن يستنزف موارد الدولة.
من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية طارق فهمي، أن التحقيقات الدولية "غير مشرفة"، لأنه حتى الآن قضية رفيق الحريري لم تتم.
وأوضح أن التحقيق الدولي عليه علامات استفهام، لأن ماكرون لم يحدد الآلية التي قد يتم بها التحقيق، لافتًا إلى أن ما يحتاجه لبنان اليوم ليس تحقيقًا دوليًا ولكن ازدهار الاقتصاد والتنمية قبل الدخول في مهاترات أمنية خصوصًا في ظل ممارسات حزب الله.
فرنسا.. هل تكون كلمة السر؟
بتأزم الوضع في لبنان، خرج الآلاف في العاصمة بيروت للتعبير عن غضبهم، فحتى اللحظة غير معروف الجهات المنظمة للتظاهرات أو انتماءات الكتل الأكبر في الشوارع، ما يشير إلى أن الشعب يعيش حالة عارمة من الغضب وحسب.
من جهته، يرى حسان دياب، رئيس الحكومة اللبنانية، في كلمته أمس، أن الحل يكمن في إجراء انتخابات نيابية مبكرة، لافتًا إلى أن ذلك سيكون مدخلًا لإنهاء الأزمة التي يعيشها لبنان حاليًا.
في المقابل، أكد أستاذ العلوم السياسية، أن الانتخابات النيابية أو تعديل نظام المحاصصة في الرئاسيات الثلاثة في لبنان أمر مستبعد في هذه الأثناء، لافتًا إلى أنه من المتوقع أن يدخل لبنان إلى فراغ سياسي مع توالي استقالات الحكومة.
وأوضح أنه في حالة استقالة الحكومة، فالبديل المحتمل سيكون سعد الحريري رئيس الوزراء السابق، وهو ما قد يفجر الوضع بشكل أكبر.
ويرى فهمي أن الحل قد يكون لدى أطراف دولية، وخاصة فرنسا، التي لديها القدرة على التفاهم مع الرئاسيات الثلاثة في لبنان، لافتًا إلى أن ما يشاع بشأن باريس كيان مستعمر وما إلى ذلك ليس صحيحًا.
وأوضح أن فرنسا نجحت في عقد مؤتمر المانحين بعد ساعات من حادث بيروت، وأن لديها وسائل رائجة مع الرئاسيات في لبنان وتسطيع التعامل مع حزب الله بشكل جيد.
وتابع "فرنسا لديهم ضوابط ومعايير تستطيع من خلالها بدء حوار وطني مباشر".
فيديو قد يعجبك: