موقع أمريكي: 5 أسباب تُرجح فشل إدارة ترامب في حل أزمة سد النهضة
كتبت- رنا أسامة:
ألقى موقع "مودرن دبلوماسي" الأمريكي الضوء على إخفاق الولايات المتحدة في التعامل مع أزمة سد النهضة، وذلك على خلفية خفض مساعداتها لإثيوبيا مؤخرًا، بأوامر من الرئيس دونالد ترامب، أملًا في إقناع أديس أبابا بالتوصل إلى اتفاق مع مصر والسودان، وذلك قبل أن تنتهي تمامًا من ملء السد الذي تبنيه على النيل الأزرق.
ورأى الموقع أن قرار وزير الخارجية مايك بومبيو بتعليق ما يصل إلى 130 مليون دولار من مساعدات واشنطن لأديس أبابا، الذي كشفت عنه مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في تقرير 27 أغسطس الفائت، أظهر فهمًا محدودًا لأزمة سد النهضة، وللجغرافيا السياسية للقرن الأفريقي، وأبان بأن ثمة قيود تحكم التدخلات الخارجية في هذا الملف.
وبشكل جوهري، يرى "مودرن دبلوماسي" أن هذا القرار لا يعزز المصالح الأمريكية في المنطقة، بل يُضعفها؛ حيث يمكن لإثيوبيا أن تعوّض ذلك النقص بسهولة بطرق أخرى.
بدأ بناء السد البالغ قيمته 4.8 مليار دولار، في أبريل 2011. ويُفترض أن يستوعب 74 مليار متر مكعب. فيما يُتوقع أن يولّد ما يصل إلى 6000 ميجاواط من الطاقة، وبذلك يعالج انعدام أمن الطاقة في إثيوبيا: فهناك حوالي 60 مليون إثيوبي لا يحصلون على الكهرباء أو يصلون إليها بشكل محدود للغاية.
علاوة على ذلك، تأمل الحكومة الإثيوبية أيضًا في تصدير الطاقة إلى بعض جيرانها، وبالتالي تكسب عملة أجنبية قيّمة للبلاد. ومن ثمّ، بات السد رمزًا وطنيًا مهمًا، حيث أطلق موسيقيون إثيوبيون مشهورون أغاني تمجده وتحتفي بما سيمنحه للإثيوبيين العاديين، حيث روّجت له باعتباره "الحل السحري لانعدام أمن الطاقة في البلاد".
غير أن السد يُمثل مشكلة رئيسية لدول المصب، لا سيّما مصر، التي تعتمد بشكل كبير على نهر النيل. وتطالب القاهرة بإمرار وتدفق 40 مليار متر مكعب سنويًا من النيل الأزرق، فيما تقترح أديس أبابا مرور 35 مليار متر مكعب سنويا خلال فترات الملء فقط وفترات الجفاف والجفاف الممتد.
وجرت جولات عدة للتفاوض بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، بعضها برعاية الولايات المتحدة والآخر برعاية الاتحاد الأفريقي. لكن حتى الآن، لم يُتوصل إلى حل للنزاع القائم منذ 10 أعوام.
ومع ذلك، رجّح "مودرن دبلوماسي" أن تذهب محاولات الضغط الأمريكية على إثيوبيا، لتغيير مسارها بشأن سد النهضة، سُدى. وعزا ذلك إلى 5 أسباب؛ الأول ينبع من الإقرار بالضغوط المحلية الهائلة التي يتعرض لها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، بما يعني أن المساومة بشأن السد لن تُحدِث فرقًا سوى إضعاف موقفه.
تواجه حكومة آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام، انقسامات سياسية وإثنية عميقة واتهامات بالسلطوية، إزاء الطريقة التي تعاملت بها الأجهزة الأمنية مع الاحتجاجات المنددة بمقتل المغني المعارض هاشالو هونديسا في يونيو الفائت، بما في ذلك اعتقال واحتجاز آلاف الأشخاص، ومعظمهم معارضين للحكومة.
علاوة على الاستياء الشعبي من طريقة تعاملها مع منطقة "تيجراي" الإقليمية، معقل حزب المعارضة السياسي الرئيسي لآبي، حزب "الوحدة للديمقراطية والعدالة"، ومطالبتها بإجراء انتخابات إقليمية. والأسبوع الماضي، نظّمت "تيجراي" انتخابات برلمانية، مُتحدية حكومة آبي أحمد التي قررت إرجاء كل الانتخابات بسبب وباء كوفيد-19.
وهيمنت هذه المنطقة، التي تتقاسم حدودا مع اريتريا والسودان، على الحياة السياسية الإثيوبية لثلاثة عقود تقريبا قبل أن تفضي تظاهرات مناهضة للحكومة إلى وصول آبي إلى السلطة في 2018. وكان يفترض أن تنظم اثيوبيا انتخابات وطنية في أغسطس. لكن مفوضية الانتخابات أرجأتها في مارس إلى أجل غير مسمى بسبب الجائحة.
كما يواجه آبي تحديًا رئيسيًا آخر؛ وهو الاقتصاد. وصل رئيس الوزراء الإثيوبي إلى السلطة ببرنامج سياسي اقتصادي طموح يهدف إلى تحرير قطاعات مثل الاتصالات والتمويل، لكن جائحة "كوفيد 19" حوّلت هذا البرنامج عن مساره.
وأشار إلى أن بعض الإجراءات التي تبنّتها حكومة آبي أحمد لمكافحة انتشار المرض، كان لها تأثير وخيم على قطاعات رئيسية، الزراعة بشكل أساسي، وكذلك البناء. فعلى سبيل المثال، أثرت قيود السفر على قطاع الزراعة، الذي يخضع بالفعل لضغوط بسبب غزو الجراد الصحراوي ونقص الاستثمار الدائم. لذلك لم يكن مُفاجئًا أن يُعرب العديد من الإثيوبيين، في استطلاع أجراه البنك الدولي، عن مخاوف كبيرة بشأن المستقبل.
أما السبب الثاني، وفق "مودرن دبلوماسي"، فيتمثل في الدعم الدولي الذي يحظى به آبي. فبعد فترة وجيزة من وصوله إلى السلطة في عام 2018، تواصل مع إريتريا، العدو اللدود لبلاده منذ عقود، وقدم تنازلات مهمة، بما في ذلك التخلي عن قرية بادمي التي مُنحت لإريتريا في عام 2002، دون أي شروط مسبقة. الأمر الذي قاد إلى منحه جائزة نوبل للسلام. كما استغل آبي السُمعة الطيبة التي نالها بعد إطلاقه سراح عدد لا يُحصى من المُعتقلين السياسيين البارزين.
واعتبر الموقع أن القرار الأمريكي، الذي يُزعم أنه اتُخِذ بأمر من الرئيس ترامب، "طائش" لأن حجم المساعدة التي تم قطعها صغير نسبيًا ليُغري أديس أبابا لتعدل عن مسارها. علاوة على ذلك، لن يؤثر الخفض على المساعدات الإنسانية الأمريكية لإثيوبيا، والتي لا تزال في مأمن، انطلاقًا من إدراك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بأن أكثر من 16 مليون إثيوبي بحاجة إلى المساعدة بسبب "كوفيد 19" وأزمات أخرى مثل غزو الجراد وتغير المناخ.
وثالثًا؛ يدرك آبي أن إبطاء عملية ملء السد أو تقديم تنازلات كبيرة لمصر، سيثير غضب العديد من الإثيوبيين الذين يتطلعون إلى السد باعتباره "العلاج السحري" لأزماتهم. فيما يتمثل السبب الرابع في الدعم الذي يحظى به آبي من الدول المشاطئة الرئيسية التي تدعم السد.
وخامسًا؛ يُمكن استبدال المساعدات الأمريكية المُتقطعة بسهولة، فيما تدرك كثير من الدول أهمية إثيوبيا لأنها دولة ضخمة، تضم أكثر من 100 مليون شخص، وكثير منهم من فئة الشباب ويتطلعون إلى الاستفادة من ثمار التصنيع.
وبناء على هذه الأسباب، خلُص الموقع إلى أن الولايات المتحدة بالغت بشكل خطير في تقدير نفوذها، وبالتالي حدت من قدرتها على إحداث تغيير يضع حدًا لأزمة سد النهضة، وباتت أقل أهمية في القرن الأفريقي، في وقت تعزز فيه الصين وجودها في هذه المنطقة الحاسمة.
فيديو قد يعجبك: