لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هل نجحت سياسة "الخطوط الحمراء" في ردع مغامرات أردوغان في ليبيا وشرق المتوسط؟

11:14 ص الأحد 20 سبتمبر 2020

اردوغان

كتب - محمد عطايا:

"يبدو أن تركيا لا تفهم سوى سياسة الخطوط الحمراء"، هكذا رد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على خطوات تركيا "الاستفزازية" في شرق المتوسط، متأثرًا -ربما- بإعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي طريق سرت-الجفرة في ليبيا خط أحمر لا يسمح بتجاوزه.

"سياسة الخطوط الحمراء" كما وصفها ماكرون -ربما- أثرت في ردع أو تقليل تحركات تركيا التوسعية في المنطقة.

اتخذت تركيا مؤخرًا خطوات تدل على تراجعها عن مخططاتها التي بدت محمومة في البداية، وأطلقت تصريحات تدعو للتهدئة وتغليب لغة الحوار وتجنب النزاع العسكري، في مواقف رأى البعض أنها "مراوغة تركية ومحاولة لكسب الوقت".

وبرغم أن تركيا لم توقف إمداد ميليشيات حكومة الوفاق الليبية بالسلاح والمرتزقة، إلا أن أنقرة التزمت بما أعلنه الرئيس السيسي في يونيو الماضي بأن سرت والجفرة "خط أحمر"، ولم تحاول عبر مليشيات طرابلس مهاجمة تلك المنطقة.

بالتوازي، قررت تركيا سحب سفينة التنقيب أورتش رئيس من منطقة شرق المتوسط بعد ضغط من الاتحاد الأوروبي الذي هدد بفرض عقوبات قاسية على أنقرة، وتصريحات الرئيس الفرنسي بوضع خطوط حمراء لأنقرة في تلك المنطقة، إلا أنه لا يمكن الحكم على أن تلك التحركات والتصريحات الناعمة دليلًا كافيًا على تقهقر أنقرة.

من التصعيد إلى التهدئة

حتى وقت قريب، كان أردوغان قادرًا على دفع سياسته الخارجية والأمنية الحازمة دون رد فعل كبير من الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، وذلك بحسب ما ذكره البرلماني التركي السابق، أيكان أردمير.

وأضاف أردمير، في تصريحات لـ"مصراوي"، أنه في الآونة الأخيرة تغيرت السياسة التركية بشأن تحركاتها في البحر المتوسط وليبيا.

بدأت التحركات التركية المؤثرة في ليبيا بعد توقيع مذكرتي تفاهم مع حكومة الوفاق الليبية لترسيم الحدود وأخرى للدفاع المشترك، وأعطت لنفسها الشرعية لإرسال سلاح وميليشيات إلى القوات التي تقاتل في صفوف الوفاق، وهو ما كان له بالفعل أثرًا في تغيير دفة المواجهات في ليبيا، وتسبب في تراجع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في أكثر من منطقة.

استمرار القتال في جبهات مختلفة في ليبيا، والتحرك التركي بشكل محموم تجاه طريق سرت والجفرة كان هدفه الواضح هو السيطرة على النفط.

وأعرب أردوغان في مقابلة مع قناة "تي آر تي" التركية، في الثامن من يونيو الماضي، عن رغبته في أن تستولي الميليشيات التابعة له في ليبيا على مدينة سرت، الواقعة تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

وأقر أردوغان، أن مدينة سرت مهمة بسبب وجود آبار النفط والغاز هناك.

مع بدء الحشد على حدود سرت، أعلن الرئيس السيسي عن أن تلك المنطقة خط أحمر ولا يسمح بتجاوزه، مهددًا بالتدخل لحماية ثروات الشعب الليبي إذا طلب البرلمان الليبي ذلك.

عندها توقفت حشد الميليشيات التابعة للوفاق عند تلك النقطة، ولكن الإمدادات التركية لم تتوقف حتى اليوم، برغم إعلانها في أكثر من مناسبة عن عدم رغبتها في معاداة الجيش المصري في المنطقة، مغلبة لغة الحوار.

وأكد المتحدث باسم الرئيس التركي، إبراهيم كالين، أن بلاده "ليست مع تصعيد التوتر في ليبيا، لكنها ستواصل دعم حق الحكومة الشرعية في طرابلس بالدفاع عن نفسها".

وقال "لسنا مع تصعيد التوتر في ليبيا. ليس لدينا أي خطة أو نية أو تفكير لمجابهة أي دولة هناك"، في الوقت الذي كان يناقش فيه البرلمان المصري منح تفويض للرئيس السيسي للتدخل عسكريًا في ليبيا إذا لزم الأمر لحماية الأمن الوطني المصري والليبي.

فرنسا وموقف متشابك

تتحكم فرنسا بشكل كبير في المشهد الحالي في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط، خاصة وأن موقفها مشابهة للموقف المصري، وذلك وفقًا لأستاذ العلوم السياسية المصري، طارق فهمي.

ويرى فهمي، في تصريحات لـ"مصراوي"، أن موقف فرنسا في ليبيا لم يتغير وهو قوي وواضح ويتقرب من الموقف المصري والمبادرة المصرية.

ووجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتقادات حادة لتركيا في يونيو الماضي، بسبب دورها في الصراع الليبي.

وقال ماكرون مساء اليوم الاثنين عقب لقائه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في ميزيبيرج بالقرب من برلين إن هذا الدور "تهديد لأفريقيا وأوروبا، وفرنسا تدين التدخل الخارجي" في ليبيا.

وقال ماكرون في المؤتمر الصحفي مع المستشارة ميركل "نحتاج في هذه المرحلة إلى توضيح لا غنى عنه للسياسة التركية في ليبيا والتي هي مرفوضة بالنسبة إلينا". وأضاف أن "الطرف الخارجي الأول الذي يتدخل" في ليبيا التي تشهد نزاعا منذ 2011 "هو تركيا".

وتابع ماكرون أن تركيا "لا تفي بأي من التزاماتها في مؤتمر برلين (الذي عقد في يناير) وزادت من وجودها العسكري في ليبيا واستوردت مجددا وفي شكل كبير مقاتلين جهاديين من سوريا".

وقال أيضا "إنها المسؤولية التاريخية والإجرامية لتركيا التي تدعي أنها عضو في حلف شمال الاطلسي. في أي حال إنها تتبنى" هذه المسؤولية.

يرى استاذ العلوم السياسية المصري، أن الموقف الفرنسي في ليبيا قوي ورادع، لافتًا إلى أن أي مردود للتحرك التركي في ليبيا له تأثير مباشر على ملف شرق المتوسط، والتي تنتقد فيه باريس تحركات أنقرة أيضًا.

ضغط دولي.. وعزلة تركيا

بعد التصعيد الكبير والخطير في المنطقة في الآونة الأخيرة، من إرسال أنقرة سفينة تنقيب "أورتش رئيس" في شرق المتوسط، وإعلانها عدم التوقف عن التنقيب لحماية ما وصفته بـ"حقوقها بالمتوسط"، واجهت أنقرة ضغوطًا دولية أجبرتها على التراجع، وذلك وفقًا للبرلمان التركي السابق.

ويرى أردمير أن واشنطن والاتحاد الأوروبي لم تكونان أكثر استعدادًا لاتخاذ موقف واضح ضد خطوات أنقرة التوسعية، لافتًا إلى أن الضغط الأوروبي والأمريكي لاحقًا أجبر أردوغان على إعادة تقييم سياساته والتراجع عدة خطوات إلى الوراء.

وأعلنت تركيا مؤخرًا، استعدادها للدخول في حوار مع الأطراف الإقليمية وتسوية الخلافات والمفاوضات بالدبلوماسية، ليس فقط في المتوسط، ولكن أيضًا في ليبيا.

وتغيرت نبرة أردوغان مؤخرًا، وأطلقت أنقرة في الفترة الأخيرة تصريحات "ناعمة" تحاول بها استمالة مصر، وكان أبرزها تصريحات ياسين أقطاي، مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، التي قال فيها إن "العلاقات مع مصر يجب أن تستمر، وأن يكون هناك تواصل بينهما سواء بالنسبة لأزمة شرق المتوسط أو ليبيا، بغض النظر عن الخلاف السياسي بين إردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي".

وذهب أقطاي أبعد من ذلك، ليصف الجيش المصري بأنه "جيش عظيم"، و"لا يمكن لتركيا أن تحاربه في ليبيا لأنه جيش الشعب المصري".

أما القاهرة، فردّت على محاولات الاستمالة التركية بأنها "لا تعير اهتماماً للأقوال، وإنما تنظر إلى الأفعال على الأرض" بحسب ما صرح وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي ذكّر بأن التصريحات التركية "تكرّرت بصور مختلفة في السنوات السابقة، لكن الأفعال على الأرض كانت مناقضة تماماً للتصريحات".

يُذكر أن المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم أردوغان، كانوا قد ذهبوا في التصعيد ضد كل مَن يعارض تحركات أنقرة في شرق المتوسط، بدءاً من اليونان ودول شرق المتوسط، إلى فرنسا والاتحاد الأوروبي، وصولاً إلى الولايات المتحدة.

وهذا ما دفع رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي انشق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم وأسس حزبًا معارضًا جديدًا، لاختصار المشهد بالقول "إنه فشل دبلوماسي أدى إلى العزلة".

هل انهزمت تركيا؟

سحب سفينة التنقيب أورتش رئيس من شرق المتوسط، ووقف العمليات العسكرية في ليبيا، لا يعني تراجع الموقف التركي في تلك النقطين، حتى وأن كانت تنتظر لعقوبات أوروبية محتملة، وذلك وفقًا لأستاذ العلوم السياسية فهمي.

برغم إعلان أنقرة سحب سفينة التنقيب من شرق المتوسط، وإعادتها إلى ميناء أنطاليا، إلا أن ذلك اعتبره العديد من المراقبين أنه نوعًا من المراوغة، خاصة وأن تركيا تنتظر قرارًا محتملًا من الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات عليها يومي 24 و25 سبتمبر المقبلين.

وأكد فهمي، أن سحب الأتراك سفينة التنقيب مجرد محاولة للتهدئة، لافتًا إلى أن تلك الخطوة جاءت بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى قبرص، وقبلها زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى قبرص.

ووجه بومبيو رسائل حادة وواضحة إلى تركيا، عقب اجتماعه مع الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس منذ أيام، وفيها أعرب الوزير الأمريكي عن قلق واشنطن البالغ إزاء تصرفات أنقرة في شرق المتوسط، وحث جميع الأطراف إلى دعم الحل الدبلوماسي.

كذلك أعلن بومبيو عن قرب إنشاء مركز جديد للأمن البري والبحري والموانئ، في جنوب قبرص كجزء من الجهود المبذولة لتعزيز التعاون الأمني في المنطقة بموجب مذكرة تفاهم وقّعها في قبرص.

هذه المذكرة أغضبت أنقرة، التي أعلنت عبر وزارة خارجيتها، أنها تعد في "حكم العدم" بالنسبة لقبرص الشمالية. وهي "لن تخدم السلام والاستقرار في شرق البحر المتوسط"، بل "ستضر بحل قضية قبرص".

وبموجب مذكرة التفاهم هذه، ستوفر الولايات المتحدة تدريبات للدعم الفني لليونانيين بشأن أمن الحدود والموانئ والجمارك، كما ستنشئ منصات أمنية في المنطقة وتوفر دعم المعدات والأمن السيبراني.

وكانت الولايات المتحدة قد رفعت أخيراً حظر الأسلحة المفروض على الإدارة القبرصية اليونانية منذ عقود، وأدرجت الجانب القبرصي - اليوناني في برنامج التدريب العسكري.

ويعقد المجلس الأوروبي، الذي يضم رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي، اجتماعا يومي 24 و25 سبتمبر لبحث طريقة التعامل مع تركيا وتصرفاتها في منطقة شرق المتوسط.

وأعلنت أنقرة في أكثر من مناسبة أنها على يقين أن الاتحاد لن يفرض عقوبات رادعة عليها.

وبرغم الضغط الدولي على تركيا، أكد أستاذ العلوم السياسية أن أنقرة لا تزال تجري مناورات في منطقة شرق المتوسط، وهو ما يمثل نوعًا من التصعيد، خاصة بعد احتجاج اليونان والاتحاد الأوروبي، الذي أكدت في أكثر من مناسبة تأييده لقبرص وأثينا.

وأكد أستاذ العلوم السياسية أنه "لن يحدث تغيير حقيقي في المشهد أو دراماتيكي، ولن تتغير قواعد اللعبة في ليبيا وشرق المتوسط حتى الآن".

من جهته، أوضح البرلماني التركي السابق، أن الأسابيع المقبلة ستكشف إذا ما كانت نبرة التهدئة التركية توجهًا حقيقًا أم مجرد مراوغة تكتيكة تهدف إلى كسب الوقت.

وأضاف أنه "من الصعب أن نتخيل أن يتخلى الرئيس التركي عن طموحاته الأيديولوجية".

هل المواجهة العسكرية ممكنة؟

التأهب المصري واليوناني والفرنسي ضد التحركات التركية في المنطقة جعل احتمالية المواجهة العسكرية بين تركيا وجيرانها في المنطقة أمر وارد، وإن كان ضعيفًا.

وأعلنت فرنسا أنها على استعداد لبيع مقاتلات "رافال" التي تنتجها إلى اليونان، بعدما طلبت الأخيرة ذلك. ونشرت اليونان أسلحتها على الجزر اليونانية وهو ما أعلنت أنقرة رفضه مرارًا.

وقال رئيس الوزراء اليوناني، في أكثر من مناسبة أن سحب الأسلحة من الجزر اليونانية أمر غير قابل للنقاش. فيما لا تزال تجري تركيا تدريبات ومناورات بحرية في منطقة شرق المتوسط، وهو ما تراه اليونان تهديدًا لحدودها.

وفي هذا الصدد، قال أردمير، إن الصراع العسكري بين تركيا وجيرانها سيكون كارثيًا ليس فقط لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ولكن أيضًا للولايات المتحدة، التي تعتمد بشكل متزايد على الشركاء في شرق البحر المتوسط للحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين.

وأوضح أنه "على الرغم من أن الصدام العسكري العرضي يكون دائمًا ضمن نطاق الاحتمال، إلا أن هناك ديناميكيات أمريكية وأوروبية قوية تعمل على احتواء دوافع أردوغان العدائية لمنع دبلوماسيته من التحول إلى صراع عسكري نشط".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان