قتلى ومعارك مستمرة واتهام لتركيا.. ماذا يحدث بين أرمينيا وأذربيجان؟
كتبت- رنا أسامة:
على مدى الساعات القليلة الماضية تصاعدت حِدة التوتر بين أرمينيا وأذربيجان؛ إثر مواجهات ضارية عبر خط" التماس الحدودي" بينهما- منطقة "ناغورني قره باغ"- صاحبتها اتهامات مُتبادلة لا سيّما مع سقوط قتلى مدنيين من الجانبين، ما دفع الجانب الأرميني لإعلان الأحكام العُرفية والتعبئة العامة، وسط دعوات دولية للوقف الفوري لإطلاق النار، في محاولة لإخماد لهيب الاشتباكات الأسوأ بين البلدين منذ عام 2016.
يأتي ذلك بعد نحو شهرين على مناوشات صُنّفت بأنها "الأكثر دموية منذ حرب الأيام الأربعة بين الطرفين عام 2016"، وأسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 17 شخصًا، في إطار نزاع يجري بين البلدين السوفيتين السابقتين منذ عقود للسيطرة على ناغورني قره باغ الانفصالية.
ماذا حدث؟
في ساعة مبكرة من صباح الأحد، أعلنت أرمينيا أن جارتها أذربيجان شنّت هجمات صاروخية استهدفت أهدافًا مدنية، بينها مدارس، في "ناغورنو قرة باغ" المُتنازع عليها وحثّت السكان على الاحتماء بملاجئ.
وقالت إن قواتها ردّت على القصف الأذري بهجوم مُضاد قصفت خلاله 3 دبابات "وقوى عاملة" أذربيجانية، حسبما أفادت المتحدثة باسم الوزارة الأرمينية، شوشان ستيبانيان. كما نشرت لقطات من الهجوم الأرمني المُضاد.
وقالت وزارة الدفاع الأرمنية، في بيان نقلته وكالة الأنباء الأرمنية (أرمنبريس)، إن قواتها أسقطت طائرتين هليكوبتر و3 طائرات مُسيّرة لأذربيجان، ردا على هجوم قالت إنه "بدأ في الساعة 04:10 (فجر الأحد بتوقيت جرينتش)، واستهدف التجمعات السكنية ومن بينها العاصمة الإقليمية خانكندي".
وأدانت الوزارة الأرمنية في بيان "اعتداء القيادة العسكرية السياسية في أذربيجان"، وعدّته "انتهاكًا صارخًا لمعايير القانون الإنساني الدولي ومنطق عملية المفاوضات السلمية لحل النزاع"، مؤكدّة في الوقت نفسه "سيكون ردنا متناسبًا".
كما حمّلت "القيادة العسكرية السياسية لأذربيجان المسؤولية الكاملة عن نتائج عدوانها". وحذّرت من عواقب وخيمة، متوعّدة بـ"استخدام كل الوسائل الضرورية لتدمير العدو الذي يهاجم الوطن مرة أخرى"، وفق البيان. وأعلنت الأحكام العُرفية والتعبئة العامة.
وفي الوقت ذاته، قال رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان، إن أذربيجان خططت مُسبقًا للهجوم بالتعاون مع تركيا، مؤكدًا أن تصعيد الصراع في قرة باغ، قد يتجاوز المنطقة ويهدد الأمن الدولي.
وبرّر ذلك بـ"التصريحات العدوانية الأخيرة للقيادة الأذربيجانية، والتدريبات العسكرية المشتركة واسعة النطاق مع تركيا، وكذلك رفض طلبات مراقبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا"، مُعتبرًا أن كل هذه الدلائل "تُشير بوضوح إلى أن هذا العدوان كان مُخططًا مُسبقًا ويشكل استفزازًا واسع النطاق ضد السلام والأمن الإقليميين".
في المقابل، اتهمت وزارة الدفاع الأذرية، الجيش الأرمني بإطلاق النار على مناطق سكنية عند "خط الاتصال"، وهي منطقة ملغومة بشدة وغير مأهولة تفصل بين القوات المدعومة من أرمينيا وقوات أذربيجان في المنطقة.
وأكد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف في كلمة بثتها قناة أذربيجان الرسمية "آز تي في"، أن "القوات المسلحة الأرمنية قصفت صباح الأحد مواقع القوات المسلحة الأذربيجانية والمناطق السكنية في اتجاهات مختلفة من خط التماس".
وبحسب الدفاع الأذربيجاني، أسقطت القوات الأرمنية طائرة هليكوبتر لأذربيجان، لكن طاقمها نجا. وأشار إلى أن القوات الأذرية شنّت إثر ذلك "هجومًا مُضادًا لكبح أنشطة القتال الأرمينية وضمان سلامة السكان"ز
وأضافت أن الهجوم المُضاد "أسفر عن تدمير 12 منظومة مضادة للطائرات تابعة لسلاح الجو الأرمني".
وفي حين، أفادت تقارير باستيلاء القوات الأذرية على 6 مستوطنات في قره باغ، نفى جيش المنطقة المُتنازع عليها ذلك، معتبرًا إيّاها "معلومات مُضللة واستفزاز إعلامي لآلة الدعاية الأذربيجانية"، وفق أرمنبريس.
ما الخسائر؟
من الجانب الأرمني، قُتِل 12 شخصًا (10 عسكريين ومدنيان)، وأُصيب أكثر من 10 آخرين، بينهم نساء وأطفال، حسبما أعلن سامفيل بابايان، سكرتير مجلس الأمن لآرتساخ (المعروفة بجمهورية قره باغ).
كما تضرّرت العديد من المباني والبنى التحتية في جميع المستوطنات الرئيسية والصغيرة في قره باغ، بما في ذلك مدينة ستيباناكيرت، أسكيران، مارتاكيرت، مارتوني، هادروت وشوشي، وفق "أرمنبريس".
ومن الجانب الأذربيجاني، أعلن الرئيس إلهام علييف عن سقوط "قتلى وجرحى" مدنيين وعسكريين- دون أن يذكر حصيلة مُحددة. لكنه أكّد أن بلاده "لن تترك تحركات أرمينيا دون رد، فيما تشن في الوقت الحالي ضربات على مواقع العدو (أرمينيا) ويتم تدمير معداتها العسكرية".
وفي حين لم تُعلن أذربيجان خسائرها المادية، قالت وزارة دفاع آرتساخ إن الجيش الأذري فقد 4 طائرات مروحية و15 طائرة "مُسيّرة" و10 دبابات ومُدرّعات، بحسب وكالة الأنباء الأرمنية. وأكّدت أن "المعارك مستمرة".
ماذا نعرف عن إقليم ناغورنو كاراباخ؟
تقع داخل أراضي أذربيجان وتسكنها أغلبية أرمينية وتحظى بدعم من أرمينيا المجاورة.
وكلمة ناغورنو باللغة الروسية تعني مرتفعات، بينما تعني كراباخ الحديقة السوداء باللغة الآذرية.
ويفضل أبناء عرقية الأرمن استخدام الاسم الأرمني القديم للمنطقة "أرتساخ".
تعود القضية الجيوسياسية بين أذربيجان وأرمينيا على هذه المنطقة إلى نحو قرن مضى، حينما ضم الاتحاد السوفيتي السابق عام 1921، منطقة ناخشيفان ذات الأغلبية السكانية الأرمنية، وكان الأرمن يشكلون 94 بالمائة من سكانها، إلى أذربيجان.
في عام 1988، وقرب نهاية الحكم السوفيتي، دخلت القوات الأذربيجانية والانفصاليون الأرمن حربًا دموية أودت بحياة 30 ألف شخص ونزوح مئات الآلاف، وانتهت بتوقيع هدنة عام 1994، غير أن المفاوضات فشلت في أن تقود للتوصل لمعاهدة سلام دائم حتى اللحظة، ولايزال هذا النزاع واحدًا من "الصراعات المجمدة" لما بعد الحقبة السوفيتية، وفق هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".
وانخرطت فرنسا وروسيا والولايات المتحدة في الجهود الرامية لإحلال السلام وعُرفت بـ"مجموعة مينسك"، والتي تضم إلى جانب أرمينيا وأذربيجان كلا من بيلاروسيا وألمانيا وإيطاليا والسويد وفنلندا وتركيا.
خلال الاستفتاء الذي أجراه الإقليم في ديسمبر 2006 واعتبرته أذربيجان غير شرعي، أقرت المنطقة دستورًا جديدًا.
وكانت بعض بوادر التقدم تظهر من حين لآخر خلال لقاءات متقطعة بين رئيسي أذربيجان وأرمينيا.فقد أُحرِز تقدم ملحوظ خلال المحادثات بين الزعيمين عام 2009، لكنه لم يستمر، ووقعت منذ ذلك الحين انتهاكات عدة خطيرة للهدنة، كان من أبرزها مقتل عشرات الجنود من الجانبين في أعمال عدائية متبادلة في أبريل 2016.
ما ردود الفعل الدولية؟
دعت كل من مصر وفرنسا وألمانيا وروسيا إلى وقف الأعمال العدائية بين أرمينيا وأذربيجان واستئناف الحوار على الفور.
ناشدت مصر الطرفين بضبط النفس ووقف التصعيد، مؤكدة على موقفها الثابت والقائم على حث كافة الأطراف على الحوار من أجل الوصول إلى تسوية بالطرق السلمية، وفقاً لمقررات الشرعية الدولية.
قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أنييس فون ديرمول، في بيان: "تشعر فرنسا بقلق بالغ بسبب المواجهة".
وأكّد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن الصراع لا يمكن حله إلا عن طريق المفاوضات، مشيرا إلى أن الرئاسة الثلاثية لمجموعة مينسك المنبثقة عن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (فرنسا وروسيا والولايات المتحدة) مستعدة لهذه المفاوضات.
كما طالبت الأمينة العامة لمجلس أوروبا، ماريا بيجينوفيتش بوريتش، الجارتين المتحاربين بتحمل المسؤولية، والالتزام بحل الصراع بالوسائل السلمية، وضبط النفس لحماية الأرواح.
وأعلنت الخارجية الروسية إجراء اتصالات مكثفة لحث الطرفين على وقف إطلاق النار، وبدء محادثات من أجل إعادة الوضع إلى استقراره.
ووسط دعوات التهدئة هذه، غرّدت تركيا خارج السرب بتصريحات أظهرت تأييدا سياسيا مفتوحًا إلى أذربيجان، حيث يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تعزيز نفوذه في منطقة نزاع أخرى.
أدان المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا عمر جليك، هجوم أرمينيا على أذربيجان، وغرّد عبر تويتر: "أرمينيا تلعب بالنار، وتعرض السلام الإقليمي للخطر".
كما شجب المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، هجوم أرمينيا، مُغردًا: "يجب على المجتمع الدولي أن يتدخل ويأمر فورا بوقف هذا الاستفزاز الخطير".
وكذلك، اعتبر وزير الدفاع التركي خلوصي آكار أن "موقف أرمينيا العدواني أكبر عقبة أمام السلام والاستقرار في القوقاز"، مطالبا بالعدول فورا عن هذا العدوان.
بالتوازي، أفادت تقارير إعلامية بأن تركيا بدأت نقل مئات المرتزقة السوريين إلى حليفتها أذربيجان، إلى جانب إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع باكو، وتهيئة الأرضية لتأسيس قاعدة عسكرية تركية هناك قرب الحدود مع أرمينيا، بحسب قناة "العربية" الإخبارية.
فيديو قد يعجبك: