صباح الأحمد.. رحيل "أمير الإنسانية" ومهندس المصالحات العربية
كتبت- رنا أسامة:
توفي أمير دولة الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، عن عمر ناهز 91 عامًا بعد صراع مع المرض، في مستشفى بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان يتلقّى العلاج منذ شهرين، تاركًا خلفه مسيرة حافلة بالإنجازات الإنسانية والإصلاحية.
وأعلن الديوان الأميري، الثلاثاء، في بيان: "ببالغ الحزن والأسى ننعى إلى الشعب الكويتي والأمتين العربية والإسلامية وشعوب العالم الصديقة وفاة المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الذي انتقل إلى جوار ربه"، حسبما نقلت وكالة الأنباء الكويتية (كونا)
وسبق إعلان الوفاة رسميًا قطع التلفزيون الكويتي برامجه المعتادة، ليذيع آيات من القرآن.
الأمير الخامس عشر
الشيخ الصباح كان الأمير الـ15 لدولة الكويت، والخامس بعد استقلال بلاده في عام 1961. وهو الابن الرابع لأحمد الجابر الصباح ومنيرة العثمان السعيد العيّار.
تلقى تعليمه في مدرسة المباركية بالكويت، واستكمل دراسته على أيدي أساتذة خصوصيين، حيث أوفده والده إلى الخارج للدراسة واكتساب الخبرات، بحسب سيرته الذاتية التي نشرها الديوان الأميري.
تزوج الشيخ صباح في العقد الثاني من عمره من ابنة عم والده، فتوة بنت سلمان الصباح التي وافتها المنيّة عام 1990 بعد أن أنجبت له أربعة أبناء (ناصر الصباح رئيس الديوان الأميري، وحمد الصباح أحد أكبر رجال الأعمال في البلاد، وأحمد الذي توفي عام 1969، وسلوى التي توفيت أيضًا عام 2002).
دخل المُعترك السياسي ومجال الشأن العام عام 1954 عضوًا في اللجنة التنفيذية العليا، وهي بمثابة مجلس الوزراء، ثم عُيّن رئيسا لدائرة الشؤون الاجتماعية والعمل، وعضوًا في مجلس الإنشاء والتعمير في عام 1955.
وهو أول وزير إعلام وثاني وزير خارجية في تاريخ الكويت، حيث ترأس تلك الحقبة طيلة أربعة عقود من الزمن، ويُنسب إليه توجيه السياسة الخارجية للدولة والتعامل مع الغزو العراقي للكويت في عام 1990.
من خلال توليه منصب وزير الخارجية ورئيس اللجنة الدائمة لمساعدات الخليج، أعطى الشيخ صباح المنح المالية دون مقابل، وشملت مساعدات اللجنة اليمن الجنوبي واليمن الشمالي وسلطنة عمان وجنوب السودان.
وفي عام 1972، ساهم في إبرام اتفاقية السلام بين شطري اليمن، اليمن الجنوبي واليمن الشمالي، لوقف الحرب الأهلية بينهما. وفي عام 1980 توسّط بنجاح بين عمان واليمن لتخفيف حدة التوتر بينهما، وفق هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
تولى إمارة دولة الكويت في 29 يناير 2006 خلفًا لسعد العبدالله السالم الصباح، الذي تنازل عن العرش لدواعٍ صحية في 23 يناير من العام نفسه، حيث قيل حينها إنه كان يعاني من مرض الزهايمر ولم يكن بمقدره أداء القسم وما لبث أن توفي عام 2008.
وبعد أن انتقلت السلطات الأميرية إليه بصفته رئيس مجلس الوزراء، زكّاه مجلس الوزراء في 24 يناير 2006، أميرًا للبلاد بعد مفاوضات صعبة داخل أسرة الصباح، وبايعه أعضاء مجلس الأمة بالإجماع في جلسة خاصة انعقدت في 29 يناير 2006. وهو الأمير الثالث الذي يؤدّي اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في تاريخ الكويت.
وما أن تسلّم مقاليد الحكم، حتى سمّى أخاه غير الشقيق الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح وليًا للعهد. كما أنهى تقليدًا متوارثا في الأسرة الحاكمة عندما عين ابن أخيه ناصر محمد الأحمد الصباح، رئيس الديوان الأميري، في منصب رئيس الوزراء. فيما جرت العادة أن يحتل ولي العهد منصب رئيس الوزراء. وعيّن نجله ناصر في منصب رئيس الديوان الأميري واسع السلطات.
إبّان رئاسته لمجلس الوزراء، حصلت المرأة الكويتية على حقوقها السياسية تنفيذًا لتوجيهاته، ووُزّرت أول امرأة في حكومة برئاسته عام 2005، تلا ذلك مشاركة المرأة في العملية الانتخابية في أوّل انتخابات نيابية، ومن ثمّ توّجِت سياسته الإصلاحية بدخول المرأة لأول مرة عضوًا في مجلس الأمة في ثالث انتخابات نيابية تجري في عهده، كما سمح للمرأة بدخول السلك العسكري، وأعاد التجنيد العسكري الإلزامي في الكويت.
"قائد العمل الإنساني"
عُرِف الأمير الراحل بأعماله الإنسانية. اختيرت الكويت في 9 سبتمبر 2014 مركزًا للعمل الإنساني ومنحته الأمم المتحدة لقب "قائد العمل الإنساني"، في حفل أقامته المنظمة الأممية وقتذاك. كما لُقِب بـ "شيخ الدبلوماسيين العرب والعالم" و"عميد الدبلوماسية العربية والكويتية".
في عام 2015 وخلال زيارة إلى الكويت، وصفه الرئيس عبدالفتاح السيسي بـ"الرجل الحكيم ذو البصيرة". وفي عام 2016، أشاد به الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون مُلقّبًا إيّاه بـ "بطل الإنسانية الحقيقي".
وفي 19 سبتمبر الجاري، منحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وسام الاستحقاق العسكري بدرجة القائد العام، لدوره في حل النزاعات وتجاوز الانقسامات في الشرق الأوسط، وتسلّمه عنه الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح خلال حفل خاص في البيت الأبيض.
ووصف الأمير الراحل في بيان بأنه كان "صديقًا وشريكًا، كزعيم في الشرق الأوسط لعقود، وقدّم دعمًا لا غنى عنه للولايات المتحدة خلال عملياتها العسكرية في المنطقة".
في إطار المبادرات الإنسانية للأمير الراحل، تبرّع في نوفمبر 2007، خلال القمة الثالثة لمنظمة أوبك بالرياض، بمبلغ 150 مليون دولار لدعم برنامج يمول البحوث العلمية المتصلة بالطاقة والبيئة والتغير المناخي.
وفي يناير 2009، أطلق مبادرة دعم وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة خلال مؤتمر القمة العربية الاقتصادية والتنموية والاجتماعية برأسمال قدره مليارا دولار، فيما مهّد لتحقيق المصالحة بين قادة الدول العربية من خلال تعزيز الأجواء الايجابية، بحسب وكالة الأنباء الكويتية (كونا).
وفي يوليو 2012، أعلن الأمير الكويتي الراحل، خلال مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي، عن تبرع بلاده بتكاليف تجهيز المقر الجديد للمفوضية العامة للاتحاد الافريقي بكافة مستلزماته في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.
وفي أبريل 2016، أطلقت بلاده مبادرة لاستضافة مباحثات السلام اليمنية برعاية الأمم المتحدة، وتدخل الأمير الراحل بشكل مباشر لضمان نجاحها.
علاوة على ذلك، عُرِف الشيخ صباح باهتمامه بالقضايا الاجتماعية؛ من خلال العمل على توفير فرص العمل الملائم للمواطنين، وتنظيم العمالة الوافدة، لا سيّما في فترة ما بعد إنتاج النفط في الكويت.
فيديو قد يعجبك: