تأجيل الانتخابات وسد النهضة.. الجارديان: كيف تؤثر واشنطن على إثيوبيا؟
كتبت- رنا أسامة:
قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إن مواقف الرؤساء الأمريكيين تجاه ما يحدث في أي دولة تلقى صداها على نحو لافت. فعلى سبيل المثال، عندما هنأ الرئيس السابق باراك أوباما، الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي (EPRDF) على فوزها في انتخابات عام 2015، ترجمها بعض الإثيوبيين بأن أقوى دولة في العالم لن تُفضّل الطعن القانوني في نتائج تلك الانتخابات.
وأصبحت "الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي" أكثر عدوانية في سجن المعارضين. وبعد أقل من عام على الانتخابات، خرج الإثيوبيون إلى الشوارع في احتجاجات أودت بحياة كثيرين، فيما تردّى وضع الاقتصاد الإثيوبي، ما أدى إلى تغيير القيادة الإثيوبية في عام 2018 وظهور موجة من الإصلاحات الديمقراطية الواعدة.
على المنحى ذاته، أشارت الصحيفة إلى أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين حيال شؤون بلادهم الداخلية قد يكون لها صدى دولي. واستشهدت على ذلك بتغريدة الرئيس دونالد ترامب التي أوصى خلالها بضرورة إرجاء الانتخابات الرئاسية المُقررة في نوفمبر بسبب وباء "كوفيد 19"، والتي جعلتها مجموعة إعلامية تابعة للحكومة الإثيوبية قصة رئيسية لها.
وفسّرت "الجارديان" اهتمام أديس أبابا باحتمالية إرجاء الانتخابات الأمريكية بأنه يُمكن التعويل عليه- حال حدوثه- لتبرير قرار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بتأجيل الانتخابات العامة التي كانت مُقرّرة في 29 أغسطس بدعوى أزمة وباء "كوفيد 19". وتحمل تصريحات ترامب أهمية كُبرى لكلٍ من مؤيدي الحكومة ومنتقديها؛ لأن العديد من الإثيوبيين كانوا ينظرون يومًا إلى الولايات المتحدة باعتبارها "نصيرة للديمقراطية وسيادة القانون".
وفي حين أيّدت الطبقة المتوسطة الحضرية الصغيرة عددًا، والقوية سياسيًا، قرار التأجيل، اعتبر مُنتقدوه أن افتقار الحكومة الإثيوبية إلى التفويض الانتخابي قد يُشكّل تهديدًا لآبي أحمد، لا يختلف عن تهديد "كوفيد 19"، بحسب الجارديان.
غير أن هذا القلق يبدو مُبرّرًا. فبعد مقتل المغني الثوري المُعارض هاشالو هونديسا في يونيو الفائت، لقي أكثر من 160 شخصًا مصرعهم في اشتباكات عنيفة على أسس عرقية ودينية. واعتقلت الحكومة عددًا كبيرًا من الأشخاص، بما في ذلك المعارض جوهر محمد، خريج جامعة ستانفورد والزعيم الفعلي للاحتجاجات الجماهيرية ضد الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي بين عامي 2015 و2018.
علاوة على ذلك، وفي 31 يوليو، وجّه البرلمان الفيدرالي الإثيوبي، الذي يسيطر عليه بشكل أساسي حزب آبي أحمد، إنذارًا نهائيًا ضد حكومة إقليم تيجراي، التي قررت إجراء انتخابات محلية وإقليمية في تحدٍ لأديس أبابا.
وبحسب الجارديان، فإن الحكومة الإقليمية تخضع لسيطرة جبهة تحرير شعب تيجراي (TPLF)، التي فقدت موقعها المهيمن في الحكومة الفيدرالية وداخل الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي عام 2018. وتقود حكومة "تيجراي" القوات شبه العسكرية بقدرات كبيرة. وتتحدّى الآن الحكومة الفيدرالية باستعراضات عسكرية وتهديدات مضادة.
وأشارت الصحيفة إلى أن التراخي الأمريكي والغربي حيال تعزيز مؤسسات ديمقراطية وقانونية قوية في إثيوبيا وشرق أفريقيا بات أمرًا جليًا بشكل عام. ومن المنظور الإثيوبي، يبدو الضعف الواضح للمؤسسات السياسية في الولايات المتحدة، مثيرًا للقلق.
وأوضحت الجارديان أن تغريدات ترامب وأفعاله لا يقتصر صداها على تعزيز القيم المناهضة للديمقراطية فقط، ولكنها تُزيد مخاوف من أن تهاجم الحكومة الأمريكية إدارة موارد المياه في إثيوبيا لتعزيز مصالحها الجيوسياسية.
في الماضي، لعب مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية دورًا مهمًا وبناءً في كثير من الأحيان في التنمية السياسية الداخلية لإثيوبيا. واليوم، يُفهم أن وزير الخزانة الأمريكي يتخطى قرار واشنطن ويخالف البروتوكولات الدبلوماسية في دعم مصر، في خلافها والسودان مع إثيوبيا حول ملء سد النهضة.
وبحسب "الجارديان"، فإن صفقة بوساطة أمريكية حول تقاسم النيل قد تُحقق أهدافًا مؤقتة يُمكن لمصر والولايات المتحدة التفاخر بها. لكن تخفيف التوترات السياسية والاقتصادية في منطقة ذات مخاوف أمنية واسعة، يتطلب إيلاء اهتماما جادا لقضايا محلية محتدمة ولكنها خطيرة، والتي، إذا تُرِكت بدون رادع، يمكن أن تؤدي إلى "حقبة استبدادية جديدة" أو رُبما حرب أهلية.
تواجه إثيوبيا خطرًا وشيكًا مُمثلًا في العنف ضد الأقليات العِرقية والدينية، وارتفاع البطالة بين الشباب على نحو بالغ، فميا يُرجح أن يزداد الأمر سوءًا في ظل وباء "كوفيد 19" وتصاعد التوترات. كما أن انعدام الأمن الغذائي آخذ في الارتفاع.
وبينما قدّمت الولايات المتحدة والدول الأوروبية دعمًا ماليًا كبيرًا لإثيوبيا على مدى السنوات القليلة الماضية للإصلاحات الاقتصادية، تركز جهود الإصلاح التي تبذلها الحكومة الإثيوبية في الوقت الحالي على تجديد ولاية رئيس الوزراء آبي أحمد.
ورأت الصحيفة أن كل من يُموّل، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل هذه المشاريع المغرورة ويدعم الحكومات الاستبدادية، يقع على عاتقه واجب أخلاقي تجاه المواطنين، وعليه أن يُصِر على أن القادة لديهم تفويض انتخابي شرعي. وإلا، فسيتعين عليه تبرير مواقفه للأجيال القادمة.
وفي خِضم هذا الوقت غير المستقر بالنسبة لإثيوبيا، فإن ردود الفِعل الحكيمة من جانب واشنطن قد تساهم في تقليل التوترات داخل أديس أبابا وبين جيرانها. لكن، وبغض النظر عن إمكانية حدوث ذلك أو توقيته، فإنه يعتمد- في رأي "الجارديان"- على من سيفوز برئاسة الولايات المتحدة في انتخابات نوفمبر 2020.
فيديو قد يعجبك: