تونس تحيي ذكرى مرور 10 أعوام على سقوط نظام بن علي وسط أزمات
تونس- (أ ف ب):
تحيي تونس الخميس الذكرى العاشرة لسقوط نظام زين العابدين بن علي إثر انتفاضة شعبية كبيرة وضعت البلاد على سكة انتقال ديموقراطي يبدو هشا اليوم بسبب صعوبات تحقيق الإصلاح الاقتصادي وإيجاد حلول للوضع الاجتماعي المتردي.
وغادر بن علي البلاد في 14 يناير 2011 تحت ضغط انتفاضة شعبية بدأت في 17 ديسمبر، وشكل سقوط نظامه شرارة "الربيع العربي" الذي عمّ دولا عربية عدة بعد ذلك.
وأطاحت الثورات العربية بأنظمة دكتاتورية، لكن بقيت تونس البلد الوحيد الذي تمكن من مواصلة مسار الانتقال الديمقراطي بينما عمت الفوضى والعنف بعض الدول العربية الأخرى.
رغم ذلك، تبدو الاحتفالات باهتة في تونس بعد عشر سنوات. ويسود جو من الإحباط خصوصا في ما يتعلق بالمطالب الاجتماعية التي لم تجد لها الحكومات المتعاقبة حلولا منذ عشر سنوات على وفاة محمد البوعزيزي، بائع الخضار المتجول الذي أضرم النار في جسده احتجاجا على الوضع المعيشي ومضايقات الشرطة في مدينة سيدي بوزيد المهمشة في 17 يناير 2010.
ولم تتغير حال البلاد كثيرا على الصعيد الاقتصادي، ولا تزال نسبة البطالة كبيرة في صفوف الذين خرجوا للاحتجاج في 2011 للمطالبة بفص عمل.
وترتفع نسبة البطالة لدى الشباب الى 35 في المئة، كما أن 30 في المئة من المتخرجين من الجامعات عاطلون عن العمل.
إثر الثورة، جرت انتخابات تشريعية ورئاسية صعد نتيجتها الإسلاميون بقوة ليدخلوا بعد ذلك في صراع سياسي محتدم مع العلمانيين، وانتهت بحوار وطني في العام 2014 تلته انتخابات أفرزت توازنا بين القوى السياسية في البلاد.
وترافقت عملية الانتقال الديموقراطي مع تجاذبات سياسية حادة وتهديدات أمنية في ظل بروز جماعات متشددة مسلحة في البلاد نفذت اعتداءات دامية في العام 2015 واستهدفت قوات الأمن والجيش والمدنيين والسياح.
في 2019، توفي الرئيس الباجي قائد السبسي، وشهدت البلاد انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة وانتقلت السلطة بشكل سلس دون اضطرابات.
وتحسّن الوضع الأمني في البلاد في السنوات الأخيرة، لكن حال الطوارئ لا تزال سارية وأفضت انتخابات 2019 الى انتخاب قيس سعيد رئيسا، وقد كان أستاذا جامعيا في القانون الدستوري. لكن أداءه عرضة للانتقاد من أحزاب البرلمان الشديد الانقسامات.
"حلم تحقق"
وكرّست الثورة حرية التعبير التي أصبحت مكسبا مهمّا تظهر ملامحه في الأعمال الفنية والسينما ومن خلال أفلام تعالج مواضيع كان الكلام عنها محظورا، ونال بعض هذه الأفلام جوائز عالمية.
وتطوّر عمل وسائل الإعلام، وبرز إعلاميون كانوا يخضعون الى رقابة مشددة خلال حكم بن علي، واليوم ينشطون في منابر إعلامية مستقلة.
ويقول المعارض السابق سامي بن غربية الذي عاد الى تونس في العام 2011 من منفاه في هولندا حيث يدير موقع "نواة" المتخصص في الصحافة الاستقصائية، "أن تكون لك مكاتب وفريق من الصحافيين يعملون بكل حرية، كان حلما منذ عشر سنوات وقد تحقق اليوم".
كما تنشط مؤسسات المجتمع المدني في البلاد، وتقدم دعما للدولة في التخفيف من صعوبة الوضع الاجتماعي.
وتخوض الطبقة السياسية صراعات متواصلة أضعفت الأداء التشريعي والحكومي. وزادت تداعيات وباء كوفيد-19 الوضع سوءا وفاقمت الأزمة الاقتصادية.
وعادت نتيجة ذلك، التظاهرات والاحتجاجات الاجتماعية المطالبة بالتنمية والتشغيل في بعض المحافظات.
ويقول الكاتب والصحافي زياد كريشان "لم نمرّ من الانتقال الديمقراطي الى الانتقال الاقتصادي"، مضيفا "سعت الحكومات المتعاقبة الى شراء السلم الاجتماعي دون أن تكون لها سياسات تنموية واقتصادية واندماج اجتماعي طويل المدى".
وزاد التوظيف الحكومي بنسبة 50 في المئة ما بين 2010 و2017 وارتفعت الأجور، ولكن "لم يكن ذلك كافيا لتلبية المطالب الكبيرة" ولم يمكن من "إدماج الطبقات الأكثر تهميشا"، وفقا لكريشان.
كما ينتقد كريشان ما يصفه "بالاقتصاد الطفيلي" الذي تغذيه المجمعات الاقتصادية الكبرى التي تستفيد من إعادة بيع البضائع المستوردة على غرار قطاعات النسيج والمواد الغذائية والالكترونية.
وينتقد آخرون "المحسوبية" بين الدولة وعائلات تستحوذ على القطاعات الاقتصادية الكبرى في البلاد، على حساب طبقات اجتماعية أخرى.
كما أن تغلل العديد من هذه العائلات في قطاع البنوك يعقد وصول المستثمرين الذين لا ينتمون لهذه الشبكات الى التمويلات.
دعوة الى الحوار
ودفع استفحال الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) الى تقديم مبادرة لتنظيم حوار وطني يجمع كل الأطراف السياسية، وقبِل الرئيس التونسي بذلك واشترط إشراك الشباب من المناطق الداخلية المهمشة.
غير أن المسألة ليست سهلة بسبب التجاذبات السياسية بين الأحزاب الناشطة، وبينها من يدافع عن نظام ما قبل ثورة 2011.
ويغذي الشعور بالإحباط من أداء الحكومات بعض الحنين الى نظام ما قبل 2011 الذي تمكن من تسيير نظام اقتصادي ناجح الى حد ما.
ويدعم هذا التوجه "الحزب الدستوري الحرّ" بقيادة المحامية عبير موسي التي تناهض الإسلاميين وتحقق حاليا نتائج متقدمة في عمليات سبر الآراء التي تصنفها من الشخصيات الأكثر قبولا لدى التونسيين.
ويرى العديد من التونسيين أن الحرية التي أتت بها الثورة "لا تشبع البطون الخاوية".
لكن "رغم الوضع الصعب جدا في البلاد"، يقول كريشان "العودة الى الدكتاتورية أمر مستبعد".
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: