قصة محام ألهم التونسيين بعبارة "بن علي هرب"
تونس - (د ب أ):
بعد ساعات من مغادرة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي للبلاد تحت وطأة الاحتجاجات، خرج المحامي عبد الناصر العويني إلى الشارع مخترقا حظر التجوال الليلي في ذروة الانفلات الأمني ليصرخ عاليا "بن علي هرب".
كان عبد الناصر يردد عبارته بشكل هيستيري متكرر في نفس الشارع الرئيسي "الحبيب بورقيبة" الذي كان يعج في فترة الظهر بنفس اليوم بالمتظاهرين المندفعين أمام مقر وزارة الداخلية وهم يتطلعون إلى نهاية سعيدة.
وقبل انتهاء فترة الظهيرة انتشر خبر وسط الجموع بمغادرة الرئيس زين العابدين بن علي للبلاد نحو المملكة السعودية، كان ذلك في نظر الجميع إيذانا بسقوط النظام يوم 14 يناير عام 2011 بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من الاحتجاجات التي اندلعت في 17 ديسمبر 2010.
يستحضر المحام عبد الناصر تلك اللحظات في حديثه مع وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ): "كنت مقتنعا أن النظام كان يجب أن يسقط يوم 14، قبل ليلة كان أنصار بن علي يحتفلون في نفس الشارع بعد خطابه الأخير ليوهموا الشعب والرأي العام الدولي أن الاحتجاجات عابرة والوضع تحت السيطرة".
ويضيف قائلا :"كان لا بد من إنهاء ذلك المشهد المسرحي المفبرك، كنت يوم 14 في مسيرة مع المحامين انضمت إلى الجماهير أمام مقر وزارة الداخلية، كان لا بد من إنهاء ذلك المشهد المسرحي لمصلحة الشعب وبقرار منه".
لم يكن عبد الناصر يدرك أن خروجه إلى الشارع الرمز ليلا سيتحول إلى أكثر اللحظات المؤثرة في ليلة سقوط حكم بن علي بعد أن اجتاحت عبارته الشهيرة "بن علي هرب" مواقع التواصل الاجتماعي بعد رفع الحظر عنها حينها ، وبدأت وسائل الإعلام الدولية تبحث عن المحامي في اليوم التالي من أجل الحصول على مقابلة.
وكان الأمر بالنسبة لعبد الناصر والآلاف من المعارضين السياسيين أشبه بليلة حلم ، وهم يشاهدون انتهاء نظام استمر 23 عاما ومثل امتدادا لعقود سابقة من نظام الحكم الفردي والاستبدادي.
ولكن حالة الارتباك في أجهزة الدولة التي أعقبت مغادرة بن علي البلاد واستمرار حالة الانفلات الأمني والاضطرابات في الشوارع أبقت التونسيين في حالة ترقب شديدة في بيوتهم ليلا، وهو ما كانت تنقله وسائل الإعلام العربية والدولية على مدار الساعة في تلك الفترة.
يتذكر عبد الناصر تلك الساعات الصعبة كما هي اليوم "خرجت لدعوة التونسيين إلى النزول والاحتفال بذلك النصر التاريخي، لم أكن أتوقع أنني سأكون لوحدي في الشارع صادف حضوري وجود البعض من المتظاهرين العالقين في شرفات العمارات المطلة على الشارع".
ومع أن الثورة في تونس مهدت لإطلاق الربيع العربي في المنطقة إلا أن المحامي عبد الناصر العويني يرفض فكرة أن تكون تونس جزءا من هذه الموجة.
ويقول عبد الناصر :"سقط النظام في الشتاء وليس في الربيع هذا إنجاز تونسي خالص ولا علاقة له بالناتو، كانت ثورة سلمية، لكنهم يريدون إلحاق المسار الثوري إلى بيت الطاعة للربيع العربي، ما حدث في تونس ليس ربيعا عربيا، حدث سابقا في 2008 و1984 و1978، تونس بلد الانتفاضات دائما".
لكن بعد مرور عقد كامل من بناء المؤسسات والانتقال إلى نظام سياسي جديد ، ومن تجربة الديمقراطية والتعددية الحزبية فإن التقييمات في تونس متباينة اليوم بشأن الحصيلة وسط شعور شائع بالإحباط بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي ومسار العدالة الانتقالية.
شهدت تونس اغتيالين سياسيين في 2013 كادا أن يدفعا البلاد إلى حرب أهلية وهجمات إرهابية دامية أضرت بالقطاع السياحي الحيوي، ونحو عشر حكومات تعاقبت على الحكم واحتجاجات اجتماعية ومهنية قطاعية مستمرة حتى اليوم من أجل تحسين ظروف العيش وفرص عمل للعاطلين.
ولا يتفق المحامي مع الآراء الساخطة على الثورة ذاتها إزاء تلك الانتكاسات، ويعلق على ذلك لـ(د ب أ): "وقع اختطاف للثورة من قبل المجتمع السياسي الطارئ على الواقع التونسي بعد 2011، الانتقال السياسي فشل ويجب أن نقر بذلك لأنه لم يرتبط بالعدالة الانتقالية ، ولا توجد مكاسب لإصلاحات اقتصادية واجتماعية يتلمسها التونسيون".
ويرى عبد الناصر بكل بساطة أن انتخابات 23 أكتوبر عام 2011، وهي أول انتخابات ديمقراطية بعد نظام بن علي، مثلت قطيعة مع مسار الثورة، ويضيف على ذلك: "ما حدث هو فشل سياسي في الاستثمار داخل الثورة أدى هذا إلى فشل عام شمل باقي القطاعات".
فيديو قد يعجبك: