كيف تستخدم الولايات المتحدة طائرات مسيرة لمتابعة ورعاية حيوانات المزارع؟
(بي بي سي):
النسبة للعديد من مربي الماشية في ولاية كنتاكي الأمريكية، فإن الساعة الخامسة مساء ليست موعد نهاية يوم العمل، وإنما بداية عمل آخر، فبعد انتهاء الدوام في وظائفهم اليومية، يأتي وقت العناية بمواشيهم.
لكن تقديم الأعلاف، والتحقق من وجود ماء في الخزانات، وتحديد أماكن تواجد القطيع، وتقييم صحة كل بقرة هي مهام صعبة بالأساس، وتزداد صعوبتها بعد غروب الشمس، كما أن الأبقار المريضة أو الوالدة حديثاً تجعل الأمر أكثر تعقيداً لأنها تميل عادة إلى الانزواء والاختباء في أماكن منعزلة.
ولذا، يكون الوقت قد حان للاستعانة بخدمات طائرات بدون طيار.
ويجري فريق من الباحثين في جامعة كنتاكي اختبارا لمعرفة جدوى استخدام طائرات بدون طيار، ومدى فائدتها في القيام بهذه المهام بالنسبة لمربي القطعان الصغيرة من الماشية.
ويقول جيسي هوغ، أستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة كنتاكي: "الفكرة هي تسهيل قيام مربي المواشي بعملهم الثاني الذي يؤمن لهم دخلا إضافياً، وذلك من خلال تحويل جزء من المهمات إلى عمل آلي، والمساعدة في مراقبة مواشيهم في المراعي من دون حاجة إلى تواجدهم هناك طوال الوقت".
وتعتبر تربية المواشي "أهم صناعة زراعية" في الولايات المتحدة، وتبلغ مشاركتها في اقتصاد البلاد 66 مليار دولار، وفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية. لكنها تواجه تحديات بسبب تغيرات المناخ، ونقص الأيدي العاملة وتطوير الأراضي وبنائها. إلا أن استخدام التكنولوجيا الذكية الذي يجعل تربية المواشي أكثر كفاءة يمكنه المساهمة في التغلب على العديد من هذه الصعوبات.
كما يمكن أن تؤدي إمكانية مراقبة المراعي وتحديد مواقع الماشية بدقة وسرعة، والتأكد من صحتها وسلامتها، إلى توفير الكثير من وقت مربي الماشية المشغولين، وهو أمر له آثار اقتصادية مهمة. ففي كل عام، تنفق أكثر من 2.5 مليون بقرة في الولايات المتحدة لأسباب صحية، ما يكلف صناعة تربية الماشية نحو 1.5 مليار دولار. كما أن المواشي المريضة تأكل وتتحرك بشكل أقل، وهذا يعيق نمو الصغار، ويؤثر على قدرتها على التكاثر، ويقلل من قيمتها بمرور الوقت.
وقد حصل هوغ وفريقه على منحة لمدة ثلاث سنوات بقيمة 900 ألف دولار تقريباً من المعهد الوطني للأغذية والزراعة التابع لوزارة الزراعة الأمريكية في فبراير/شباط عام 2018 من أجل متابعة أبحاثهم الخاصة بمشروع الطائرات بدون طيار. وهناك أمل في أن تؤدي هذه الجهود متعددة التخصصات إلى حل العديد من المشاكل التي يعاني منها مربو الماشية، مثل القيام بدوريات في المراعي لتحديد مواقع الماشية، ومراقبتها صحياً عبر متابعة مؤشرات معينة مثل الوزن أو وجود مظاهر دالة على أمراض مثل العين الوردية.
ولكي يكون ذلك ممكناً، يتوجب على الفريق إيجاد طريقة لتحديد وتتبع أبقار معينة بذاتها، وهذا ما جعل هوغ يفكر في تقنية جديدة تتيح التعرف على وجوه البقر.
ويجري الفريق اختبارات على خوارزميات حاسوبية لجعل هذا الفكرة قابلة للتنفيذ، فالتقنية الحالية للتعرف على الوجه مصممة لتحديد وجوه البشر، وليس الأبقار. وفي حين يمكن لمعالم معينة في وجه البقر أن تكون بمثابة بصمة خاصة بكل منها، فإن أمراً بسيطاً مثل تلوث الوجه ببعض الأوساخ يمكن أن يعيق كفاءة البرنامج.
يقول هوغ: "ستلتقط مجموعة من الطائرات بدون طيار العديد من الصور للماشية، ومن زوايا مختلفة دفعة واحدة، ويمكننا بتجميع الصور الحصول على نموذج ثلاثي الأبعاد يسمح بتقدير حجم البقرة ووزنها، وتتبع زيادة الوزن أو فقدانه. كما تلتقط الطائرات أيضاً مقاطع فيديو لمراقبة مستويات نشاط الأبقار".
ولا يمكن الاعتماد على علامات الأذن (الحلقات التي توضع في أذني بعض الماشية)، إذ من الممكن أن تسقط، إلا أن الفريق يعتبرها وسيلة احتياطية. والخيار الآخر المطروح، هو تحديد هوية كل بقرة عن طريق الموجات الكهرومغناطيسية، لكنه حل مكلف، وقد يتطلب اقتراب الطائرات المسيرة من الحيوانات بشكل يتجاوز حدود المسافة المسموح بها. وتشترط اللوائح الحالية المتعلقة بتشغيل تلك الطائرات أن يكون الشخص الذي يشغل الطائرة قادرا على رؤية خطوط مسارات الطائرات لتوجيهها، لكن التقنية التي يعمل عليها فريق جامعة كنتاكي ستسمح لهذه الطائرات بالعمل بشكل مستقل، إذ تحلق طائرة مراقبة واحدة فوق الحقل، وتحدد أياً من الأجسام الموجودة هي أبقار، ثم تنقل مواقعها إلى عدد من الطائرات "العاملة".
وهذه الطائرات "العاملة" مجهزة بكاميرات تجمع الصور والبيانات أثناء طيرانها. وتهدف الخطة إلى أن تعمل الطائرات على تحليل المعلومات التي تجمعها، وإرسال تنبيهات مباشرة إلى مربي الأبقار عند عثورها على أمر يستدعي التدخل، مثل اكتشاف بقرة مريضة أو سياج متهدم.
وللتأكد من أن هذا النظام آمن بالنسبة للماشية (إذ يمكن لمشاهد غريبة أو ضوضاء غير معتادة أن تتسبب في توتر الأبقار وتشتيت انتباهها عن الرعي)، يدرس الباحثون استجابات الحيوانات الفسيولوجية والسلوكية لوجود الطائرات المسيرة باختبار أنماط طيران وارتفاعات مختلفة داخل مزرعة الجامعة التي تبلغ مساحتها 1484 فداناً (6 كيلومترات مربعة). والهدف هو التقاط صور بأعلى جودة ومن دون إزعاج الماشية، لذلك يستخدم الفريق أجهزة لمراقبة معدل ضربات القلب وأطواقاً تعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) لقياس استجابات الحيوانات لتلك الطائرات تبعاً لمواقعها.
ويصف مايكل ساما، أستاذ هندسة النظم البيولوجية في جامعة كنتاكي، نتائج الاختبارات بأنها "واعدة إلى حد كبير". ويضيف: "يمكننا الاقتراب أكثر مما كنت أتوقع، فيمكننا أن نكون على بعد 20 أو 30 قدماً من دون أن يؤثر ذلك على الأبقار بأي شكل من الأشكال". ويبدو أيضاً أن الحيوانات بدأت بمرور الوقت تتأقلم مع وجود الطائرات المحلقة على هذه الارتفاعات، لكن حين يقل ارتفاع الطائرات إلى ما يتراوح بين 8 و12 قدماً، فهي تجبر الأبقار على التحرك، الأمر الذي يمكن استخدامه في جمعها وقيادتها، وهو جانب آخر بدأ الفريق في دراسته.
ويحتاج الباحثون من أجل إنجاز هذا العمل الطموح إلى الكثير من البيانات التي يصعب جمعها. يقول ساما: "لا يمكنك أن تتصل بالإنترنت وتطلب البحث عن 'مليون صورة لأبقار'، لذا يتعين علينا إنشاء مجموعة البيانات هذه". ولإنشاء هذا الدليل المصور، جمع الباحثون صور وجوه العديد من الأبقار، وثبتوا عشرات الكاميرات في مزرعة تابعة للجامعة يمكنها التقاط ما يصل إلى 100 صورة لكل بقرة تمر بقربها.
ويوضح هوغ قائلاً: "يمكننا التقاط صور للماشية من كافة الاتجاهات وفي وقت واحد". ويضيف: "إنها تساعدنا في برمجة الخوارزمية التي ستعيد بناء نموذج ثلاثي الأبعاد للبقرة من مجموعة صور قليلة نسبياً".
وفي جامعة ولاية كولورادو، واجه ميلت توماس، أستاذ مادة تربية الحيوانات، مشكلة مماثلة في جمع البيانات الخاصة بالأبقار، وبدوره، حاول أيضاً الاستفادة من الإمكانيات التي توفرها الطائرات بدون طيار.
وقد أمضى باحثون في الولايات الجبلية الأمريكية سنوات في دراسة ما إذا كانت الجينات تؤثر على أنماط رعي الماشية (الإجابة المختصرة: نعم، إنها تؤثر على ذلك) وما إذا كان يمكن للانتقاء الجيني أن يساعد في توزيع الحيوانات بشكل أفضل عبر المنطقة الشاسعة التي توجد فيها مراعي الغرب الأمريكي.
ويقول توماس: "هناك بعض الأبقار الكسولة التي ترقد بجوار الماء وترعى العشب الموجود حولها، وهناك أبقار أخرى تحب الاستيقاظ صباحاً والذهاب مباشرة في مسير طويل، وصعود سفوح الجبال". وتعرف المجموعة الأولى بأنها ساكنة الأراضي الواطئة، في حين تعرف الثانية بساكنة التلال.
ويجري تحديد أنماط الرعي عادة باستخدام أطواق "جي بي إس"، وهي طريقة تستغرق وقتاً طويلاً وتتطلب جهداً مكثفاً، لاسيما في المراعي البعيدة التي يصعب الوصول إليها. لكن إنجاز الدراسات الجينية، يتطلب من الباحثين أيضاً أن يكونوا قادرين على التمييز بين الأبقار بشكل فردي. ويقول ديريك بيلي، الخبير في المراعي وعادات الرعي في جامعة ولاية نيو مكسيكو، والذي يتتبع الأبقار منذ عام 1998 ويعمل مع فريق جامعة ولاية كولورادو: "إذا تمكنا من التوصل إلى طريقة لحساب عدد جميع الأبقار التي توجد في المرعى في نفس الوقت والتعرف على كل منها، فسيؤدي ذلك إلى تحسين قدرتنا على تحديد العلامات الجينية الحقيقية. لهذا السبب نحن مهتمون جداً بالطائرات بدون طيار".
وقد اعتاد بيلي التجول في مراعي مونتانا على ظهر الخيل، وكان يحتاج هو وشخصان آخران نحو الساعتين لتتبع 80 في المئة فقط من القطيع الذي يضم 180 بقرة، في حين يمكن للطائرة بدون طيار أن تطير فوق نفس المنطقة عدة مرات في اليوم وتجمع المزيد من البيانات بشكل أسرع بكثير.
ويمكن أن يؤدي الرعي الجائر إلى تآكل التربة وانتشار الحشائش الضارة وسوء نوعية المياه وجلب طفيليات، بينما تقود قلة الرعي إلى تراكم العشب الجاف الذي يصبح بمثابة الوقود لحرائق الغابات. ويقول بيلي: "ستعمل هذه التكنولوجيا على تحسين استدامة المراعي، خاصة في أعالي الجبال، وهي المناطق الأضعف والأكثر حساسية. إنها قضية مهمة جداً في كولورادو ووايومنغ، ونيو مكسيكو، وفي كافة أنحاء الغرب الأمريكي".
كما تؤثر أنماط الرعي أيضاً على الحيوانات نفسها، والتي تتحسن تغذيتها بتناول علف أكثر تنوعاً. وإذا كان بإمكان أصحاب المزارع نشر ماشيتهم وتشجيعها على الرعي ضمن مساحات أكبر فيمكنهم ضم مزيد من الأبقار من دون الإضرار بالأرض.
يقول نيك وامسلي، المدير المساعد في مرعى "سيلفر سبور" في وايومنغ، إن الأبقار التي تتنقل في المرعى بحثاً عن غذاء أكثر تنوعاً "دائماً تبقى في قطيعنا لفترة أطول من الأبقار التي لا تفعل ذلك".
وقد وضع فريق جامعة ولاية كولورادو أطواق "جي بي إس" لبعض الأبقار في قطيع "سيلفر سبور" لجمع البيانات حول أنماط رعيها. ويضيف وامسلي: "هنا في الغرب القاحل، يتوقف الأمر على الرطوبة ومدى هطول المطر، ونوع الغذاء، لذلك لا يمكن تحديده. في الحالة المثالية سيكون لدينا أبقار يمكنها الخروج والتنقل، والعثور على مصادر غذاء مختلفة، والقيام بذلك بكفاءة".
ويسعى فريق جامعة ولاية كولورادو إلى "تطوير أداة تسمح للمربين بإنتاج أبقار أكثر تكيفاً مع البيئة"، أو أن تأثيرها أقل ضرراً بالأرض والبيئة، كما يقول مارك إينس، أستاذ علوم الحيوان في جامعة كولورادو، والذي يضيف: "إنه أمر نقوم به من أجل العديد من الأسباب، مثل جودة وكمية اللحوم، ومدى سرعة نمو الحيوانات، وقدرتها على التكاثر".
ويخطط إينس وزملاؤه لإنجاز جزء من هذا العمل في غضون العامين المقبلين. وكذلك يعمل فريق جامعة كنتاكي وفق جدول زمني مماثل. لكن لا تزال هناك أسئلة بخصوص مسارات الطائرات والاقتراب من الأبقار وتشكيلات الطيران والزوايا المثلى لالتقاط الصور.
ويتوقع جوش جاكسون، الذي يربي قطيعاً مؤلفاً من نحو 70 رأساً من الأبقار ويعمل كخبير إرشاد لنظام الثروة الحيوانية في جامعة كنتاكي، أن يُنشر جزء كبير من هذا البحث في غضون العامين أو الثلاثة أعوام القادمة. لكن قد لا يتم تسويق هذه التكنولوجيا تجارياً قبل عقد من الزمن. ويعود جزء من ذلك إلى لوائح التشغيل الحالية الخاصة بالطائرات بدون طيار، وتكاليف هذه العملية، وسرعة إقبال مربي الماشية على استخدام هذه التكنولوجيا.
لكن يبقى هذا البحث محملاً بالوعود، وتبدو الآفاق على المدى البعيد مشجعة بالتأكيد، إذ سيكون بإمكان رعاة الماشية، وبضغطة زر فقط "زر أحمر كبير كتب عليه تحليق" كما يقول جاكسون، معرفة مواقع أبقارهم وتلقي الإنذارات المستعجلة التي تُرسل مباشرة إلى هواتفهم النقالة أو أجهزتهم اللوحية، الأمر الذي يتيح لمربي القطعان الصغيرة، الذين لا يزالون يمارسون عملين معاً، القيام بمهام العناية بمواشيهم بشكل أسهل بكثير.
فيديو قد يعجبك: