من هي المرأة التي ألهمت نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس؟
واشنطن- (بي بي سي):
كانت شيامالا غوبالان امرأة سمراء رائدة وعالمة وناشطة في أمريكا. وهي أيضاً والدة كمالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، وملهمتها الأعظم.
قبل ساعات فقط من تنصيبها في منصب نائبة الرئيس في الأسبوع الماضي، أشادت كامالا هاريس بالنساء اللواتي ساعدنها في رحلتها إلى ثاني أعلى منصب في حكومة الولايات المتحدة.
في مقطع فيديو نُشر على تويتر، بدأت بعبارة "المرأة التي لعبت أكبر دور في وجودي هنا اليوم، هي والدتي شيامالا غوبالان هاريس".
وقالت: "ربما لم تتخيل والدتي هذه اللحظة إطلاقاً عندما قدمت من الهند إلى هنا وهي في عمر الـ 19 عاماً، لكنها كانت تؤمن بإمكانية بروز لحظة كهذه في أمريكا".
سجلت كامالا هاريس اسمها في التاريخ، فهي أول امرأة وأول أمريكية من أصول افريقية وآسيويه تشغل منصب نائب رئيس الولايات المتحدة.
رحلة والدتها الجريئة
لم يكن صعود كامالا ممكناً، ما لم نعد إلى الوراء ونلقي نظرة على رحلة والدتها الجريئة التي قامت بها في عام 1958 عندما سافرت بمفردها إلى الولايات المتحدة من الهند لتحقيق أحلامها.
كانت شيامالا غوبالان الأخت الأكبر من بين أربعة أطفال، فقد كانت والدتها ربة منزل ووالدها موظفاً حكومياً.
أرادت غوبالان، دراسة الكيمياء العضوية، لكن لم تكن وقتها العلوم الصعبة متاحة للفتيات في كلية "ليدي إيروين" في دلهي، التي أسسها المستعمرون البريطانيون خلال حكمهم للهند، وكان أمامها فقط خيار العلوم المنزلية التي كانت تدرّس مواضيع مثل التغذية ومهارات التدبير المنزلي.
ويقول شقيقها غوبالان بالاتشاندران، لبي بي سي: "كنا أنا وأبي نمازحها ونغيظها بقولنا هل سيعلمونك هناك كيف سترتبين الطاولة؟ وأين تضعين الملعقة؟ وكانت هي تثور غضباً ونحن نضحك".
كانت توصف غوبالان في أيام الدراسة، بـ "الفتاة الاستثنائية" من قبل زملائها وراجارامان، الأستاذ الفخري للفيزياء النظرية في جامعة "جواهر لال نهرو" في دلهي.
في فصلهم الدراسي الذي كان يضم 40 طالباً، كان الفتيان والفتيات يجلسون في صفين مختلفين، ولم يكن هناك الكثير من التفاعل والاختلاط بين الجنسين، "لكنها لم تكن تخجل من التحدث إلى الفتيان، وكانت واثقة من نفسها" حسبما يتذكر أستاذها راجارامان.
ويستحضر تلك الأيام بقوله: "كان سبب اختيار غوبالان الإلتحاق بكلية ليدي إيروين لغزاً، لأنه كان معروفاً وقتها، أنه يتم في تلك الكلية إعداد الفتيات للزواج ليكنّ زوجات صالحات مثاليات".
لكن، كانت لدى غوبالان طموحات أكبر من ذلك. وتقدمت بطلب إلى جامعة كاليفورنيا في بيركلي، وتم قبولها.
يقول شقيقها: "لقد فعلت ذلك بمفردها، لم تخبر أحداً من أفراد العائلة، لم يمانع والدي سفرها إلى الخارج، لكنه كان قلقاً لأننا لم نكن نعرف أي شخص في الولايات المتحدة. لكنه في الوقت نفسه كان يؤمن بأهمية التعليم، لذا تركها تسافر، وحصلت على بعض المنح الدراسية ووافق على دعمها للسنة الأولى".
نضال من أجل الحقوق
لذلك، في سن التاسعة عشرة، غادرت غوبالان الهند إلى بلد لم تزره في حياتها، وحصلت على درجة الدكتوراه في التغذية وعلم الغدد الصم.
كتبت كامالا هاريس عن رحلة والدتها في مذكراتها عام 2019 تحت عنوان " الحقائق التي نحملها في ذاكرتنا" قالت فيها: "بالنسبة لي، من الصعب أن أتخيل مدى صعوبة الأمر بأن يسمح والداها لها بالسفر".
كان السفر بالطائرات التجارية قد بدأ بالانتشار حديثاً على مستوى العالم. ولم يكن سهلاً التواصل معها، ومع ذلك، عندما طلبت والدتي الإذن بالانتقال إلى كاليفورنيا، لم يعترض أجدادي طريقها". "لقد كان تلك مرحلة مثيرة في الولايات المتحدة".
كانت حركة الحقوق المدنية في ذروتها، وكانت بيركلي في قلب الاحتجاجات ضد التمييز العنصري. ومثل العديد من الطلاب الأجانب الآخرين، انضمت غوبالان أيضاً إلى النضال من أجل جعل الولايات المتحدة والعالم مكاناً أفضل للجميع.
ولكن، لم تكن مشاركة طالبة قادمة من الهند في حركة كتلك، شيئاً عادياً في تلك الحقبة.
وقالت مارغوت داشييل، التي التقت بغوبالان لأول مرة في عام 1961 في مقهى بالحرم الجامعي، لبي بي سي: "كان لدي إحساس بأنها يمكن أن تتعاطف شخصياً مع الصراعات والمواجهات التي عانى منها الطلاب الأمريكيون من أصل أفريقي، لأنها جاءت من مجتمع تفهم فيه ماذا يعني حكم المستعمر".
أتذكر ما قالته لي ذات مرة منذ عشرات السنين وهي تهز برأسها، إن البيض الغرباء الذين ينعمون بامتيازات، لن يفهموا هذه النضالات والمعاناة في الولايات المتحدة، لم تخُض في التفاصيل واعتبرته شيئاً تعيشه لأنها من ذات الأرضية".
كان يصفها زملاؤها بأنها كانت شابة ناعمة صغيرة الحجم، برزت في ثوب الساري والنقطة الحمراء (بيندي) التي كانت ترسمها على جبينها. كانوا يقولون عنها "طالبة ذكية"، لقد كانت فعلاً كذلك".
الوحيدة في مجموعة من أصول أفريقية
تتذكر داشييل "ثقتها بنفسها وخوضها النقاشات الجدية مع الرجال الحازمين والمتمكنين فكرياً".
"لم يكن لدينا في دائرتنا الاجتماعية سوى قلة من النساء اللواتي امتلكن تلك الثقة العالية بالذات في بيئة يسيطر عليها الذكور".
تتذكرها على أنها "الهندية الوحيدة والأمريكية الوحيدة التي ليست من أصول إفريقية، في الرابطة الأفريقية الأمريكية" - وهي مجموعة للطلبة السود تشكلت عام 1962 لتثقيف الطلاب الأمريكيين من أصل أفريقي عن تاريخهم.
لم يشكك أحد في وجودها في مجموعة كانت تقريباً كلها من السود، كما تقول أوبري لابري، التي التقت بغوبالان عام 1962 عندما كانت تدرس القانون في بيركلي، وارتبطت معها بصداقة مدى الحياة.
"كنا جميعاً مهتمين بتطورات حركة الحقوق المدنية في هذا البلد. وبالطبع، رأيناها جزءاً من حركات تحرير العالم الثالث وأعتقد أن هذا كان أساس مشاركتها في هذه المجموعة. لقد اعتبرنا أنفسنا جزءاً من نفس الفئة من الإخوة والأخوات الداعمين فكريا لمثل تلك الحركات.
"لم يثر أحد مشكلة عن خلفيتها، رغم أنهم كانوا يشعرون بالقلق داخلياً من انضمام طالبة ليست سوداء إلى مجموعتهم، لكنني لا أتذكر أبداً أي قضية جرت مناقشتها وبرز موضوع ما إذا كان يجب إشراكها أم لا".
كانت تجربتها مع تلك النشاطات ومشاركتها في حركة الحقوق المدنية، هي التي غيرت مجرى حياتها.
وكتبت كامالا هاريس أنه كان من المتوقع أن تعود والدتها إلى الهند بعد تخرجها وتتزوج من شخص تراه العائلة مناسباً لها، على الطريقة التقليدية، "لكن القدر رسم لها طريقاً آخر".
زواج وانفصال
ففي عام 1962 التقت بدونالد هاريس الذي قدم من جامايكا لدراسة الاقتصاد في بيركلي، ووقعا في الحب.
التقى الزوجان في تجمع للطلاب السود عندما تقدمت منه غوبالان لتتعرف به. لقد كانت، كما جاءت في صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً ، "كانت متميزة من حيث مظهرها مقارنة مع باقي أعضاء المجموعة من رجال ونساء".
وتقول كامالا إن والداها وقعا في الحب على الطريقة الأمريكية، عندما كانا يسيران معاً في مسيرة لحركة الحقوق المدنية".
وتزوج الاثنان في عام 1963 ، وبعد عام واحد، في عمر الـ 25 ، حصلت غوبالان على درجة الدكتوراه وأنجبت طفلتها الأولى كامالا. بعد ذلك بعامين جاءت الطفلة الثانية، مايا.
لم يرق زواج غوبالان من أجنبي كثيراً لعائلة الشابة الهندية.
في مقابلة لها عام 2003 قالت شيامالا غوبالان إنها بزواجها من أمريكي خرجت من "سلالة غوبالان التي يمتد عمرها لأكثر من 1000 عام".
ويقول شقيقها إن شيامالا لم تخبرهم بأنها ستتزوج، رغم أنه يقول أن والديهما "لم يهتما كثيرا بهذا الأمر وكان همهما الوحيد هو عدم اللقاء بالعريس".
وقال إنه سمع ذات مرة "كامالا ومايا الصغيرتان وهما يسألان جدهما فيما إذا كان لا يحب والدهما". فأجاب الجد: " لقد أحبته والدتكما وليست له عادات سيئة، فلم لا أحبه".
التقى والدا شيامالا لأول مرة بصهرهما عام 1966، في زامبيا التي أوفد والدها إليها، بعد مرور ثلاث سنوات على زواجهما، لكنهما انفصلا عندما كانت كامالا في الخامسة من عمرها، ورغم أنها وأختها كانتا تزوران والدايهما خلال العطلات، إلا أن الأم قامت بتربيتهما بمفردها.
عالمة
وفي العام الماضي، أثناء قبول ترشيحها لمنصب نائب الرئيس، قالت هاريس إن حياة والدتها كأم بمفردها لم تكن سهلة وأنها كانت تعمل على مدار الساعة، كانت تجري أبحاثاً متطورة عن السرطان أثناء رعاية بناتها.
توفيت شيامالا غوبالان في عام 2009، عن عمر ناهز 70 عاماً جراء إصابتها بسرطان القولون، ويُعرف عنها في جميع أنحاء العالم بأنها حققت اكتشافات مهمة حول دور الهرمونات في سرطان الثدي.
بدأت حياتها المهنية في إجراء الأبحاث في قسم علم الحيوان في جامعة بيركلي ومختبر أبحاث السرطان التابع لها، ثم انتقلت للعمل في فرنسا وإيطاليا وكندا، قبل أن تعود إلى مختبر لورانس بيركلي في كاليفورنيا خلال العقد الأخير من عملها.
وصفها جو جراي، العالم ورئيس غوبالان في مختبر لورانس بيركلي، بأنها كانت "عالمة جادة للغاية، ومستعدة للانخراط في النقاشات وتبادل الأفكار العلمية بشكل كبير".
وقال لبي بي سي إن السيدة غوبالان كانت واعية تماماً وصريحة بخصوص مرضها، وتقبلت الأمر وقالت إنها ستستمر في حياتها ومحاربة المرض لأطول فترة ممكنة".
ويقول شقيقها بالاشاندران، إنه ومع انتشار السرطان في جسمها، قررت أخته العودة إلى الهند، لقضاء نهاية حياتها في صحبة عائلتها. لكنها رغبتها لم تتحقق.
ويتذكر لابري محادثته الأخيرة مع صديقته الودودة، عند علم بنيتها العودة إلى البلد الذي ولدت فيه، قائلاً: "اعتقدت أن رغبتها بالعودة إلى أصولها في تلك المرحلة من حياتها كانت أشبه بفكرة رومانسية".
"من بين الأشياء التي قلتها لشيمالا، أنا سعيد برغبتك بالعودة إلى الهند، فردت علي: أوبري... لن أذهب إلى أي مكان".
فيديو قد يعجبك: