اقتحام الكونجرس: لماذا تراجع ترامب عن لهجته العدائية ودعا إلى المصالحة؟
كتبت- هدى الشيمي:
أمضى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليلة أمس الخميس في البيت الأبيض، مُنعزلاً وعاجزًا بشكل لم يسبق له مثيل طوال فترة رئاسته المُضطربة والتي تنتهي بعد أيام. يضغط الديمقراطيون من أجل استقالته، إقالته، الإطاحة به بسبب دوره في تحريض من يعتبرونهم "غوغائيين" الذين اقتحموا مبنى الكابيتول (الكونجرس) الأمريكي، بينما يُعلن المسؤولون في البيت الأبيض واحد تلو الآخر عن رحيله من الإدارة، في محاولة لإنقاذ أنفسهم قبل غرق السفينة تمامًا.
أفادت تقارير إعلامية على مدار الساعات الأربعة وعشرين الماضية باستقالة أكثر من ستة من موظفي البيت الأبيض. في الوقت نفسه، ضعفت قبضة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته على الجمهوريين في الكونجرس، بعدما كان يتحلى بسيطرة كاملة على حزبه الجمهوري، وذلك بعد قيام أنصاره بأعمال الشغب، وإلقاء البعض باللوم عليه في خسارة الحزب مقعدين في مجلس الشيوخ في جورجيا، ما كلف الجمهوريون خسارة الأغلبية في المجلس.
قالت مجلة التايم الأمريكية إن الرئيس الذي هيمن على الحزب الجمهوري قبل خمسة أعوام وجد نفسه فجأة وحيدًا، بينما يتساءل حلفاؤه السابقين عما إذا كان يمكن تحمل الأيام المتبقية له في الرئاسة.
قال أليكس كونانت، خبير استراتيجي في الحزب الجمهوري:"في هذه اللحظة أصبح (ترامب) شديد السُمّية".
أرجعت المجلة الأمريكية تراجع ترامب وإصداره مقطع فيديو بلغت مدته دقيقتين يدعو فيه إلى المصالحة وتضميد الجراح، ويُندد بالهجوم المشين الذين شنّه مناصروه على مقر الكونجرس.
لوحظ في شريط الفيديو تغيير ترامب للهجمته تمامًا، وقال إنه "ساخط إزاء أعمال العنف" التي ارتكبها مئات من أنصاره الذين اقتحموا مبنى الكابيتول الأربعاء.
وأضاف "لقد عشنا للتو انتخابات شديدة الوطأة والعواطف لا تزال جياشة (..) لكن ينبغي التحلي بالهدوء".
وأكد الرئيس المنتهية ولايته أن تركيزه الآن ينصب على ضمان انتقال هادئ ومنظّم وسلس للسلطة. قائلاً:" هذه المرحلة تتطلّب تضميد الجراح والمصالحة"، لكن من دون أن يقر صراحة بهزيمته أمام الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية.
"تقلص الدائرة"
تقلصت دائرة ترامب المقربة واقتصرت على عدد محدود للغاية هم: مارك ميدوز، كبير موظفي البيت الأبيض، ومحاميه الخاص رودي جولياني، ومستشار التجارة بيتر نافارو، ومساعده دان سكافينو، وصهره جاريد كوشنر، وابنته ايفانكا.
قال المقربون من الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته إن كل ساعة يستقيل مسؤول في الإدارة، بداية من وزيرة النقل إيلين تشاو، زوجة زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وصولاً إلى نائب مستشار الأمن القومي مات بوتنيجز، ومدير الشؤون الأوروبية والروسية في مجلس الأمن القومي، رايان تولي، بالإضافة إلى المبعوث الخاص لأيرلندا الشمالية، ميك مولفاني.
وأفادت وكالة "رويترز" بتقديم إيرين والش، كبيرة مديري الشؤون الإفريقية، ومارك فاندروف، مدير أول لسياسة الدفاع، وأنتوني روجيرو، المدير الأول لأسلحة الدمار الشامل، وروب جرينواي، مدير أول لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، استقالاتهم.
وذكرت وكالة أسوشيتد برس أن قائد شرطة الكابيتول، ستيفن سوند، سيترك منصبه على خلفية تعرض مقر الكونجرس للاقتحام.
وكان رحيل ستيفاني جريشام، المسؤولة البارزة في الإدارة الأمريكية، بمثابة ضربة كبيرة للرئيس المنتهية ولايته، خاصة وأنها كانت من أكثر الأشخاص قربًا لترامب وزوجته ميلانيا منذ بداية الحملة الانتخابية للرئاسة في عام 2015.
"الكل مرعوب"
فقد ترامب دعم العديد من الأشخاص الذين كانوا يعملون إلى جانبه خلال الساعات التي اقتحم فيها مناصروه الكونجرس وحاصروه، قال مصدر مطّلع على الوضع: “كان الجميع مرعوبين تمامًا، وكان المزاج متوترًا في الجناح الغربي".
وأضاف، حسبما نقلت التايم:” كان الكثير من الناس صامتين، جالسين في مكاتبهم يتابعون التغطية الإعلامية للأحداث".
فقد ترامب ولاء المشرعين والسياسيين في الكابيتول هيل كذلك، فبعد التزام الجمهوريين الصمت قرابة نصف عقد للحفاظ على أجندتهم المحافظة، وخوفًا من أن تُنهي تغريدة للرئيس حياتهم المهنية، انقلبت الأمور رأسًا على عقب، وأعلن حلفاء ترامب بما في ذلك رئيس الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل والسيناتور ليندسي جراهام أن ولائهم للرئيس المنتهية ولايته وصل إلى مرحلة الانهيار.
وبحلول يوم الأربعاء، تعالت أصوات مؤيديه السابقين ولكن هذه المرة لتوبيخه علنًا عن دوره في أعمال العنف التي لم تشهدها واشنطن من قبل. وقال السيناتور الجمهوري كيفن كرامر للصحفيين في كايبتول هيل:"أعتقد أن الرئيس يجب أن يتحمل بعض المسؤولية، ما حدث كان مروعًا، وكأنه يصب الوقود على الشرارة".
"القضاء على المستقبل"
بالنسبة لترامب، فإن تداعيات اقتحام الكونجرس امتدت إلى ما هو أبعد من حياته السياسية، قالت التايم إن الغوغائيين الذين حرضهم على أعمال العنف فشلوا في إقناع نائبه مايك بنس وباقي الجمهوريين في الالتفاف حوله كما كان يأمل، وكذلك قضى على طموحه السياسي بعد ترك منصبه.
حسب التايم، فإن طموح ترامب تأسيس شبكة إعلامية أو إتمام صفقات تجارية مربحة ربما أنهار كما انهارت نوافذ مبنى الكابيتول، واستبعدت مصادر مطلعة أن يغدو مرشح الحزب للرئاسة في انتخابات 2024.
قال السيناتور دان ابرهارت:"لن يُنسى تدنيس مبنى الكابيتول، قد كلف السيناتور ماكونيل منصبه القيادي، الناس في حالة صدمة مما حدث".
"الرئيس يدفع الثمن"
يعتقد مسؤول سابق في البيت الأبيض عمل عن كثب مع ترامب أن الرئيس المنتهية ولايته أشعل شرارة الغضب بداخل أنصاره، ثم فقد السيطرة عليهم، يقول، حسب التايم:"أعتقد أنه لم يرغب في حدوث ذلك، أظن أنه رغب في إحداث بعض الضوضاء حوله، وأمل أن يؤكد على حجم شعبيته الكبير، وأن يرسل للجمهوريين رسالة مفادها أن عليهم البقاء إلى جانبه وإلا سيواجهون الحشود الغاضبة".
ولا تعد هذه المرة الأولى التي يتورط فيها ترامب بأعمال مثيرة للجدل على مدار حياته السياسية، لفتت التايم إلى أن أحد أهم السمات الرئيسية لفترة رئاسته كانت اظهر أسوأ جوانب المجتمع الأمريكي، واختبر الديمقراطية. قال مصدر مقرب من الرئيس المنتهية ولايته:"لقد ارتكب الكثير من الأخطاء ولكنه لم يدفع الثمن، ولكنني أعتقد أنه دفع الثمن هذه المرة".
فيديو قد يعجبك: