بينها انخفاص حرارة الشمس.. ما المزاعم الجديدة لمنكري التغير المناخي؟
لندن - (بي بي سي)
في الوقت الذي كان يجتمع فيه زعماء العالم في قمة المناخ في غلاسكو مؤخرا لمناقشة طرق مكافحة التغير المناخي، انتشرت مزاعم وأكاذيب على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن هذه القضية.
فحصنا بعضا من أكثر المزاعم التي انتشرت خلال العام المنصرم، لمعرفة ما يمكن أن تخبرنا به عن طبيعة إنكار التغير المناخي في الوقت الراهن.
الزعم بأن حرارة الشمس ستنخفض ومن ثم تُوقف التغير المناخي
لطالما ردد البعض زعما لا أساس له من الصحة بأن التغيرات في درجة الحرارة التي شهدها القرن الماضي هي مجرد جزء من الدورة الطبيعية للأرض، وليست نتيجة لسلوك البشر.
وفي الأشهر الأخيرة، شهدنا نسخة جديدة لهذا الجدل.
فثمة آلاف المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي قرأها مئات الآلاف من الأشخاص خلال العام الماضي، تزعم أن "الدورة الدنيا للشمس" (أي فترة نشاطها الأضعف)، سوف تؤدي إلى انخفاض طبيعي في درجات الحرارة بدون تدخل بشري.
لكن الأدلة لا تشير إلى ذلك على الإطلاق.
فالدورة الدنيا للشمس هي ظاهرة حقيقية تحدث عندما تنخفض الطاقة المنبعثة من الشمس في إطار دورتها الطبيعية.
تشير الدراسات إلى أن الشمس سوف تمر بطورها الأضعف في وقت ما خلال القرن الحالي، ولكن ذلك سيؤدي إلى انخفاض مؤقت في درجات الحرارة لن يتخطى 0.1 أو 0.2 درجة مئوية على الأكثر.
هذا الانخفاض ليس كافيا بأي حال من الأحوال لتعويض الارتفاع في حرارة الكوكب الناتج عن الأنشطة البشرية، والذي بلغ بالفعل 1.2 درجة مئوية خلال المائتي عام الماضية، ويحتمل أن يصل هذا الارتفاع إلى 2.4 درجة بحلول نهاية القرن الحالي.
نعلم أن الارتفاعات الأخيرة في درجات الحرارة ليست ناتجة عن تغيرات في الدورة الطبيعية للشمس، لأن طبقة الغلاف الجوي الأقرب إلى الأرض تزداد حرارة، في حين أن الطبقة القريبة من الشمس - المعروفة بالستراتوسفير - تزداد برودة.
فالحرارة التي يفترض أن تنطلق من سطح الأرض وتصل إلى طبقة الستراتوسفير تُحبس حاليا داخل الطبقة الدنيا بفعل تأثير انبعاثات غازات كثاني أكسيد الكربون الناتج عن حرق البشر للوقود.
لو كان التغير في درجة الحرارة على كوكب الأرض ناتجا عن تغيرات في الشمس، لازداد الغلاف الجوي بأسره حرارة (أو برودة) في الوقت ذاته.
الزعم بأن احترار كوكب الأرض أمر جيد
هناك منشورات مختلفة يتم تداورها على الإنترنت تزعم بأن احترار الأرض سوف يجعل بعض المناطق صالحة للسكن بشكل أكبر، وأن البرودة تقتل عددا أكبر من الناس مقارنة بالحر.
هذه المنشورات عادة تتعمد ذكر بعض الحقائق التي تؤيد ما بها من مزاعم، في حين تتغافل عن أي حقائق أخرى تتعارض مع تلك المزاعم.
على سبيل المثال، صحيح أن بعض الأماكن غير الصالحة للسكن في العالم لشدة برودتها قد يصبح من الأسهل العيش فيها لبعض الوقت. لكن ارتفاع درجة الحرارة في تلك الأماكن نفسها قد يؤدي أيضا إلى هطول شديد للأمطار، ما سيؤثر بدوره على الظروف المعيشية والقدرة على زراعة المحاصيل.
وفي الوقت ذاته، ستصبح أجزاء أخرى من العالم غير صالحة للسكن بسبب ارتفاع درجات الحرارة وزيادة مستويات أسطح البحار، مثل المالديف، وهي الدولة الأكثر انخفاضا في العالم.
نعم قد تنخفض أعداد الوفيات الناتجة عن البرودة الشديدة. وفقا لدراسة نشرة في دورية "لانسيت" الطبيعة، عدد الوفيات الناتجة عن الطقس البارد كانت أكثر من تلك التي تسببت فيها موجات الحر بين عامي 2000 و2019. بيد أنه من المتوقع أن الزيادة في عدد الوفيات الناتجة عن الحر، سيعادل عدد الأشخاص الذين سينجون من الموت بردا.
تقول اللجنة الدولية الحكومية المعنية بتغير المناخ إنه بشكل عام، "يتوقع أن تزداد المخاطر الصحية ومخاطر فقدان مصادر الزرق عالميا مع ارتفاع حرارة الأرض بمعدل درجة ونصف". المخاطر الناتجة عن تكرار التعرض لموجات الحر الشديد تفوق أي فوائد بسيطة قد تجنيها بعض الأماكن من انخفاض عدد أيام البرد.
الزعم بأن إجراءات مكافحة التغير المناخي ستزيد الناس فقرا
من المزاعم الشائعة التي يطلقها المعارضون لمحاربة التغير المناخي، أن الوقود الأحفوري من المقومات الأساسية للنمو الاقتصادي، ومن ثم فإن تقليص استخدامه سوف يعرقل بلا شك النمو الاقتصادي ويؤدي إلى غلاء التكلفة المعيشية، ومن ثم يلحق الضرر بالأشخاص الأكثر فقرا.
لكن ذلك لا يشكل جميع أبعاد الصورة.
فالوقود الأحفوري مكن البشر من تشغيل السيارات والمصانع وتطوير التكنولوجيا، بما سمح لهم خلال القرن المنصرم بالقيام بأشياء بسرعة كانت مستحيلة من قبل، وعلى نطاق لم يكن يتخيله أحد في الماضي. ومكن ذلك بدوره البشر من صناعة المزيد من المنتجات، ومن شراء وبيع المزيد من السلع، ومن أن يصبحوا أثرياء.
لكن التوقف عن استخدام الفحم لا يعني العودة إلى زمن العربات التي تجرها الحيوانات أو الآلات اليدوية التشغيل - فلدينا الآن تقنيات أخرى بإمكانها القيام بنفس المهمة.
في العديد من الأماكن، أصبحت الطاقة الكهربائية المتجددة - التي يتم توليدها من خلال طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية - أرخص تكلفة من الكهرباء التي تُولد باستخدام الفحم أو النفط أو الغاز.
من ناحية أخرى، تتنبأ الدراسات بأننا إذا لم نتخذ إجراءات لمواجهة التغير المناخي بحلول عام 2050، قد ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 18 في المئة لأن الكوارث الطبيعية سوف تعود بأضرار بالغة على الأرواح والأعمال والمباني وإمدادات الغذاء.
التأثير الأكبر لتلك الأضرار ستتعرض له أكثر دول العالم فقرا.
الزعم بأن الطاقة المتجددة لا يمكن الاعتماد عليها
انتشرت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي في وقت سابق من العام، منشورات مضللة تزعم بأن الاعتماد على الطاقة المتجددة أدى إلى أن غرقت تكساس في الظلام، وذلك عندما تسبب عطل كبير في شبكة كهرباء الولاية الأمريكية في أن عاش سكانها في الظلام والبرد لبضعة أيام.
تلك المنشورات، التي تناقلتها أيضا وسائل إعلام محافظة في الولايات المتحدة، ألقت باللوم فيما حدث على توربينات الرياح، وهو زعم لا أساس له من الصحة.
يقول جون غلوياس، المدير التنفيذي لمعهد دارام للطاقة إن "الانقطاع الشامل للكهرباء يحدث نتيجة لانخفاض كفاءة توليد الكهرباء وسوء إدارة عملية التوزيع"، والزعم بأن الطاقة المتجددة تتسبب في انقطاعات شاملة في التيار الكهربائي هو "هراء....فنزويلا لديها كميات ضخمة من النفط ومع ذلك تتعرض لانقطاعات مستمرة".
ووفقا لجني كينغ، من معهد أبحاث "آي.دي.إس غلوبال"، فإن تشويه سمعة مصادر الطاقة المتجددة يمثل "خط هجوم رئيسي لهؤلاء الذين يسعون إلى مواصلة الاعتماد على النفط والغاز ومواصلة تدعيمهما".
كما يزعم منتقدو برامج الطاقة المتجددة أن التكنولوجيا المستخدمة فيها تؤدي إلى نفوق الطيور والخفافيش، متجاهلين بذلك الدراسات التي تشير إلى أن محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري تؤدي إلى نفوق عدد أكبر بكثير من الحيوانات.
ليس هناك من شك في أن توربينات الرياح تقتل بعض عناصر الحياة البرية، بما فيها الطيور. لكن طبقا لمعهد دراسات التغير المناخي والبيئة التابع لكلية لندن للاقتصاد، فإنه، "وفقا للمنظمات الخيرية المختصة بحماية الطبيعة، فوائد تخفيف آثار التغير المناخي على الحياة البرية تفوق المخاطر، شريطة وضع المعايير التخطيطية الصحيحة، بما في ذلك اختيار مواقع (توليد الطاقة المتجددة) بعناية".
فيديو قد يعجبك: