هل تتمكن الولايات المتحدة من إصلاح مشهدها السياسي المضطرب بعد رحيل ترامب؟
نيويورك- (د ب أ):
بعد مرور أيام على تبرئة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من تهم التحريض على التمرد في مجلس الشيوخ، وبعد أن انقضى وقت طويل، يتحول الانتباه تماما الآن إلى الرئيس الجديد، جو بايدن، وجدول أعماله.
ولسوء الحظ، فإنه من الواضح بالفعل أن تجاوز الاضطراب السياسي الذي أوقع فيه ترامب الولايات المتحدة، سيكون أمرا عسيرا.
وذكرت وكالة "بلومبرج" للأنباء أن بايدن يأمل توحيد صف البلاد حول الجهود المبذولة من أجل دعم التعافي الاقتصادي، وقد أكد على قضيته من جديد أثناء اللقاء المفتوح الذي عقده مؤخرا في ويسكونسن، والذي ترك في مجمله أثرا جيدا.
أما في أثناء مؤتمر ميونخ للأمن، وهو مؤتمر افتراضي عقد يوم السبت الماضي، فقد غامر بايدن بالتحدث نيابة عن الشعب الأمريكي بأكمله عندما دعا إلى استعادة التحالفات والعودة إلى التعاون الدولي.
وقد كانت رسالته موجهة إلى الأمريكيين بنفس القدر الذي كانت موجهة به إلى باقي دول العالم، وهي أن "الولايات المتحدة ستعود إلى طبيعتها".
وقال بايدن لقادة العالم الذين حضروا المؤتمر السنوي، إن التحالفات عبر الأطلسي عادت كأولوية للولايات المتحدة مرة أخرى، بعد أربعة أعوام في عهد ترامب، مضيفا: "أنا رجل له كلمته. لقد عادت أمريكا. أنا أتحدث اليوم كرئيس للولايات المتحدة، في بداية إدارتي، وأبعث برسالة واضحة إلى العالم: لقد عاد الأمريكيون. لقد عاد التحالف عبر الأطلسي. ولن ننظر إلى الوراء".
واستطرد بايدن قائلا في أول خطاب رئيسي له على الساحة الأوروبية: "اسمحوا لي أن أمحو أي شك. وستعمل الولايات المتحدة بشكل وثيق مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي وعواصم الدول الأعضاء في جميع أنحاء القارة"، مضيفا أن بلاده ملتزمة تماما بتحالفها مع منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وأنها تدعم تماما معاهدة الأمن الجماعي للمنظمة.
ومع ذلك، تقول "بلومبرج" إن الكثير من الديمقراطيين يشككون في جدوى رغبة الرئيس الأمريكي الجديد في توحيد الصف. إنهم يعتقدون أن تطوير برنامج تقدمي قوي، يعد مهما بصورة أكبر.
ولا يفكر الجمهوريون كثيرا في وحدة الصف، حيث إن حزبهم يمر حاليا بحالة حرب مع النفس. كما أن الدولة ككل منقسمة أيضا. وبعيدا عن توحيد صفوف المواطنين، فقد أدى تفشي وباء فيروس كورونا المميت، والآثار الجانبية الهائلة الناتجة عنه، إلى تباعد الناس عن بعضهم البعض.
ومازال الكثير من الأمريكيين يأملون في أن يؤدي رحيل ترامب إلى إعادة بعض مظاهر الحكومة المنظمة وشبه الفعّالة.
وعلى الرغم من كل شيء، فإن ذلك ممكن شريطة فقط أن يبذل قادة الدولة أقصى طاقتهم، حيث إن وجود حكومة فعالة في دولة منقسمة بشكل كبير، يعني بذل جهد أكبر من أجل إنهاء الانقسام. ويتطلب ذلك - رغم كل الصعاب - وجود طرفين قادرين على إيجاد قواسم مشتركة.
وقد اتخذ رئيس الدولة خطوات في الاتجاه الصحيح، ففي أثناء اللقاء المفتوح الذي عقده مؤخرا في ويسكونسن، دعا إلى الالتزام بأدب السلوك والاحترام. وعندما دُعي إلى التنديد بالجمهوريين في مجلس الشيوخ بسبب عدم إدانتهم لترامب، رفض قائلا إن هذا وقت المضي قدما.
وفي رده بشأن بعض لقطات الفيديو الجديدة المزعجة والمتعلقة بأحداث الشغب التي وقعت في مبنى الكونجرس في واشنطن العاصمة (الكابيتول)، لم يقل بايدن سوى: "قد تكون بعض العقول قد تغيرت". لقد كان بايدن حكيما في ترك الأدلة تتحدث عن نفسها.
وترى "بلومبرج" أن القائد الذي لا يسعى إلى جذب الاهتمام الدائم، أو إلى إحداث حالة من الفوضى، مرحب به كثيرا، مشيرة إلى أن ضبط النفس الذي يتمتع به بايدن قد يؤدي أيضا إلى إفساح المجال أمام الحزب الجمهوري لتجاوز عهد ترامب.
وحتى الآن، فإن الرئيس السابق قادر على تدمير الحزب الجمهوري، ويتعين على قادته أن يدركوا تلك الحقيقة.
وبحسب "بلومبرج"، فإن الكثير من الديمقراطيين لا يرغبون في شيء أكثر من رؤية الجمهوريين وهم يدمرون أنفسهم. ولكن في ظل حالة الطوارئ غير المسبوقة التي يشهدها قطاع الصحة العامة، فإن إصلاح البلاد يجب أن يأتي أولا.
ومع وجود أغلبية ضئيلة في مجلسي النواب والشيوخ، فإن الاستعداد لتسوية الخلافات مع الجمهوريين في عهد ما بعد ترامب، سوف يساعد في تسريع وتيرة الإجراءات التي يجب اتخاذها.
والأهم من ذلك، تحتاج الحكومة الجيدة في دولة تعاني من انقسام واضح، إلى حزبين فعالين. وتمثل حالة الانهيار العصبي التي يعاني منها الحزب الجمهوري، خطرا على النظام برمته. ويحتاج الحزب الجمهوري إلى إصلاح نفسه، وقمع ميله الغريزي للمعارضة من أجل المعارضة، وقبول تلك العناصر الخاصة بالتعافي بأجندة الديمقراطيين، والتي ثمة حاجة شديدة إليها.
أما الديمقراطيون، فيجب عليهم أن يظلوا منفتحين على الصفقات التي من الممكن أن تؤدي إلى تسريع رد فعل سلطات البلاد تجاه حالة الطوارئ المفروضة لمواجهة تفشي مريض "كوفيد- 19"، وأن يساعدوا بايدن على الوفاء بوعده المتمثل في احتوء فيروس كورونا في البلاد.
فيديو قد يعجبك: