محللة أمريكية: وسائل التواصل الاجتماعي صارت قوة مزعزعة لاستقرار الحكومات الاستبدادية
موسكو - (د ب أ):
قامت روسيا مؤخرا بسجن رئيس تحرير يعمل في أحد المواقع الإخبارية المستقلة، على خلفية إعادة نشره لمزحة على موقع تويتر، فسرها القضاء الروسي على أنها دعوة للانضمام إلى الاحتجاجات المؤيدة لزعيم المعارضة الروسي، أليكسي نافالني.
وتقول المحللة الأمريكية كلارا فيريرا ماركيز في تقرير نشرته وكالة بلومبرج للانباء، إن الواقعة تمثل درجة انحدار جديدة لحرية التعبير في روسيا في ظل حكم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مما أدى إلى تنظيم احتجاجات على مستوى البلاد بعد اعتقال نافالني، المعروف بانتقاده للكرملين، في الشهر الماضي.
وأوضحت ماركيز أن ما حدث يعد أيضا تعبيرا بليغا عن مدى القلق والتهديد الذي صارت مواقع مثل "تويتر" وتطبيقات مثل "تيك توك" وما شابه ذلك، تمثله بالنسبة للحكومات الاستبدادية.
وتعمل الهواتف الذكية واتصالات الإنترنت المتاحة، على توفير ساحات عامة تسعى الأنظمة الأقل تسامحا حول العالم جاهدة للسيطرة عليها بشروطها الخاصة، ولكن يظل من الممكن للأصوات المعارضة أن تنسق وتبني المجتمعات وتحافظ على المقاومة حية.
وحتى الصين، التي لديها قبضة أقوى من أغلب الأنظمة الأخرى بفضل "جدار الحماية العظيم"، تصارع هذا الوضع في ظل انتشار حالات من السخط على الإنترنت.
وليس من قبيل الصدفة أن ينتقد بوتين في الخطاب الذي ألقاه في دافوس، مؤسسات "بيج تك" (وهي كبرى شركات صناعة التكنولوجيا)، أو ما حدث في الهند، حيث نال المزارعون المحتجون رسائل تضامن من نجمة البوب العالمية ريانا، ومن الناشطة الشابة المعنية بشؤون المناخ، جريتا تونبرج، حيث سعت الحكومة إلى حظر حسابات على موقع "تويتر" تخص نشطاء وأصوات معارضة أخرى وحظرت الوصول إلى مواقع إلكترونية محظورة.
أما الجنرالات في ميانمار، فقد سارعوا من أجل حظر موقع "فيسبوك" بصورة مؤقتة بعد الانقلاب الذي وقع هناك، وذلك قبل أن يقدموا على حظر الإنترنت تماما.
ووقالت ماركيز إن دور شبكات التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل، ولا سيما تلك التي تستخدم خاصية التشفير من طرف إلى طرف، أصبح واضحا بصورة متزايدة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة خلال السنوات القليلة الماضية، والتي شهدت تنظيم مظاهرات بدون قائد في هونج كونج وتشيلي، وصولا إلى الحركات التي يقودها الطلاب في تايلاند، ومسيرات المظاهرات الحاشدة في بيلاروس.
وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي أيضا المتظاهرين على التعلم من بعضهم البعض عبر الحدود بين الدول، كما هو الحال مع "تحالف شاي الحليب" الذي عمل على توحيد نشطاء من ذوي التفكير المماثل في آسيا.
وقد انتشر "تحالف شاي الحليب" بشكل واسع على الإنترنت منذ نيسان/أبريل الماضي، حيث ربط بين نشطاء من تايلاند وهونج كونج وتايوان، وبدأ يمثل حركة معارضة افتراضية على الإنترنت، للتصدي لعدد من الصينيين القوميين الذين شنوا هجوما لاذعا على شخصيات شهيرة في تايلاند، عبروا عن آرائهم في قضايا متعلقة بغضب الشارع في هونج كونج وتايوان.
أما في روسيا، فتقول ماركيز إن المعارض الروسي، نافالني، تحايل على حالة التعتيم المفروضة على ظهوره على شاشات التلفزيون الحكومي من خلال استخدام موقع "يوتيوب" في حملته المناهضة للفساد، بشكل كبير.
وقد حصل مقطع الفيديو الخاص به، والذي يظهر فيه قصر فاخر يقع على شاطئ البحر، قال إنه يخص بوتين، على أكثر من 100 مليون مشاهدة، حتى بعد تقارير النفي الصادرة عن الكرملين.
ولطالما سمحت موسكو بمزيد من الحريات على الإنترنت أكثر من بكين مثلا. وقد انزوت أصوات المعارضة في وسائل الإعلام في ظل تعرضها للمضايقات ، ولا سيما الصحفيون الاستقصائيون. لكن السلطات تحكم قبضتها على المعارضين.
وفي محاولة لقمع المظاهرات بعد اعتقال نافالني، 44 عاما، في مطار موسكو لدى عودته من ألمانيا - حيث كان يعالج من أثار محاولة اغتياله باستخدام غاز أعصاب من مجموعة "نوفيتشوك" - أمرت السلطات في موسكو شبكات التواصل الاجتماعي بإزالة مقاطع الفيديو والمنشورات الأخرى الخاصة به، ولوحت بفصل نفسها عن الإنترنت العالمي، إذا استدعى الأمر.
وبحسب ماركيز، فإن هذا يعتبر تهديدا له تكلفة اقتصادية باهظة، على الرغم من أن الكرملين يبدو مقتنعا بتحملها في الوقت الحالي. وقدرت إحدى الدراسات التكلفة الفورية لإغلاق مواقع الإنترنت في بيلاروس من أجل قمع الاحتجاجات التي تم تنظيمها بعد إجراء الانتخابات في العام الماضي، بـ 336 مليون دولار خلال 218 ساعة مهدرة.
وصحيح أنه لا أحد يحتج فقط بسبب توفر وسائل التواصل الاجتماعي ،و أن شبكات التواصل الاجتماعي لن تسفر وحدها عن إسقاط الطغاه. ومع ذلك، ليس هناك شك في أن تلك الشبكات صارت قوة مزعزعة لاستقرار الحكومات الاستبدادية.
فيديو قد يعجبك: