لماذا فرضت إدارة بايدن عقوبات على رجل أعمال إسرائيلي؟
واشنطن- (بي بي سي):
أعادت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في الآونة الأخيرة فرض عقوبات على رجل الأعمال الإسرائيلي، دان غيرتلر، بعد اتهامه بالفساد في أعمال التعدين المربحة في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ويحكي الصحفي فرانز وايلد قصة صعود دان غيرتلر وتحالفه مع الرئيس السابق، جوزيف كابيلا، الذي قام عينه دبلوماسيا كونغوليا.
وعندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قطب التعدين في عام 2017، عين غيرتلر محامي الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، لإلغائها.
وفُرضت العقوبات عليه بسبب علاقته الفاسدة المزعومة مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية السابق، جوزيف كابيلا، مما ساعده على جني ثروة هائلة من صفقات النحاس والكوبالت في البلاد، وهو أمر نفاه الرجلان.
وقال متحدث باسم غيرتلر: " إن المزاعم وجهت ضده بشكل غير عادل ومخطئ ، إذ لا توجد ذرة من الأدلة الموثوقة لدعمها".
رخصة العقوبات
على مدى عقدين من الزمن، بات غيرتلر، الذي يبلغ من العمر 47 عاما فقط، أحد أقوى رجال الأعمال في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ولقد كان له تأثير على شركات التعدين متعددة الجنسيات التي كانت محظوظة بما يكفي لتعدين احتياطيات البلاد غير العادية من النحاس والكوبالت والقصدير والذهب والماس، وفي بعض الأحيان كان غيرتلر أيضا مبعوثا دبلوماسيا رئيسيا لكابيلا.
وقد أثبت تعيين آلان ديرشوفيتز محامي ترامب نجاحه أيضا.
ففي أيامها الأخيرة، منحت إدارة ترامب غيرتلر ما يسمى برخصة العقوبات، وهي الرخصة التي منحته حق الوصول إلى أمواله المجمدة والنظام المصرفي الدولي لمدة عام.
لكن في مارس الجاري انعكست حظوظه بسرعة كبيرة.
فبعد الاحتجاج على رخصة العقوبات من قبل نشطاء مكافحة الفساد وأعضاء الكونغرس الأمريكي ومسؤولين سابقين في وزارة الخارجية، أصبح غيرتلر مثالا مبكرا على التزام الرئيس، جو بايدن، المعلن بسياسة خارجية قائمة على المبادئ بما في ذلك قمع الفساد الدولي، لذلك سحبت الإدارة الأمريكية الجديدة الترخيص.
وقال نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية: "إن الترخيص الممنوح سابقا لغيرتلر يتعارض مع مصالح السياسة الخارجية الأمريكية القوية في مكافحة الفساد في جميع أنحاء العالم، ذلك أن غيرتلر تورط في فساد واسع النطاق".
ومن ناحية أخرى، شكا ديرشوفيتز من أن الولايات المتحدة قد سحبت رخصة العقوبات "من جانب واحد"، دون إعطاء غيرتلر فرصة لإثبات أنه يفي بالالتزامات التي قدمها بالسماح لمراقب خارجي بمراقبة أعماله والإبلاغ عن تعاملاته المالية.
وقال برايس إن العقوبات كانت ضرورية "لمكافحة الفساد وتعزيز الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية".
وأضاف قائلا:"ستواصل واشنطن تعزيز مساءلة الفاسدين بكل الأدوات المتاحة لنا من أجل تعزيز الديمقراطية، والتمسك بالمعايير الدولية وجعل أولئك الذين يسعون إلى قلب تلك المعايير يدفعون الثمن".
وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية عمل غيرتلر كوسيط بين الدولة والشركات متعددة الجنسيات كما أدار الشركات نيابة عن كابيلا، وذلك وفقا لإعلان العقوبات الأمريكية.
والآن، بعد أن بدأ الرئيس فيليكس تشيسكيدي، الذي يتولى السلطة منذ عام 2019، ينتزع تدريجيا السيطرة من كابيلا على المؤسسة السياسية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فإن الولايات المتحدة تريد احتواء غيرتلر أيضا.
حصل على دعم بوش لكابيلا
وصل غيرتلر، الابن المحب لكرة القدم لعائلة ناجحة في تجارة الماس في تل أبيب، إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1997 بعد وقت قصير من وصول والد كابيلا، لوران ديزيريه كابيلا، إلى السلطة.
وفي عام 2000 عندما انتهت الحرب الأهلية، التي هددت بإنهاء حكم أسرة كابيلا، فجأة كما بدأت، تعهد غيرتلر بتقديم ملايين الدولارات، وفقا لتقرير للأمم المتحدة، كما تعهد أيضا بالحصول على الأسلحة، وهما العاملان الأكثر أهمية لمساعدة الزعيم الجديد على البقاء في السلطة، وفي المقابل، حصل على احتكار صادرات جمهورية الكونغو الديمقراطية الكبيرة من الماس.
واكتسب غيرتلر ثقة كابيلا الصغير، الذي تولى منصب الرئيس عندما اغتيل والده في عام 2001.
وبعد أن انخرط في حرب مع رواندا، حليفة الولايات المتحدة، أرسل الزعيم الشاب غيرتلر إلى واشنطن ليطلب دعم الرئيس جورج دبليو بوش.
وبعد مناقشات مطولة مع غيرتلر، وافقت إدارة بوش على دعم الرئيس كابيلا، مما ساعد على تمهيد الطريق لاتفاق سلام بين الأطراف المتحاربة وترسيخ حكم كابيلا.
كما أصبح غيرتلر القنصل الفخري للبلاد في إسرائيل وحصل على جواز سفر دبلوماسي.
100 مليون دولار رشاوى
بدأت الشركات التي يسيطر عليها غيرتلر في اكتساح تراخيص التنقيب عن المعادن في جميع أنحاء البلاد.
وفي كثير من الأحيان، ساعد الشركات متعددة الجنسيات، مثل تاجر السلع السويسري غلينكور وشركة صناديق الاحتياطي في نيويورك أوتش زيف كابيتال مانيجمانت، على الاستثمار في مشاريع التعدين الكبيرة، وجني أرباحه هائلة.
وعلى الرغم من ذلك فإن عمليات التعدين التي قام بها غيرتلر بمفرده لم تكن ناجحة بشكل كبير.
فقد أرسل ذات مرة طائرات هليكوبتر تحمل حفارات في عمق الغابات الكونغولية بحثا عن خام الحديد، واتضح أن المشروع كان مكلفا للغاية ومعقدا بحيث لا يستحق كل هذا العناء.
ووفقا لوزارة العدل الأمريكية، فقد أُبلغت أوتش زيف أنه "كان على استعداد لاستخدام نفوذه السياسي الكبير مع كابيلا وحاشيته لتسهيل عمليات الاستحواذ وتسوية النزاعات وإحباط المنافسين"، وقد قبلت وزارة العدل الأمريكية لاحقا التماس إقرارا بالجرم من قبل أوتش زيف وفرضت عليها غرامة بتهمة الضلوع في جرائم الفساد.
وفي اتفاقها مع وزارة العدل، أقرت أوتش زيف بأن غيرتلر قد دفع في الواقع ما لا يقل عن 100 مليون دولار في شكل رشاوى في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهو أمر ينفيه غيرتلر.
وأصبح غيرتلر أحد أغنى رجال إسرائيل حيث بنى منزلا فخما من ثلاثة طوابق بمصعد ذي ألواح خشبية في حي فقير خارج تل أبيب، وقال إنه يشعر بأنه في منزله هناك منغمس في مجتمع يهودي يشاركه الانتماء الديني.
وبمرور الوقت، كثرت الأسئلة حول الصفقات التي يبرمها، ودعا الصحفيين ليروا بأنفسهم كيف كانت مشاريعه تفيد جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولكن لم يتم تناول التفاصيل المتعلقة بصفقات الفساد المزعومة.
ويذكر موقعه على الإنترنت أنه "رأى دائما أن مهمته تتمثل في مساعدة جمهورية الكونغو الديمقراطية على التعافي من فترة طويلة من الدمار وبناء انتعاش اقتصادي دائم ومستدام".
وفي مشروع للنحاس والكوبالت في جنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2012، قفز غيرتلر بابتهاج خلف عجلة قيادة حافلة ليأخذ الزوار إلى مكان طُهرت فيه الغابة الجافة من أجل منجم مفتوح وآلات معالجة ضخمة.
لم يحقق ذلك المشروع الكثير، لكن كان غيرتلر مستفيدا من بعض أكبر مناجم النحاس والكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
الحياة في ظل رئيس جديد
تزايدت الأسئلة حوله.
وقد أضافت قضية أوتش زيف المزيد من التفاصيل إلى الادعاءات ضده.
وقال تقرير بتكليف من أفريكا بروغرس بانل إن جمهورية الكونغو الديمقراطية خسرت ما لا يقل عن 1.36 مليار دولار في الصفقات التي شارك فيها غيرتلر بين عامي 2010 و 2012 فقط، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات.
وعلى الرغم من مشكلاته، واصلت طائرة غيرتلر الخاصة رحلاتها المنتظمة إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وفي حين أن إعفاء غيرتلر من العقوبات لم يدم طويلا، فمن المرجح أنه سمح له بتسوية بعض شؤونه المالية على الأقل، وسيكون التحدي الأكبر هو الحفاظ على هيمنته في جمهورية الكونغو الديمقراطية .
فيديو قد يعجبك: