التفاوض بحسن نية.. هل تراجعت إثيوبيا أم تواصل المماطلة بجملتها المكررة؟
كتبت- رنا أسامة:
لا تنفكّ إثيوبيا تهدئ من نبرة التعنّت والتحدّي وتُبدي استعدادها للتفاوض "بحُسن نيّة" مع مصر والسودان، لا سيّما كلما واجهت ضغوطًا وتحذيرات من قِبل دولتيّ المصب، في أزمة سد النهضة المُستمرة منذ نحو عِقد من الزمان، فيما تمضي قُدمًا على الأرض في سياساتها القائمة على المماطلة وفرض الأمر الواقع، وتواصل بنائه وتعبئته بشكل أحادي ينتهك المواثيق والقوانين الدولية.
وفي أحدث فصول التناقض الإثيوبي، قال المتحدث باسم الخارجية الإثيوبي دينا مُفتي، في مؤتمر صحفي أمس الأربعاء: "مستعدون للتفاوض بحسن نية مع مصر والسودان حول ملف سد النهضة، ونتوقع استئناف المفاوضات قريبًا"، آملًا أن تنجح مهمة الوساطة الأفريقية في التوصل لاتفاق.
وأضاف مُفتي أن أديس أبابا "تأخذ المخاوف السودانية والمصرية بشأن سد النهضة على محل الجد"، مُجددًا التأكيد على أهمية المفاوضات ومواصلة مسار التفاوض برعاية الاتحاد الأفريقي.
وتابع معلقا على البيان التحذيري المصري السوداني: "الأمر لا يتعلق باقتراح وساطة جديدة، الأمر لا يتعلق ببداية مسار جديد. لماذا علينا أن نبدأ مسارًا جديدًا؟"، مُضيفًا "الأمر لا يتعلق بملء السد أو عدمه.. المهم هو استمرار المفاوضات التي كانت قد عقدت تحت رعاية الاتحاد الأفريقي".
والشهر الفائت، قال سفير إثيوبيا لدى الولايات المتحدة، فيتسوم أريجا، إن "إثيوبيا مستعدة دائمًا للتوصل إلى اتفاق عادل"، مؤكدًا الانتهاء منه بحلول عام 2023.
تحذير مصري سوداني
جاء ذلك بعد نحو 24 ساعة من بيان مصري سوداني مُشترك حول سد النهضة صدر في خِتام مباحثات سامح شكري وزير الخارجية ونظيره السودانية مريم الصادق المهدي، في أول زيار تُجريها الأخيرة إلى مصر.
وأكّد البيان "ضرورة الوصول إلى اتفاق عادل وقانوني ومنصف يلبي حقوق الدول الثلاث بشكل متوازٍ، ويضمن استفادة إثيوبيا من السد في التنمية دون الإضرار الجسيم بأي من دولتي المصب".
وشدّد على "الاستمرار بالدفع للتوصل إلى هذا الاتفاق، باعتباره السبيل الوحيد لحماية شعوبنا، في إطار التعاون والتفاهم"، مُطالبًا إثيوبيا بإبداء حسن النية والانخراط في عملية تفاوضية فعالة من أجل التوصل لهذا الاتفاق.
وفيما تُصرّ إثيوبيا على تعبئة الملء الثاني للسد في يوليو المُقبل بغضّ النظر عما يمكن أن تؤول إليه المفاوضات، حذّر البيان المصري السوداني من تداعيات تلك الخطوة باعتبار أنها "تهديد مباشر للأمن المائي لمصر والسودان، خاصةً فيما يتصل بتشغيل السدود السودانية ويهدد حياة 20 مليون مواطن سوداني".
وأكّد أن هذا الإجراء "خرق مادي لاتفاق إعلان المبادئ المبرم بين الدول الثلاث في الخرطوم بتاريخ 23 مارس 2015).
كما أشار إلى تمسك مصر والسودان بالمُقترح الذي تقدّمت به الخرطوم حول تطوير آلية التفاوض، ودعمته مصر "حول تطوير آلية التفاوض التي يرعاها الاتحاد الأفريقي".
وينص المقترح، وفق البيان، على تشكيل لجنة رباعية دولية، للتوسط في المفاوضات، على أن تقودها وتسيّرها الكونغو الديمقراطية بصفتها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي.
وتشمل اللجنة كلًا من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، للتوسط في المفاوضات، بحسب البيان الذي قال إن الخرطوم والقاهرة دعتا "هذه الأطراف الأربعة لتبني هذا المقترح".
بالتوازي، أكّد الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال اجتماع ثانٍ مع وزيرة الخارجية السودانية "موقف مصر الثابت من حتمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم فيما يخص ملء وتشغيل السد، بما يراعي عدم الإضرار بدولتي المصب ويحافظ على حقوقهما المائية، كما تم التوافق على تكثيف التنسيق المتبادل بين مصر والسودان خلال الفترة القادمة إزاء تلك القضية الحيوية"، بحسب بيان الرئاسة.
كانت إثيوبيا بدأت مرحلة ملء خزان السد العام الماضي، ضاربة بعرض الحائط مُطالبات مصر والسودان بأن يتم الاتفاق أولًا بين الأطراف الثلاثة.
وشجب السودان قرار إثيوبيا الفردي بملء خزان السد على نهر النيل، مؤكدا أنه "تهديد للأمن القومي".
تحدٍ إثيوبي
وسبق أن وجّهت مصر والسودان تحذيرات مماثلة تجاهلتها إثيوبيا، وأكدت أن بناء السد "سيسير كما هو مُخطط له"، بل وحمّلت دولتيّ المصب مسؤولية فشل المفاوضات.
في وقت سابق الشهر الفائت، قال وزير المياه والري الإثيوبي سيلشي بيكيلي، إن أديس أبابا غير معنية بفشل التوصل إلى اتفاق خلال الجولات الماضية التي رعاها الاتحاد الأفريقي، مؤكدًا اكتمال بناء أكثر من 78 بالمائة من السد، وتقدّم أعمال البناء بنسبة 4.05 بالمائة خلال 6 أشهر.
وأعلن في مؤتمر صحفي وقتذاك أن الأعمال الهندسية في بناء السد وصلت إلى 91 بالمائة، بينما بلغت نسبة البناء الكلية 78.3 بالمائة.
وبعد أيام، جدّد الوزير الإثيوبي تحدّيه التحذيرات الدولية، وقال إن "بناء السد يجري بشكل سريع، ويُتوقع أن يخزن 13.5 مليار متر مكعب من المياه في موسم الأمطار القادم". كما كرّر رفض إثيوبيا أي اتفاق يحيد عن "إعلان المبادئ".
وفي نوفمبر 2019، وافق وزراء خارجية مصر وإثيوبيا والسودان، على الاستناد إلى المادة العاشرة من اتفاق "إعلان المبادئ" الموقّع في 23 مارس عام 2015، في حال لم يُتوصل إلى اتفاق بشأن النقاط الخلافية في 15 يناير 2020.
تحمل المادة العاشرة من الاتفاق اسم "مبدأ التسوية السلمية للمنازعات"، وتنص على أن: "تقوم الدول الثلاث بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقًا لمبدأ حسن النوايا. وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول أو رئيس الحكومة".
وتخشى مصر من أن عملية ملء السد قد تؤثر على حصتها من المياه، ففي السنوات التي يكون فيها معدل الأمطار عاديا أو فوق المتوسط لا يُتوقع أن تكون هناك مشكلة، ولكن القلق بشأن ما قد يحدث خلال فترات الجفاف التي قد تستمر لأعوام.
ودخلت مصر والسودان في محادثات غير مثمرة دامت أكثر من عشرية كاملة مع إثيوبيا حول سد النهضة، منذ أن بدأت العمل فيه عام 2011.
والشهر الماضي، جرت محادثات بين الأطراف الثلاثة بحضور مراقبين من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، ولكنها باءت بالفشل بسبب تعنّت الجانب الإثيوبي.
فيديو قد يعجبك: