محلل تركي: إردوغان يواجه منافسا غير مُتوقع قد يطيح به في الانتخابات
واشنطن- (د ب أ):
وسط أزمة اقتصادية تشهدها تركيا حاليا بسبب سياسات اقتصادية غير موفقة أحيانا، جاءت جائحة فيروس كورونا لتزيد من تلك المشكلات ليُثقل بها كاهل المواطن العادي، حيث بات الفقر يقض مضاجع كثير من الأتراك، وانعكس ذلك انعكاسا جليا على نسب تأييد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وقال بوراك بكديل، المحلل التركي البارز والزميل في منتدى الشرق الأوسط بالولايات المتحدة، في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي، إنه بعد 19 عاما من الحكم المتواصل، يبدو أن الرجل القوي الإسلامي في تركيا، الرئيس أردوغان، لا يزال بلا منازع سياسيا. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد عامين ونصف العام، أظهرت أبحاث موثوقة أنه لا يزال السياسي الأكثر شعبية، حيث يأتي أقرب منافسيه إلى ما دونه بكثير في استطلاعات الرأي. لكنه يواجه الآن منافسا غير متوقع قد يطيح به.
وكشفت مؤسسة متروبول، وهي مؤسسة استطلاع مستقلة للرأي، مؤخرا عن أن شعبية أردوغان بلغت 31%، يليه حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي بنسبة 17.4%. وإذا أجريت الانتخابات اليوم، فإن حزب الحركة القومية، شريك أردوغان في الائتلاف القومي المتطرف، سوف يفوز بنسبة 7.2%، ليصل بذلك صوت الكتلة الحكومية إلى 38.7%. وسوف تفوز كتلة المعارضة، وهي تحالف هش يضم ستة أحزاب من أيديولوجيات مختلفة، بنسبة إجمالية تبلغ 36.1%.
وتقول استطلاعات الرأي إن أتباع أردوغان يتبعونه كما لو كانوا يتبعون أحد الأنبياء، مجازيا وحرفيا. وفي ذروة جديدة لأزمة العملة الوطنية في نوفمبر، كتب علي كاراهاسان أوغلو، وهو كاتب عمود مؤيد لأردوغان، أنه "حتى لو ارتفع سعر الدولار إلى 15 ليرة (من 8.50) فإننا لن نستسلم للجلاد". وكتب يقول: "إننا نفضل دولارا واحدا مقابل 15 ليرة بدلا من 8.50 حتى لا نرى تركيا تتبع أوامر أمريكا".
ومنذ ذلك الحين، لم تسر الأمور على ما يرام بالنسبة لتركيا. ففي مارس، تسارعت وتيرة التضخم في تركيا للشهر السادس على التوالي، حيث أدى ضعف الليرة إلى ارتفاع تكلفة الواردات، مما جعل من الصعب على محافظ البنك المركزي الجديد في البلاد تحقيق رغبة أردوغان في تخفيف السياسة النقدية. وارتفعت أسعار المستهلك بنسبة 16.19% على أساس سنوي. وعلى مدى معظم السنوات الثلاث الماضية، ظل معدل التضخم في البلاد عالقا في خانة الأرقام المزدوجة. ويعتبر شهاب كافشي أوغلو، الذي عينه أردوغان في مارس، هو رابع محافظ للبنك المركزي منذ عام 2019. وكان سلف كافشي أوغلو، ناجي أغبال، قد عين قبل أقل من خمسة أشهر.
وجاء كل هذا الاضطراب في وقت تطالب فيه المعارضة الرئيسية بمعرفة ما حدث لـ 128 مليار دولار تقول إنها بيعت من احتياطيات البنك المركزي. ويظل اختفاء مثل هذا المبلغ الضخم من المال يشكل لغزا. ويبدو أن البنك المركزي كان يبيع الدولارات باستمرار للدفاع عن الليرة الهابطة ولكنه لا يكشف للبنوك التي باع لها دولاراته وبأي أسعار صرف، وبالتالي يثير الشكوك حول صفقات فاسدة.
وفي 19 مارس، رفع البنك المركزي سعر إعادة الشراء لمدة أسبوع بمقدار 200 نقطة أساس إلى 19%، لتصل الزيادة التراكمية في الأشهر الأربعة الماضية إلى 875 نقطة أساس. وهذا يجعل تركيا واحدة من أفضل 10 دول في العالم تقترض بتكلفة أكبر. وكانت مبادلة العجز عن سداد الائتمان السيادي لتركيا عند 444.69 نقطة في 5 أبريل، وهو أعلى مستوى بين الاقتصادات الغربية والناشئة.
وتأتي هذه الأمثلة الجلية على سوء الإدارة عندما يشعر معظم الأتراك بأنهم مسحوقون في ظل المصاعب الاقتصادية الشديدة واحتمالات المزيد من الفقر حيث أن البلاد تواجه مشكلات أيضا في إدارتها لجائحة كوفيد 19. وفي 2 أبريل، أكدت تركيا تسجيل 40 ألفا و809 حالات جديدة من حالات الإصابة بكوفيد 19، مسجلة بذلك رقما قياسيا في يوم واحد من الإصابات منذ تفشي الجائحة.
وقد وضع الإغلاق بالفعل الكثير من الضغوط الاقتصادية على الشركات الصغيرة . وأفلس ما مجموعه 125 ألفا من الشركات الصغيرة وأصحاب المتاجر خلال هذه الجائحة. وهذا يجعل ما يقدر بنحو 500 ألف شخص في تركيا متأثرين بشدة بالمزيج المؤسف من سوء الإدارة الاقتصادية والجائحة، بما في ذلك أصحاب المتاجر وأسرهم.
وينظر إلى الفقر المتزايد بأعداد رسمية أخرى أيضا. وقال وزير الطاقة فاتح دونميز إن شركات توزيع الكهرباء قطعت إمدادات الكهرباء عن 7ر3 مليون أسرة العام الماضي بسبب الديون غير المسددة. وهذا يجعل أكثر من 10 ملايين تركي يضطرون إلى العيش بدون كهرباء بسبب عدم القدرة على دفع الفواتير.
وحتى 11 ديسمبر، كانت هناك 22 مليونا و759 ألف حالة من الإجراءات القانونية للديون غير المسددة على الشركات والأفراد. كما أن البطالة مشكلة ملحة أخرى. وبلغ معدل البطالة الرسمي في تركيا في تشرين ثان/نوفمبر 12.9%. لكن "ديسك-آر"، وهي نقابة عمالية، قالت إن معدل البطالة في الشهر نفسه بلغ في الواقع 28.8% استنادا إلى أساليب حساب منظمة العمل الدولية.
ويواجه أردوغان معضلة صعبة. فقد تم إعطاء الجرعة المزدوجة من التطعيمات لـ 5.8% فقط من السكان في حين تهدف البلاد إلى تطعيم 50 مليون شخص بحلول الخريف، أو 59.5% من جميع السكان.
وهذا يعني أن تركيا يجب أن تحافظ على قواعد الإغلاق الخاصة بها. غير أن المزيد من الإغلاق سيعني المزيد من الانكماش الاقتصادي، لا سيما في بلد يعتمد على إيرادات صناعة السياحة.
وأدت هذه الجائحة إلى زيادة إفقار الاقتصاد التركي الهش. وهي تهدد بإلحاق ضرر أسوأ بميزانيات الأسر الفقيرة، التي تشكل جوهر جمهور الناخبين. وتقول إحدى الدراسات الحديثة إن الموالين لأردوغان هم أكبر عدد من الناخبين الذين سيصوتون بشكل مختلف أو يمتنعون عن التصويت في الانتخابات المقبلة. وأظهر استطلاع متروبول أن ثلث الناخبين المؤيدين لأردوغان لن يصوتوا لصالحه، أو سيمتنعون عن التصويت أو لم يقرروا بعد. ويبدو أن أكبر منافس سياسي لأردوغان هو الفقر.
فيديو قد يعجبك: