باحث أمريكي: إسرائيل والفلسطينيون.. من حل الدولتين إلى حل الـ"لا حل"
واشنطن- (د ب أ):
يرى الباحث الاستراتيجي المعروف الدكتور انتوني كوردسمان أنه ليس بوسع أحد أن يتنبأ بالكيفية التي سينتهي بها القتال الراهن بين إسرائيل والفلسطينيين، أو حتى ما إذا كان سوف يتوقف لفترة طويلة- فمن الممكن أن تصبح أي هدنة بين إسرائيل وحماس بسهولة مقدمة لحرب استنزاف متقطعة أو انتفاضة جديدة منخفضة المستوى.
ويضيف كوردسمان أن التاريخ يعلمنا أن أي شكل لأي اتفاق جديد يمكن أن يصبح مقدمة لأعمال جديدة من التطرف السياسي والاستقطاب- من أجل الاستحواذ على أسلحة ودفاعات جديدة، واتخاذ تدابير أمنية جديدة، وصياغة أشكال للمقاومة والإرهاب.
وذكر كوردسمان، استاذ كرسي أرلين يورك في الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، أن جولات العنف الأخيرة الإسرائيلية والفلسطينية بلغت بالفعل مستويات جعلتها حاجزا آخر أمام أي سلام حقيقي ودائم بين إسرائيل والفلسطينيين، وأنه حتى إذا ما انتهى هذا القتال، يبدو من المرجح أنه سيؤدي إلى استقطاب الجانبين أكثر من الجمع بينهما. وفي الوقت نفسه، يبدو بالفعل أنه تسبب في انقسام الدول فيما يتعلق بدعم إسرائيل مقابل دعم فصائل فلسطينية معينة- مما يجعل القضية الفلسطينية قضية تُقسم الدول المجاورة لإسرائيل، أو قضية قد تحاول تلك الدول استغلالها.
وقال كوردسمان في تقرير مطول نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إنه من المحتمل أن يؤدي تجدد الاهتمام بالقضية الفلسطينية ، وضراوة القتال الحالي، ومستوى الخسائر في الأرواح بين المدنيين، والأضرار الجماعية التي تسببت فيها محاولات إسرائيل لقمع صواريخ حماس إلى عرقلة التقدم المحدود الذي شهدته علاقات إسرائيل بعدد من الدول العربية. كما أنه يهدد بحدوث انقسامات إضافية بشأن قضية السلام والقضية الفلسطينية في الأردن، ومصر وغيرهما من الدول المعتدلة في العالم العربي- وهو أمر من المرجح أن تستغله سوريا، وإيران، وحزب الله، ويُحتمل أيضا أن تستغله روسيا والصين وتركيا لمصلحتها الاستراتيجية .
وعلى الرغم من أن الاتهامات التي وجهت لكل من إسرائيل وفصائل فلسطينية معينة مبالغ فيها، أدت المستويات المتصاعدة للهجمات الجوية الإسرائيلية وهجمات حماس الصاروخية إلى أقاويل جديدة في الغرب بأن إسرائيل تنتهك قوانين الحرب وحقوق الإنسان من ناحية، بينما تعزز من ناحية أخرى الاتهامات بأن جميع الحركات الإسلامية عنيفة و" إرهابية" في طابعها.
ويؤكد كوردسمان أن هناك خطرا حقيقيا بالنسبة لافتراض أن أي وقف لاطلاق النار أو التفاوض سوف يكون حلا دائما بالنسبة للقوى التي حولت أمل " حل الدولتين" إلى مجالات رئيسية متعددة للتوتر والنزاع الإسرائيلي –الفلسطيني.
وحتى إذا انتهى القتال الحالي بالتوصل لتسوية ما تبدو أنها تتحرك نحو السلام وتشتمل على بعض التصريحات المعتادة عن النوايا الطيبة والتعبيرات المطمئنة، يبدو من المرجح أن النتيجة الحقيقية والنهائية ستكون حل الـ"لا حل" للانقسامات بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين الإسرائيليين- وبالتالي زيادة في عدم الاستقرار الشامل في المنطقة.
ويقول كوردسمان إن تاريخ العنف السابق وجهود السلام الفاشلة تبدو بمثابة تحذير واضح. فلم يحدث في أي وقت من الأوقات أن حاد المكون اليهودي من الشعب الإسرائيلي عن " حل الدولتين" . وفي حقيقة الأمر ، ما زال الكثير من الإسرائيليين اليهود يدعمون مثل هذا النهج لتحقيق السلام. وكثيرون آخرون يدعمون نهجا أكثر توازنا بالنسبة لحقوق الفلسطينيين في شكل من أشكال الشراكة أو على الأقل التعايش السلمي مع الفلسطينيين الإسرائيليين.
ومع ذلك، هناك الكثير من الإسرائيليين اليهود الآخرين يدعمون مفهوم إسرائيل كدولة يهودية، والتوسع المطرد للسيطرة الإسرائيلية على القدس، وضم أجزاء من الضفة الغربية- ويعارض كثير من الفصائل السياسية الإسرائيلية أي شكل من أشكال الدولة الفلسطينية. وهؤلاء الأسرائيليون اليهود أصبحوا عاملا صاعدا باطراد في السياسة الإسرائيلية والانتخابات الإسرائيلية الأخيرة ، وتعني جولة العنف الأخيرة ، بالتأكيد تقريبا، أن عددهم زاد بشكل كبير.
ومن الواضح تماما أنه ليس من المحتمل أن تنجح أي تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين تتجاهل حقيقة أن حل الدولتين فشل حتى الآن لأن الجانبين يستطيعان الاتفاق أحيانا على مفهوم لكنهما لا يستطيعان مطلقا الاتفاق على شكل من أشكال التصرف العملي. والنجاح الدائم يمكن فقط أن يكون نتيجة القيام على الأقل بوضع خطة جديرة بالثقة للتعامل مع كل القضايا السابقة مع مرور الوقت، ثم تنفيذ هذه الخطة فعليا بعد ذلك.
ويتعين على القادة الإسرائيليين والفلسطينيين الاعتراف بهذه الحقيقة للمضي قدما، وكذلك الاعتراف بشرعية مواقف الطرف الآخر، ولكن ليس من الواضح تماما من هم هؤلاء القادة الآن في الجانبين، كما أنه من المتوقع أن تعرقل القوى ذات المصالح تحقيق أي تقدم.
واختتم كوردسمان تقريره بقوله إنه ينبغي ألا نفقد الأمل مطلقا، لكن التاريخ يحذر من أنه يبدو أن حل الـ"لا حل" هو النتيجة الحقيقية الأكثر ترجيحا للمأساة العنيفة الحالية.
فيديو قد يعجبك: