فورين بوليسي: كيف أصبحت دولة الاحتلال عبئًا وخسارة على واشنطن؟
كتب - محمد عطايا:
بعد 11 يوما من التصعيد الإسرائيلي في غزة الذي بدأ أوائل الشهر الجاري؛ أعلنت دولة الاحتلال قبول الوساطة المصرية ووقف إطلاق النار، ولكن بعد أن ترك العدوان وضع الفلسطينيين أسوأ حالاً ولم يعالج القضايا الأساسية في الصراع الحالي بالمنطقة، وذلك بحسب ما ذكرته مجلة "فورين بوليسي".
وأوضح أستاذ العلوم السياسية الأمريكي بجامعة هارفارد، ستيفن والت، في مقاله بالمجلة الأمريكية، أن الوقت قد حان لنقل الولايات المتحدة علاقتها بحليفتها إسرائيل من خانة "العلاقة المميزة"، إلى علاقة طبيعية.
وأكد أنه في الماضي كان من الممكن تبرير العلاقة المميزة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بناءً على أسس أخلاقية، نظرًا لأنه كان ينظر إلى إنشاء دولة يهودية على أنه استجابة مناسبة لـ"قرون من معاداة السامية" خاصة في الغرب، وبالتحديد بعد ما حدث في "الهولوكوست".
وأوضح والت أن مرور عقود من الحكم الإسرائيلي الوحشي، قضى على "الحجة الأخلاقية للدعم الأمريكي غير المشروط" لإسرائيل، لافتًا إلى أن حكومة الاحتلال عملت على توسيع المستوطنات وحرمت الفلسطينيين من حقوقهم السياسية المشروعة، وعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية، واستخدمت القوة العسكرية لقتل وإرهاب سكان قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان مع الإفلات من العقاب.
حلف يخلق المشاكل لا الحلول
في مقاله بمجلة "فورين بوليسي"، أوضح أستاذ العلوم السياسية الأمريكي بجامعة هارفارد، أنه في الماضي كانت دولة الاحتلال الإسرائيلي حليفًا قويًّا يخدم مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وأوضح أنه خلال الحرب الباردة، كانت إسرائيل داعمة قوية لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وتمكنت من كبح النفوذ السوفيتي في المنطقة.
وتابع أن الأوضاع اليوم تغيرت بشكل كامل، وأصبح حلف إسرائيل للولايات المتحدة "يخلق مشاكل لواشنطن أكثر مما يحلها"، وذلك وفقًا لـ "والت"، الذي أوضح أن دولة الاحتلال عاجزة اليوم عن مساعدة الولايات المتحدة في العراق على سبيل المثال، بل إن واشنطن كان عليها إرسال صواريخ باتريوت إلى إسرائيل خلال حرب الخليج الأولى لحمايتها من هجمات سكود العراقية.
تكلفة العلاقة المميزة
أوضح والت أن تكاليف العلاقة المميزة لإسرائيل بالولايات المتحدة مستمرة في الارتفاع، لافتًا إلى أنه في الأغلب يبدأ الجميع بانتقاد الدعم الأمريكي لإسرائيل بأكثر من 3 مليارات دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تقدمها واشنطن لدولة الاحتلال كل عام.
وبرغم من أن إسرائيل الآن دولة غنية يحتل دخل الفرد فيها المرتبة التاسعة عشرة في العالم، إلا أن المعونات الاقتصادية الأمريكية لا تمثل عقبة كبرى، مثلما تمثل تكلفة تلك العلاقة على الناحية السياسية لواشنطن.
فمنذ تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن السلطة في يناير الماضي، يحاول محو صورة سابقه دونالد ترامب، وتصدير "قيم الولايات المتحدة" الداعمة لحقوق الإنسان حول العالم، ولكن الدعم غير المشروط لدولة الاحتلال يخل كثيرًا بتلك الصورة، وفقًا لـ "والت".
وأضاف أنه خلال الأسبوع الماضي، فإن الدعم غير المشروط لإسرائيل يجعل من الصعب على الولايات المتحدة المطالبة بـ"المكانة الأخلاقية العالية على المسرح العالمي"، خاصة عندما منعت إدارته لثلاث مرات إصدار قرارًا من مجلس الأمن الدولي بإدانة العدوان الإسرائيلي على غزة.
وأوضح أنه "عندما تقف الولايات المتحدة بمفردها وتستخدم حق النقض (الفيتو) ضد ثلاثة قرارات منفصلة لمجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار، تعيد التأكيد مرارًا وتكرارًا على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وتفوض بإرسال أسلحة إضافية بقيمة 735 مليون دولار لإسرائيل، وتقدم للفلسطينيين خطابًا فارغًا فقط حول حقهم في العيش بحرية وأمن مع دعم حل الدولتين، فإن ادعائه بالتفوق الأخلاقي مكشوف باعتباره أجوفًا ومنافقًا".
وأوضح أن الصين سارعت في انتقاد موقف الولايات المتحدة، وسلط وزير الخارجية الصيني وانج يي الضوء على عجز الولايات المتحدة عن العمل كوسيط عادل من خلال عرض استضافة محادثات سلام إسرائيلية فلسطينية بدلاً من ذلك.
مغامرات واشنطن بالشرق الأوسط
كشف أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد في مقاله بالمجلة الأمريكية، أن الدعم غير المشروط لإسرائيل من الولايات المتحدة، جعل واشنطن تواجه بشكل كبير خطر الإرهاب.
وأوضح أن الدعم الأمريكي الثابت لإسرائيل والمعاملة الوحشية من دولة الاحتلال للفلسطينيين كانت أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت المجموعات الإرهابية إلى مهاجمة "العدو البعيد".
وأضاف أن "العلاقة المميزة" للولايات المتحدة بإسرائيل ترتبط أيضًا بالمغامرات الأكبر للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بما في ذلك قرار غزو العراق في عام 2003.
وأوضح أن قضاء الولايات المتحدة على خصم قوي لدولة الاحتلال في المنطقة مثل العراق، كانت خطوة مرحب بها في الأوساط الإسرائيلية.
وتابع أن "العلاقة الخاصة" والشعار المألوف بأن التزام الولايات المتحدة بإسرائيل "لا يتزعزع"، جعلت أيضًا من أن تكون مؤيدًا لإسرائيل اختبارًا أساسيًا للخدمة في الحكومة ومنعت عدد من الأمريكيين القادرين من المساهمة بمواهبهم وتفانيهم في الحياة العامة.
العلاقة الطبيعية ليست طلاقًا
يقول أستاذ العلوم السياسية الأمريكي، إن الدعوة إلى إنهاء العلاقة المميزة لا تعني الدعوة إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات أو إنهاء كل الدعم الأمريكي، ولكن بدلا من ذلك، هو دعوة الولايات المتحدة إلى أن تكون لها علاقة طبيعية مع إسرائيل على غرار علاقات واشنطن مع معظم الدول الأخرى.
وأضاف أنه مع وجود علاقة طبيعية، ستدعم الولايات المتحدة إسرائيل عندما تفعل أشياء تتفق مع مصالح وقيم الولايات المتحدة وتنأى بنفسها عندما تتصرف إسرائيل بطريقة أخرى، ولا تحمي دولة الاحتلال من إدانة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا عندما تستحق إسرائيل هذه الحماية بوضوح.
وأردف أن "العلاقة الطبيعية ليست طلاقًا، حيث تستمر الولايات المتحدة في التجارة مع إسرائيل، وستظل الشركات الأمريكية تتعاون مع نظيراتها الإسرائيلية في عدد من المشاريع. وسيزور الأمريكيون الأراضي المقدسة، وسيواصل الطلاب والأكاديميون من البلدين الدراسة والعمل في جامعات بعضهم البعض".
وأضاف أنه "يمكن أن تستمر الحكومتان في تبادل المعلومات الاستخباراتية حول بعض القضايا والتشاور بشكل متكرر حول مجموعة من موضوعات السياسة الخارجية".
واختتم أنه لا يتوقع أن يحدث تغير في العلاقات وتصبح العلاقة بين الطرفين طبيعية في الوقت القريب.
فيديو قد يعجبك: