اتفاق الصين وإيران.. كيف يؤثر على مستقبل الشرق الأوسط؟
واشنطن - ( د ب ا):
أثار الاتفاق الذي تم توقيعه بين إيران والصين مؤخرا ردود فعل متباينة داخل إيران وخارجها، لكن يمكن القول أنه ليس هناك اتفاق بين دولتين أكثر شمولا من ذلك الاتفاق. فهو يغطي الكثير من المجالات الحيوية مثل الأمن، والاقتصاد، والشؤون المالية ، والبنية الأساسية. ومع مرور السنوات، سوف يصبح اقتصاد كل من الدولتين أكثر اعتمادا كل منهما على الآخر وأكثر ارتباطا ، مما يجعل من الصعب للغاية أن ينقضي هذا الاتفاق.
ويقول الصحفي والباحث فارهانج فريدون- نمدار في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية إنه من الافراط في التبسيط وصفه بأنه مجرد اتفاق تبلغ قيمته 400 مليار دولار، ذلك لأن أهميته الاستراتيجية سوف تحدد مستقبل الشرق الأوسط.
فقد تم توقيع الاتفاق في عالم متعدد الأقطاب بصورة متنامية؛ حيث كثفت الولايات المتحدة من خطواتها لإقامة تحالف يضم إسرائيل ودول عربية في أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حلفاء أمريكا المعارضين للصين مثل الهند. وقد أدت السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط إلى أن تصبح دول سنية أكثر قربا من دولة يهودية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية أكثر قربا من دولة شيوعية، وهو ما يماثل ما تنبأ به السياسي الأمريكي صامويل هينتنجتون وهو حدوث انقسام عبر الحضارات .
وأضاف فريدون- نمدار أن السبب الأكثر وضوحا وراء إقامة التحالف الأمريكي الجديد هو تقليص الهيمنة الإيرانية والنفوذ الصيني في المنطقة. وإلى جانب تقسيم أعباء الولايات المتحدة في المنطقة بين الحلفاء، سوف تؤدي تسوية المشكلة الفلسطينية الاسرائيلية إلى حرمان إيران من استغلال القضية الفلسطينية لدعم الجماعات الفلسطينية والتدخل في الصراع.
كما أن التحالف يرسخ السيطرة الفعلية على الطرق البحرية الاستراتيجية من ملقا إلى قناة السويس، وهي طرق يعتمد عليها الاقتصاد الصيني. وعلى سبيل المثال تستورد الصين حوالي 75% مما تستهلكه من نفط ، وهذا الاعتماد يمكن استخدامه كسلاح ضد بكين. واعتماد الصين على الطرق البحرية الخاضعة لحراسة أمريكية لاستيراد ما تحتاجه من طاقة في ظل علاقات عدائية بصورة متزايدة سوف يضطر الصين لإعادة النظر في أمنها المتعلق بالطاقة- مما يجعل إيران الخيار الأكثر أهمية.
ويقول فريدون- نمدار إن ثلث المبلغ المخصص في الاتفاق الإيراني الصيني ، وهو 280 مليار دولار، سيتم انفاقه على البنية الأساسية الخاصة بالبتروكيماويات . مما يدل على أن الصين سوف تعتمد بصورة متزايدة على إيران لتأمين الطاقة اللازمة لها، وسوف يوفر هذا ورقة ضغط مهمة لإيران على الصين. وسوف يجعل إيران دولة حليفة لا غنى عنها.
كما تشمل الاتفاقية مرابطة خمسة آلاف من القوات الصينية داخل إيران؛ وهو رضوخ من جانب إيران باعتبارها نظاما ثوريا ، قد يثير بعض التساؤلات الجوهرية، ومع ذلك يبدو أن إيران مستعدة لقبول ذلك لجعل الصين تعتمد على قطاع الطاقة الإيراني.
وتتمتع إيران أكثر من أي وقت مضى بنفوذ في عدد من العواصم العربية المهمة في الشرق الأوسط مما يجعلها الدولة المحورية في المنطقة. وكان مقتل فاسم السليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني بمثابة النهاية للقوة الأمريكية في بغداد. وكشف أن إيران أكثر نفوذا سياسيا من الولايات المتحدة هناك، وكان لها دور مهم في تصويت البرلمان العراقي على طرد التواجد الأمريكي من البلاد.
ويضيف فريدون- نمدار أن إيران تمارس قوة ناعمة مهمة في الشرق الأوسط، حيث تنفق مليار دولار فقط على من يعملون بالوكالة لصالحها، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بما تنفقه أمريكا وحلفاؤها . و لا تدعم طهران الجماعات الشيعية فقط، بل تدعم جماعات سنية أيضا.
وتتمتع إيران بنفوذ كبير للغاية في العراق، واليمن، وسورية من خلال من يعملون بالوكالة لحسابها والجماعات الموالية لإيران. وبإمكان إيران من خلال قوتها السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، أن تمنح العقود للشركات الموالية لها لإعادة إعمار الدول التي لحق بها الدمار نتيجة الحروب الأهلية وحركات التمرد بطريقة تخدم المصالح الإيرانية. وتتبع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية السخية نفس النهج. إذا أنها تتمتع بقوة هائلة لإعادة إعمار البنية الأساسية في الشرق الأوسط.، على النقيض من الولايات المتحدة التي أهملت بناء البنية الأساسية في الشرق الأوسط.
وعلى سبيل المثال، وقعت العراق اتفاق نفط مع الصين بقيمة ثلاثة مليار دولار، وقدمت الصين مساعدات انسانية لليمن. وتمر مبادرة الحزام والطريق عبر الشرق الأوسط المضطرب، وسوف تكون إيران حليفا لا عنى عنه في تعزيز الاستقرار والأمن اللذين يحتاج إليهما المشروع الصيني. وساعدت إيران في هزيمة داعش في العراق وسورية، وأنهت تقريبا وجود تنظيم القاعدة في اليمن ، وتحتفظ بولاء مختلف العناصر التي ليست بدول في المنطقة.
وفيما يتعلق بعلاقات إيران المستقبلية مع الولايات المتحدة أوضح فريدون- نمدار أن المتشددين في إيران ومعظمهم من أعضاء الحرس الثوري الإيراني ، الذي صنفته أمريكا كمنظمة إرهابية ، هم الآن في صدارة الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة. وفي حالة فوزهم ، سوف يكون احتمال التوصل لاتفاق أمريكى مرض مع إيران ضعيفا.
ويختتم فريدون- نمدار تقريره بالقول إن إيران نجحت تماما حتى الآن في تجاوز العقوبات الأمريكية، وإن اتفاق إيران مع الصين سيجعل تلك العقوبات لا قيمة لها حيث تنظم بكين مركزا ماليا واقتصاديا مستقلا مختلفا في أوراسيا يجعل إيران كيانا إقليميا مهيمنا أكثر نفوذا حتى بدون امتلاك أسلحة نووية. ونظرا لأن العراق تقع في منتصف هذه التكتلات المتعارضة التي تقودها الولايات المتحدة والصين، قد تصبح بغداد برلين القرن الحادي والعشرين.
فيديو قد يعجبك: