رئيس وزراء إيطاليا يسعى جاهدا لإنقاذ الجنوب الفقير
روما- (د ب أ):
في ملصق نصف ممزق، يظهر رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، بينما تم وضع طلاء أحمر دموي على وجهه، وهو يحيي زوار عقار سكني مدمر في نابولي، فيما لا يعد رمزا للغوغائية فحسب، ولكن لليأس والإحباط اللذين أصابا جنوب إيطاليا لأجيال.
وذكرت وكالة "بلومبرج" للانباء، أن مشروع "لا فيلي" (ويعني بالايطالية /الاشرعة/) السكني، استوحي من المهندس المعماري لو كوربوزييه - وهو أحد رواد عمارة الحداثة الفرنسية - وتم بناؤه تقريبا في نفس توقيت بناء مجمع "باربيكان إستيت" السكني الذي يقع على حافة مدينة لندن. وفي ظل نفس القدر من الجمال الملموس، والمثل العليا المشتركة للحياة الحديثة، صار أحدهما مثالا لانتصار تخطيط المدن، وانحدر الآخر ليتحول إلى حي عشوائي حضري.
وسيطر تجار المخدرات على الممرات والسلالم المشتركة التي كانت تهدف إلى إعادة الحيوية إلى وسط المدينة القديم في نابولي، حيث كانت تلك العصابات هي وحي إلهام تأليف كتاب وفيلم "جومورا".
ويقول نائب عمدة مدينة نابولي، كارمين بيسكوبو، بينما يحتسي قهوة الإسبريسو التي أحضرتها امرأة محلية له ولضيوفه: "لم يكن بإمكان أي ممثل عن الدولة الحضور إلى هنا قبل بضعة أعوام".
ويتم حاليا هدم مشروع "لا فيلي" السكني الذي يعيش به مئات الاسر الفقيرة، وإعادة بناء المنطقة تحت رعاية دراجي، في إطار خطة رئيسية لإحياء ثروات ما يطلق عليه اسم "ميزوجيورنو"، وهي منطقة كبرى من إيطاليا تمتد في النصف الجنوبي للبلاد، وتبدأ من جنوب نابولي. ويقوم حاليا الرجل الذي يعود إليه الفضل في إنقاذ اليورو منذ ما يقرب من عقد من الزمان، بمهمة سياسية واقتصادية استعصت على مهندسي التوحيد قبل 150 عاما، ألا وهي جعل إيطاليا دولة متماسكة، بداية من صقلية ووصولا إلى جبال الألب.
وذكرت وكالة "بلومبرج" أن هذا يعد حجم المهمة: بنية تحتية متهالكة، وفساد، وبطالة مزمنة، وروتين مرعب. ويعِد كل رجل دولة إيطالي بالتعامل مع أزمة الجنوب، حيث يبلغ حجم البطالة هناك نحو ضعف حجمها في الشمال، كما أن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي يصل بالكاد إلى النصف.
وما يقدمه دراجي هو مبلغ غير مسبوق من المال وقدر من الخبرة التي تمكنه من إدارة المشروع بصورة جيدة، حيث أنه يراهن على سمعته كشخصية إصلاحية، لإنجاح الامر. وتعد إيطاليا أكبر الدول التي حصلت على مساعدات من الاتحاد الأوروبي لمكافحة تفشي وباء كورونا، وقد قام بتخصيص ما يقرب من 40 بالمئة من أصل 260 مليار يورو (316 مليار دولار أمريكي) من برنامج التعافي للمناطق المهملة.
وتعد القضية المهمة حاليا هي عنصر الوقت. فدراجي هو رئيس وزراء تكنوقراط، وعلى الرغم من أنه له ثقله، فإن اتجاه الرياح السياسية قد تعني أن إيطاليا تتجه صوب إحدى انتخاباتها المتكررة للغاية خلال العامين المقبلين.
ويشعر المرء بالتحدي في "لا فيلي"، من خلال هذا الملصق المشوه الذي ينتقص من قدر المصرفيين ويسخر من أشهر تصريحات دراجي، وهو: "مهما تكلف الأمر".
وتشير "بلومبرج" إلى أن المسؤولين في برلين وفي باريس وفي بروكسل، يراقبون الوضع عن كثب. فقد لاحظوا وجود قفزات في الديون التي سجلتها إيطاليا على مدار السنين، وفشل الجهود المتتالية لتعزيز الاقتصاد، ويخشون من أن المشروع الأوروبي قد يواجه تصفية حساب في يوم ما. وفي الواقع ، يعتبر الزحف التصاعدي لتكاليف الاقتراض الإيطالية خلال الأسابيع الأخيرة، "تطورا مشؤوما" يسلط الضوء على مخاطر حدوث أزمة مالية، بحسب خبراء "بلومبرج".
وكان دراجي قال أمام مجلس الشيوخ في روما في أبريل الماضي عندما وضع خططه وتولى زمام المشروع: "إنه أمر خطير بالنسبة لمستقبل أوروبا... سنكون، إلى حد ما، مسؤولين عن الفوز أو الخسارة".
وإذا نجح دراجي في إعادة وضع إيطاليا على مسار النمو، فسوف يدعم قضية الاتحاد المالي من خلال جعل صندوق الانتعاش ذي التمويل المشترك، دائما، بحسب ما قاله مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي. أما إذا فشل، فإن أي حجة من أجل المزيد من التكامل النقدي ستتبخر.
فيديو قد يعجبك: