سبتة ومليلية: كيف ظلت منطقتان في أفريقيا تحت السيطرة الإسبانية؟
مدريد- (بي بي سي):
يصف المغرب سبتة ومليلية بالمحتلتين، في حين يعرفهما باقي العالم كجيبين إسبانيين في شمال إفريقيا.
وهما يمثلان الجزء الوحيد من الأراضي الأوروبية في في البر الإفريقي، وهو واقع سياسي وقانوني لم يعترف به المغرب قط، واستمر في المطالبة باستعادتها بجانب أربعة جيوب أخرى صغيرة في البحر المتوسط، وكلها تقع في شريط مضيق جبل طارق الضيق.
وعبر عدد كبير من المهاجرين الحدود الشهر الماضي، بلغ عددهم نحو ثمانية آلاف، وهو أكبر عدد يعبر في يوم واحد في التاريخ. وتبين لاحقا أن الحرس المغربي غض الطرف عن حركة العبور الكبرى هذه.
وتطور الحادث سريعا، وتحول إلى أزمة دبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، ما دفع الحكومة الإسبانية لإرسال تعزيزات إلى المنطقتين، ووصفه رئيس الوزراء بيدرو سانشيز بأنه "أزمة غير مسبوقة في السنوات الأخيرة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب".
ومع تطور الأزمة، أطلق المغربيون حملة على تويتر شعارها "سبتة ومليلية ليستا إسبانيتين" و"سبتة ومليلة مغربيتان"، ومطالبات بإنهاء الاستعمار.
ونقلت وسائل الإعلام العربية مشاهد بشعة من داخل سبته، تُظهر المواجهات الغاضبة بين المحتجين الإسبان، في مواجهة المهاجرين والنساء المسلمات من أصل مغربي.
وغرد أحدهم: "هؤلاء ليسوا مهاجرين. هؤلاء أصحاب الأرض".
"حالة استعمارية أوروبية تقليدية"
وتبين لاحقا أن عدم تصدي الحرس المغربي لتدفق اللاجئين لم يكن صدفة، بل محاولة مقصودة لإرسال رسالة تحذير لإسبانيا التي تستضيف إبراهيم غالي، قائد حركة بوليساريو التي تسعى لانفصال الصحراء الغربية عن المغرب.
وكحال الكثير من الدول، لا تعترف إسبانيا بسيادة المغرب على الصحراء، ورفضت محكمة إسبانية يوم الثلاثاء الماضي إصدار أمر باعتقال إبراهيم غالي بدعوى ارتكاب جرائم حرب، وقالت إنه لا يوجد دليل ضده.
بيد أن هناك شعورا عاما في المغرب بأن الصحراء الغربية جزء من المغرب، كما هي الحال مع سبتة ومليلية أيضا.
ويندلع النقاش بشأن المدينتين من آن لآخر، خاصة في قضايا الهجرة غير الشرعية.
وظاهريا، يبدو المغرب محقا في اعتبار خضوعهما لسيادته. فالجيبان يقعان في أراضٍ إفريقية، في حين تقع إسبانيا في أوروبا. وتبدو هذه حالة استعمار أوروبي تقليدية.
لكن عند التعمق في دراسة الأمر، تكتشف وجود سرديات متناحرة وتعقيدات قانونية.
وكحال أغلب النزاعات على الأرض، يأتي الأمر محملا بالشعارات العاطفية والفخر الوطني على جانبي البحر المتوسط
تذكير "بإذلال المسلمين"
تصف المصادر العربية سبتة بأنها رأس الحربة لعملية استيلاء المسلمين على شبة جزيرة أيبيريا في القرن الثامن، وحكمهم لها الذي استمر لمدة 800 عام.
وأعيدت السيطرة الإسبانية على هذه المناطق لاحقا في حملة عسكرية لإخراج المسلمين من المنطقة التي أصبحت الآن إسبانيا والبرتغال والتي عرفت في الأدبيات الإسبانية باسم الاسترداد.
واستولت إسبانيا على مليلية في القرن الخامس عشر الميلادي، في نفس الوقت الذي "اكتشف" فيه كولومبوس أمريكا، ما مهد الطريق أمام الاستعمار الأوروبي للأمريكيتين. وأصبحت مليلة تحت السيطرة الإسبانية الكاملة في القرن السادس عشر.
وبالنسبة للمسلمين، فسبتة ومليلية هما تذكير بهزيمة المسلمين وما تعرضوا له في إسبانبا بعد صعود القوى الغربية المسيحية فيها.
ووصفت صحيفة عربية الأمر فقالت إن المدينتين "أرض مسلمة مهما طال احتلالها، وجرح قديم ظنه البعض اندمل، لكن يستمر في النزف ولا علاج له سوى إعادة السيطرة عليهما".
حتى أن صفحة ويكيبيديا العربية تصف المدينتين بأنهما "أرض مغربية تحت سيطرة إسبانية.
وعلى الرغم من خوض المغرب حربا للسيطرة على الصحراء الغربية بعد انسحاب إسبانيا منها عام 1975، إلا أن محاولتها السيطرة على سبتة ومليلية كانت شديدة البطء.
وحاول المغرب مبدئيا الضغط نحو قرار أممي يجعل المدينتين جزءا من الأراضي التي لم تُحرر من الاستعمار، والتي تُعرف بالأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي.
ويقول المتخصص في العلوم السياسية المغربي سمير بنيس إن المغرب تصرف بحسن نية بعد الاستقلال عن إسبانيا وفرنسا، وتصور أن الأمر يمكن حله بتحضر في المستقبل، لكن رد الفعل الإسباني لم يكن مماثلا.
"وفي السادس من يوليو عام 1963، التقى الملك الحسن الثاني بالجنرال فرانكو في مطار باراخاس في مدريد للحديث بشأن النزاع على الأراضي".
وأضاف: "وافق المغرب على فصل مسألة سبتة ومليلية عن النزاعات الأخرى على الأرض، ما وضع البلدين في مواجهة أمام لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، التي تعرف باللجنة الرابعة".
وترفض إسبانيا كليا أي حديث عن مفاوضات بشأن المدينتين، وتصر على أنهما إسبانيتان منذ أكثر من خمسة قرون، وإنهما جزء أساسي من الدولة الإسبانية.
ويشكك بنيس في الادعاءات الإسبانية تاريخيا وقانونيا.
ويقول: "فمن وجهة نظر سياسية وإدارية، لم يكن الجيبان إسبانيين في الجزء الأكبر من تاريخهما".
"واختلف استغلالهما بين تحصينات عسكرية أو سجون مفتوحة كان ينفى إليهما المجرمون لتنفيذ أحكام أو للتخلص منهم وإبعادهم عن شبة الجزيرة (الأيبيرية)".
لكن ماذا عن رأي القانون الدولي في الحالتين؟
يقول الدكتور جايمي ترينيداد من جامعة كامبريدج إنه "وفقا للقانون الدولي، فالأدلة المغربية على تبعية سبتة ومليلية ضعيفة، إذ أنهما إسبانيتان منذ مئات السنين. وهناك عوائق سياسية وقانونية كبرى أمام أي تغيير في حالة هذه الأراضي لصالح المغرب".
وأضاف: "وسياسيا، فالعائق الأكبر هو رغبة سكان سبتة ومليلية في بقائهما إسبانيتين. وفكرة سيطرة المغرب عليهما ضد رغبة السكان مستبعدة تماما في العصر الحالي".
وحتى إذا حدث تغير كبير في موازين القوى، وأصبحت مسألة السيادة في يد سكان سبتة ومليلية، فما فرص تفضيل السكان للحكم المغربي على الحكم الأوروبي الديمقراطي؟ الإجابة ليست صعبة.
فيديو قد يعجبك: