التونسيون يحتفلون بـ"العيد الكبير" بتزيين الأضاحي وأكل "العصبان"
تونس- أ ش أ:
يحل فيروس كورونا المستجد ضيفا ثقيلا هذا العام على أفراد العائلة التونسية ليمنعهم من الاحتفال بالشكل المعتاد بعيد الأضحى المبارك ، فالتونسيون كباقي المسلمين حول العالم يحتفلون اليوم بأول أيام عيد الأضحى المبارك إلا أن هذا العام البهجة لن تكون حاضرة في هذه الظروف الاستثنائية حيث ارتفعت أعداد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا لتسجل أعدادا قياسية، حيث عبرت منظمة الصحة العالمية عن قلقها من عدم احترام البروتوكول الصحي خلال فترة العيد، وهو ما حذر منه بدورهم مسؤولون صحيون تونسيون.
وتأمل الحكومة التونسية في أن تكون الموجة الرابعة قد بلغت ذروتها، وسط مخاوف الطواقم الطبية من أن يتسبب العيد بإعادتهم إلى النقطة الصفر، بعد أسابيع مضنية مع المجهودات والتضحيات .
وفيما يخص عادات الاحتفال بعيد الأضحى المبارك فتختلف تقاليد الشعوب العربية والإسلامية في الاحتفاء بهذا العيد الذي يسمى في تونس بـ "العيد الكبير".
فللشعب التونسي عادات تميزه عن باقي المجتمعات العربية خاصة أن المواطن التونسي يولي هذه المناسبة أهمية كبيرة ويحرص على التحضير لها جيدًا.
فأول ما يحرص عليه المواطن التونسي في هذه المناسبة هو شراء خروف الأضحية ويسميه التوانسة بال "علوش"، حيث تنتصب العديد من نقاط بيع الخرفان في مختلف المناطق التونسية ويحرص كلّ التونسيين على شراء الأضاحي رغم ارتفاع أسعارها والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد خلال السنوات الأخيرة.
كما يقوم التونسيون بشراء المواد الغذائية المتنوعة، تتمثل في شكل خاص في الخضر الورقية، والتجهيزات الضرورية لشواء اللحم، فيما تحرص ربات البيوت على تجهيز منازلهن وترتيبها استعدادًا ليوم العيد .
ويعتبر عيد الأضحى إحدى أبرز المناسبات التي تجتمع خلالها العائلات وتلتقي فيها الأسر التي غالبًا ما تفرقها ظروف الحياة والعمل.
وقد أحيا التوانسة مؤخرا عادة تونسية قديمة تسمى ب "خرجة العيد"حيث يقوم سكان المدينة العتيقة ومدن أخرى بالتجوال في أزقة المدينة لجمع المصلين ليسيروا مكبرين ومهلليل حتى يصلوا إلى الجامع لأداء صلاة العيد .
وفور الانتهاء من صلاة العيد وذبح الأضحيات وسلخها، تشرع العائلات التونسية في عملية شواء اللحم على الفحم، وعادة ما يكون تناول اللحم مصحوبًا بأنواع مختلفة من السلطة وخبز يتمّ إعداده في المنازل، ولكن عمل ربات المنازل لا يتوقف هنا، حيث تقمن إثر ذلك بتنظيف أحشاء الخروف (الكرشة) لإعداد "العصبان" الذي يتمّ تحضيره لاستعماله في طبخ الكسكسي (الذي عادة ما يكون جاهزًا ثاني أيام العيد) أو الأرز.
وتطبخ بعد عملية الشواء، أكلات متنوعة خلال أيام العيد الكبير والأيام التي تليه كـ"القلاية" و"المصلي" و"الكمونية" و"المرقة الحلوة"، كما تقوم الكثير من العائلات بإعداد القديد الذي يتمّ عادة الاحتفاظ به لطبخ أكلات معينة في فصل الشتاء بشكل خاصة.
وفي صباح يوم العيد تستيقظ النسوة باكراً لتحضير الفطور وتجهيز خبز "الطابونة" و"الملاوي" (فطير)، ويستيقظ ربّ الأسرة ليتوجه إلى الجامع لأداء صلاة العيد رفقة أولاده.
وما إن يفرغ المصلّون حتى ينطلق الجميع إلى شحذ السكاكين، إيذاناً بانطلاق عملية ذبح الأضاحي، إذ تختار العائلات التونسية أن تذبح بشكل جماعي مع الجيران والأقارب، أو بصورة فردية بحضور أفراد العائلة .
ومن العادات والتقاليد التي لا تغيب عن صبيحة يوم العيد قبل النحر حرق البخور لـ"إبعاد العين الشريرة والحسد عن الأضحية"، وتعتقد العائلات أن اللجوء إلى هذه الخطوة سيجنبها ما قد يعكر صفوهم، ويزيد الخروف طهارة.
ومن الطقوس المعروفة أيضاً في عيد الأضحى عند بعض الأسر تلقِّي الزوجة أولى قطرات الدم في آنية وتحتفظ بها إلى أن تجف، ومن ثم يبخَّر- حسب معتقداتهن- الأطفال الصغار ببعض منها، لتجنّب الحسد .
وتعمد بعض النسوة الأخريات إلى غمس أيديهن بالدماء وطلاء جدران البيت، للغرض ذاته، في حين تنثر أخريات "الملح" على دماء الأضحية بغاية إبعاد السوء ومسّ الجنّ والشيطان عمن يمرّ بجواره.
ومن العادات المعروفة كذلك اجتماع الأسر، حيث يفضل أفرادها قضاء هذه المناسبة الدينية بين الأقارب وولائم الطعام في جوّ من الابتهاج، إلا أن هذا العام حثت السلطات التونسية مواطنيها على عدم التزاور للتقليل من الإصابات بفيروس كورونا.
وعلى عكس بعض الدّول العربية، فإنه لا ترمى أحشاء الخروف، بل تمضي النّسوة في تنظيفها وتحضيرها لإعداد أهم أكلة تُميّز عيد الأضحى في تونس وهي "العصبان".
وبحسب بعض الدّراسات، تعود أكلة العصبان للقرن الثالث عشر، وتتكوّن أساساً من خليط يجمع كل ما يوجد في جوف الأضحية من الرئتين والقلب والكبد والأمعاء وبعض اللحم، إضافة إلى الخضراوات؛ مثل السلق والبقدونس والثوم والبصل والحمص والأرز في بعض المناطق والقمح في مناطق أخرى، لتمثّل حشواً دسماً يجمع في أحد الأمعاء، ثم تخاط لتطبخ لاحقاً في أطباق الكسكسي (أكلة تراثية) والأرز.
وتُسارع بعض المناطق في الجنوب التونسي لطبخ العُصبان في أوّل وجبة تلي حفل الشّواء، في حين تتركها بقية المناطق للأيام اللاحقة، وتطبخ أكلات أخرى من أبرزها "القلاية" (مرق باللحم).
ولا يقطَّع اللحم ويخزن إلا في اليوم المُوالي، حيث تُترك الأضحية مُعلّقة في الحبل في اليوم الأوّل، وعند تقطيعها تترك أغلب العائلات جزءاً منها لتعدّ به "القديد" (شرائح اللحم بالملح والفلفل الأحمر عليها، وتترك للشمس حتى يجف).
وعادة ما تسعى بعض العائلات إلى تحضير قائمة بأسماء العائلات الفقيرة والأصدقاء الذين ستوزع لهم اللّحوم، إذ تعتبر هذه المناسبة فرصة للتكافل الاجتماعي والشعور بالآخرين، وهي أيضاً مناسبة للتواصل وزيارة الأرحام وتفقّد الفقراء ومواساتهم.
كما تعمل جمعيات خيريّة عديدة على توفير الأضاحي للمحتاجين، أو تجميع حصص من اللحوم لتوزّعها على بعض العائلات غير القادرة على شراء الأضاحي.
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: