هل تتمكن واشنطن والغرب من كبح جماح روسيا؟
كتبت- هدى الشيمي:
قد يشهد الأسبوع المُقبل واحدة من أهم اللحظات في العلاقات بين منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا منذ تفكك الاتحاد السوفيتي.
يوم الأربعاء، سيجتمع ممثلون من الناتو- أعضائه الثلاثين- وروسيا في العاصمة البلجيكية بروكسل، لمناقشة التعزيز العسكري الأخير للقوات الروسية على الحدود بين موسكو وأوكرانيا. كما يجتمع دبلوماسيون أمريكيون وروس في جنيف يوم الاثنين لمناقشة الأزمة نفسها.
وحسب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن فإن هناك مسارين للمحادثات، وأن خيار "الدبلوماسية وتخفيف التصعيد" كان أحد الخيارات التي وضعتها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لموسكو قبل الاجتماعات.
التقى بلينكن بنظيره الروسي سيرجي لافروف في العاصمة السويدية ستوكهولم، في ديسمبر وسط قلق متزايد بين القوى الغربية من أن روسيا تسعى إلى غزو أوكرانيا.
أثار التصعيد الأخير مخاوف من تكرار ما حدث عام ٢٠١٤، عندما ضمت موسكو بالقوة شبه جزيرة القوم، ودعمت الانفصاليين في شرق أوكرانيا.
دفعت قدرة روسيا على ارتكاب فعل كهذا والافلات منه إلى إجراء الكثير من المحادثات الجادة في الدوائر السياسية حول دور الغرب، وما إذا كان قادرًا على مواجهة روسيا أم لا.
لم تتحسن العلاقات بين روسيا والغرب أبدًا بعد ما حدث، حسب سي إن إن الإخبارية، عوضًا عن ذلك وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة، ولم يجتمع مجلس روسيا- الناتو، الذي تأسس عام ٢٠٠٢ كمنصة لإجراء حوارات بين الغرب وموسكو، منذ أكثر من عامين.
حوار مُغلق
بينما يرى البعض أن موافقة موسكو على الاجتماع مع أعضاء الناتو تنازل كبير وإشارة إلى أن الجهود الدبلوماسية قد تؤدي إلى خفض التصعيد، فيما قال محللون أخرون لـ(سي إن إن) إن روسيا ليست بالضرورة أن تشارك في الاجتماعات بنية حسنة، لاسيما وأن الكرملين نشر الشهر الماضي مسودتي اتفاقيتين تحددان مطالبها بنزع فتيل التوترات على الحدود الأوكرانية، تضمنت تراجع عمليات نشر قوات الناتو في أوروبا الشرقية إلى ما كانت عليه في مرحلة ما في التسعينيات.
كما طالبت روسيا الناتو بعدم التوسع شرقًا، وهو حسب محللين مطلبًا غير مقبول وبداية غير مبشرة بالنسبة لحلف الناتو.
إذا ماذا تريد روسيا؟
تقول مصادر الناتو- حسب سي إن إن- إن روسيا ربما تتعمد المطالبة بأشياء سخيفة وغير منطقية مثل قبول أعضاء جدد في الحلف، أو سحب دول مثل أوكرانيا وفنلندا منه، لإجبار المجموعة إلى الرفض، وهنا سيتعامل الروس على أنهم حاولوا التفاوض ولكن الطرف الاخر رفض، وبالتالي سيبررون التصعيد لمواطنيهم.
ونظرًا إلى عدم مرونة الجانبين، لماذا يُعقد الاجتماع؟
ووفقًا للمسؤولين من أعضاء الناتو، فإن يوم الأربعاء يمثل فرصة لأعضاء الحلف للظهور متحدين في موقف حازم، وأن يخبروها بأنها إذا قامت بتصعيد التوترات، فسوف تواجه عواقب اقتصادية خطيرة، وسيستخدمون وسائل رادعة لم يلجئوا إليها من قبل.
زعيم قوي
قد يكون العداء الغربي مع بوتين سيء ولكن التقاعس أسوأ. قال باسي إيرونين، المحلل في مركز أبحاث دراسات الصراع، :"إن الاستجابة لمطالب موسكو ستزيد الوضع سوءًا، لأنها ستشجع الكرملين على التصرف بعدوانية كبيرة".
وما يمكن ملاحظته من كلام المسؤولين في الناتو أو الخبراء هو أن الغرب لم يعد يخشى بوتين وروسيا كما كانوا عليه في السنوات الأخيرة الماضية.
على مدار الأعوام الماضية، تمكن بوتين من خلال بعض التصرفات اظهار نفسه في صورة الزعيم القوي الذي يجب أن يهابه الجميع، وكان من ضمنها تسميم واغتيال مواطنين روس على أراضي أجنبية، القمع الوحشي وسجن المعارضين السياسيين، التدخل في الانتخابات في البلاد الأجنبية، ضم شبه جزيرة القرم.
يقول إيرونين:"إن بوتين مستبد متقدم في السن، مهووس بإرث حكمه، وإرث فشل الاتحاد السوفيتي، ولكن الأوضاع في بلاده أصبحت شديدة السوء بعد انتشار كوفيد-١٩ في كل مكان، علاوة على ذلك يبدو مستقبل تصدير الهيدروكربونات قاتمًا".
"ورقة ضغط"
وربما يتمكن الغرب من الضغط على بوتين من خلال الضعف الاقتصادي الذي تواجهه موسكو.
قال بيل براودر، رجل أعمال أمريكي بارز، إن اقتصاد موسكو بنفس حجم اقتصاد نيويورك تقريبًا، "لذا إذا تمكن الغرب من فرض عقوبات اقتصادية ضد بوتين، وأعمال روسيا دون خوف، سيجد نفسه محاصرًا بسرعة كبيرة".
وأضاف:" بينما فرض الغرب العديد من العقوبات الاقتصادية على روسيا خلال السنوات الأخيرة الماضية بسبب سوء سلوكها، إلا أنها تستطيع المضي قدمًا وفرض المزيد".
"محادثات متوترة"
من الواضح أن المحادثات المقرر إجراؤها الأسبوع المقبل ستكون متوترة ولن يكون حل الأزمة الأوكرانية سهلاً. يقول المحللون أن بوتين يمكن في أخطر حالاته عندما يجد نفسه محاصرًا في الزاوية.
وكان العديد من المسؤولين في الناتو، قد أكدوا أن بوتين يهتم بأوكرانيا أكثر من كثيرين في الغرب، ولن يتردد للهجوم والحصول على ما يريد إذا شعر بضعف الطرف الاخر.
سيبذل الغرب أقصى جهدهم من أجل اقناع روسيا بالتوقف عن ممارستها في أوروبا، ولديهم العديد من الأوراق الاستراتيجية التي ربما تساعدهم على اجبار بوتين على تخفيض حدة التصعيد في شرق أوروبا، ومع ذلك- قالت سي إن إن- إن بوتين لم يظل لأكثر من ٢٠ عامًا على الرأس السلطة دون سبب.
أما إذا أرادت روسيا تحقيق أقصى استفادة ممكنة من محادثاتها مع روسيا الأسبوع المقبل، فيجب أن يلتقوا بممثليها وهم في حالة وحدة غير قابلة للكسر، لاسيما وأن تكرار أخطاء عام ٢٠١٤ قد تتسبب في ظهور نسخة أكثر من خطورة من الزعيم الروسي، يظن أنه قادر على فعل أي شيء والهروب من العقاب.
فيديو قد يعجبك: