لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

الهولوكوست: لماذا تستمر مطاردة الضالعين في المحرقة اليهودية؟

01:18 م الخميس 27 يناير 2022

يقول الدكتور إفرايم زوروف إن الشيخوخة يجب ألا تحمي

برلين- (بي بي سي):

مر ثمانون عاماً على بدء المحرقة، و 77 عاماً على انتهاء محاكمات نورمبرغ، حيث جرت محاكمة بعض مهندسي الإبادة الجماعية.

والمجرمون الباقون على قيد الحياة هم في سن متقدمة ولم يتبق لهم من الكثير من العمر ليعيشوه.

إذاً، ما الذي يدفع متعقب النازيين، الدكتور المخضرم أفرايم زوروف في مواصلة تعقبهم.

قال لبي بي سي إن لديه العديد من الأسباب، لكن أولاً وقبل كل شيء، لأنهم غير نادمون على ما فعلوا.

وقال من منزله في إسرائيل: "لم أصادف قط أي مجرم نازي طوال هذه السنوات عبّر عن ندمه وطلب التكفير عن ذنبه".

ويشعر زوروف، وهو رئيس مركز سيمون ويزنتال ومدير مكتبه في القدس، بالذهول من الآراء التي ترى أنه يمكن اعتبار التقدم في سن المجرمين النازيين، عاملاً مخففاً.

ويقدر أن هناك بضع مئات من النازيين ما زالوا يتهربون من العدالة، وهم عازمون على إجبارهم على مواجهتها.

"قرع على الباب"

في الوقت الحالي، يواجه اثنان من النازيين المشتبه بهما محاكمات في ألمانيا، ويراقب زوروف الإجراءات باهتمام.

تتعلق الحالة الأولى برجل يبلغ من العمر 100 عاماً، يدعى جوزيف شوتز، وهو متهم بالعمل كحارس في معسكر اعتقال زاكسينهاوزن في ألمانيا لأكثر من ثلاث سنوات. ووجهت إليه تهمة التواطؤ في جريمة قتل 3512 ضحية.

الناجي من الهولوكوست ومطارد النازيين البارز سيمون فيزنتال (على اليمين) ألهم الكثيرين أمثال زوروف (الثاني من اليسار) لتولي المهمة

أما الحالة الثانية، فتتعلق بامرأة تبلغ من العمر 96 عاماً، تدعى إيرمغارد فورشنر. كانت تعمل سكرتيرة لقائد في معسكر اعتقال شتوتهوف (بالقرب من غدانسك في بولندا) بين يونيو 1943 حتى أبريل 1945.

خلال تلك الفترة قُتل 11430 نزيلاً.

يقول زوروف: "طالما استمر هذا الجهد، فإن هؤلاء الأشخاص من الناحية النظرية لا يستطيعون النوم بسلام ولا يمكنهم أبداً التأكد من أنه لن يكون هناك طرق على بابهم في يوم ما".

ويقول إن مرور الوقت لا يقلل من الذنب المرتكب وأنه لا ينبغي أن تبرر الشيخوخة الجرائم التي ارتكبوها.

إن المحاكمة الناجحة توفر العدالة للضحايا وأسرهم، كما يقول ، وتعمل كرادع قوي للجناة المحتملين في المستقبل.

انتصارات قانونية

على مدى العقود الأربعة الماضية، حاول زوروف تعقب أكثر من 3000 مجرم نازي مشتبه به يعيشون في 20 دولة، على الرغم من وفاة بعضهم قبل أن يتمكن من الوصول إليهم.

وقد تم فعلياً رفع حوالي 40 دعوى فقط للمحاكمة وحكم على عدد قليل منهم، ومع ذلك، يشعر زوروف بالتفاؤل بشأن نتائج القضايا في ألمانيا بفضل التغييرات في القانون.

"قبل 12 أو 13 عاماً، من أجل محاكمة النازيين في ألمانيا، كان عليك إثبات أن هذا الشخص قد ارتكب جريمة محددة ضد ضحية معينة وأن دوافعه كانت كراهية عنصرية".

وكان ذلك عملياً أمراً مستحيلاً في معظم الحالات، بحسب ما يقول، ولكن الآن تم إلغاء هذا الشرط.

"اليوم، كل ما عليك فعله هو إثبات أن هذا الشخص خدم في معسكر موت محدد، أحد المعسكرات التي كان فيها غرف غاز أو كان معدل الوفيات فيه مرتفع، ويمكن القيام بهذا من خلال الوثائق الموجودة حول الهولوكوست".

فقدان الزخم

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية قامت دول عديدة باعتقال النازيين والمتعاونين معهم وتقديمهم للمحاكمة.

يقول زوروف: "كانت محاكمات نورمبرغ غيض من فيض".

"في كل بلد أوروبي، كانت هناك مئات الحالات، وأحياناً الآلاف. ففي ألمانيا الغربية كان ثمة 200 ألف قضية تحقيق، و120 ألف لائحة اتهام بين عامي 1949 و 1985، ولكن أقل من 7000 حالة إدانة".

إلا أن الحماس الأولي لتقديم النازيين إلى العدالة تضاءل منذ الستينيات، واليوم، لدى السلطات أسباب واضحة جداً لعدم تخصيص الوقت والموارد لهذا الجهد كما يقول زوروف.

تمت محاكمة بعض الذين لعبوا دوراً فعالاً في تنفيذ الهولوكوست في نورمبرغ بعد الحرب بفترة وجيزة

يقول زوروف: "قارن بين نازي يبلغ من العمر 90 عاماً وقاتل متسلسل في أي بلد عادي، سترى أن الشرطة ستبحث عن القاتل المتسلسل لأنه إذا لم يتم إيقافه، سيرتكب المزيد من جرائم القتل... ما هي فرص ارتكاب نازي يبلغ من العمر 90 عاماً جريمة؟ إنها صفر".

لذلك إذا كان النازيون سيقدمون إلى العدالة ، فإن المتعقبين أمثال زوروف هم الذين سيتعين عليهم القيام بالعمل الشاق، وهم في سباق مع الزمن.

وقال زوروف لصحيفة الجارديان البريطانية إنه يجب أن يكون هو الشخص الوحيد الذي يتمنى صحة جيدة للنازيين الباقين على قيد الحياة.

وفي إطار تكثيف جهوده، أعاد إطلاق "عملية الفرصة الأخيرة" قبل عقد من الزمان، ووعد بمكافأة نقدية قدرها 25000 دولار مقابل تقديم معلومات عن أي مجرم نازي.

نجاحات

أكبر نجاح حققه زوروف حتى الآن هو إدانة آخر قائد معروف لمعسكر الاعتقال، دينكو ساكيتش، الذي قاد معسكر جاسينوفاك في كرواتيا الحالية في عام 1944، حيث قُتل ما يقرب من 100 ألف شخص في المعسكر.

وبفضل عمل زوروف، حُكم على ساكيتش بالسجن لمدة 20 عاماً في 4 أكتوبر/تشرين الأول 1998.

عندما غادر زوروف قاعة المحكمة بعد صدور الحكم أوقفه رجل طويل القامة وشكره.

ويتذكر زوروف ذلك : "قال لي الرجل لولاك، ما كانت لهذه المحاكمة أن تُجرى بتاتاً. لم تكن لدي أي فكرة عن هويته".

ضحك دينكو ساكيتش (في الوسط) عندما حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عاما

كان الرجل شقيق ميلو بوسكوفيتش، وهو طبيب من الجبل الأسود كان محتجزاً في المعسكر عام 1944. وكان ساكيتش قد اعتقله بشكل عشوائيفي إطار جهود مواجهة نشاط المقاومة ضد النازيين.

يقول زوروف: "قال ميلو بوسكوفيتش ساكيتش أنه لا يريد أن يُشنق. أخرج ساكيتش مسدسه وأطلق النار على رأسه، وأرداه قتيلاً".

وقال زوروف لشقيقه : "أعتقد أن شقيقك لم يكن حتى يحلم بأن تحاكم كرواتيا، دينكو ساكيتش؛ البطل القومي العظيم بشكل ديمقراطي مهما طال الزمان... لكن ها نحن نشهد حدوث لك".

لم يُظهر ساكيتش أي أسف أو ندم حيال ما فعله، وهو ما يراه زوروف نموذجاً لموقف النازيين من جرائمهم.

النكسات

لم يؤتِ إصرار زوروف بثماره في العديد من الحالات.

وحاول تقديم الضابط المجري السابق ساندور كيبيرو للعدالة وأحيلت القضية للمحاكمة في بودابست عام 2011 بعد سنوات من العمل الشاق. وزعم زوروف أن كيبيرو كان واحداً من 15 ضابطاً مجرياً متورطاً في مذبحة نوفي ساد في يناير/كانون الثاني 1942 والتي قُتل فيها أكثر من 3000 شخص.

كان كيبيرو وضباطاً آخرين قد أدينوا بالفعل في عام 1944 بتنفيذ عملية غير مصرح بها، ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء ضد الضباط.

لإثبات قضيته، اعتمد زوروف على وثائق المحاكمة السابقة، لكن المحكمة أخبرته أنها لا تستطيع قبول الأدلة.

لقد عمل لمدة خمس سنوات حتى أنه ذهب إلى نوفي ساد لمقابلة ناجين. كانت النكسة مؤلمة.

يقول زوروف: "في اليوم التالي، عندما كنت أنتظر العودة إلى إسرائيل، بدأت في البكاء. كان الأمر أصعب مما يكون، لكن في نهاية المطاف، فكرت في الضحايا والناجين وما مروا به أسوأ بكثير مما حدث لي".

دافع شخصي

عندما سافر زوروف إلى ليتوانيا للبحث عما حدث لليهود هناك، كان عليه أن يواجه علاقته الوثيقة بالمأساة.

جرت تسمية الدكتور زوروف باسم إفرايم لتخليد ذكرى عمه الأكبر الذي كان حاخاماً في ليتوانيا، وأحد أوائل الضحايا للمحرقة اليهودية.

ذهب إلى الشقة التي أقام فيها عمه. ثم زار 35 موقعاً منفصلاً للقتل الجماعي في ليتوانيا وخمسة في بيلاروسيا.

"كنا نزور يومياً مقبرتين أو ثلاثة مقابر جماعية، وأتلو الصلوات على أرواح الضحايا. كنت أعرف أنني أقف بجوار حفرة ضخمة كانت مليئة بالمئات وأحياناً الآلاف من القتلى".

ويتذكر "أعلم أن عمي الأكبر كان أحدهم وأن الحاجز الذي صنعته قد انهار حقاً. لقد كانت تجربة عاطفية عنبفة جداً".

ويقول إنه من بين 220 ألف يهودي عاشوا في ليتوانيا، قُتل 212 ألفاً أثناء الاحتلال النازي.

"اعتُقل عمي الأكبر الحاخام إفرايم في فيلنيوس من قبل مجموعة من الحراس الليتوانيين الذين كانوا يبحثون عن اليهود ذوي اللحى في 13 يوليو 1941. تم نقله إلى سجن لوكوشكيس ويبدو أنه قُتل هناك أو في موقع المجزرة الجماعية في بونار والذي ضم 70 ألف يهودي".

وقال بحزن: "لم أعثر على القتلة".

ومثل طرائدهم ، يتقدم صيادو النازيين أيضاً في العمر. يبلغ زوروف من العمر الآن 73 عاماً، ولديه 15 حفيداً. إنه يعلم أنه عندما يكبر جميع أحفاده، قد يكون جميع النازيين الباقين في عداد الأموات.

إنه فخور بأن عمله يساعد في الحفاظ على ذاكرة الهولوكوست حية، ويعتقد أن الأساليب التي يستخدمها متعقبو النازيين، يمكن استخدامها لتقديم الآخرين المتورطين في جرائم ضد الإنسانية إلى العدالة.

لكن تجربته تجعله يشك في قدرة الأطر القضائية القائمة على توفير العدالة لضحايا الإبادة الجماعية ويستشهد بحالة رواندا، حيث ذهب لتقديم المشورة بعد الإبادة الجماعية في عام 1994.

كان هناك 140 ألف مشتبه بهم في السجن، كما يقول، لكن ترتيبات تقديمهم للمحاكمة كانت لا تفي بالغرض بتاتاً.

"في رواندا، قُتل معظم القضاة خلال الإبادة الجماعية، ودُمرت معظم قاعات المحاكم. حتى دولةمتطورة عاجزة عن تحقيق العدالة الكاملة في جريمة كهذه ... إنه أمر مستحيل".

إنه يعلم أن إيجاد حلول للتحديات القانونية واللوجستية والسياسية التي تطرحها محاكمة مرتكبي الإبادة الجماعية يمثل تحدياً كبيراً، لكنه غير مستعد للاستسلام.

يقول: "لم أختر هذا لأنني اعتقدت أنه عمل سهل، بل من منطلق الشعور بالمسؤولية والالتزام تجاه الضحايا الذين قُتلوا".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان