إعلان

إغراء بالعمل في ألمانيا.. كيف وقع شباب مغاربة ضحايا احتيال ضخم؟

07:15 م السبت 29 يناير 2022

كيف وقع شباب مغاربة ضحايا احتيال ضخم؟

(دويتشه فيله)

في المغرب، يعتبر شراء عقد عمل من وسيط في إحدى الدول الأوروبية أمراً شائعاً، إذ لا حرج في الاستعانة به لتحقيق حلم الوصول إلى القارة العجوز. هنا وجد الكثير من "الوسطاء المحتالين" فرصتهم للاستغناء وتحصيل الملايين.

من بين الكثير من وسطاء عقود العمل، اشتهر اسم (ج) كواحد ممن يستطيعون جلب عقد عمل ألماني لمن يبحث عن فرصة. عشرات الشباب دفعوا أموالا طائلة تتراوح بين 1500 يورو و9000 يورو من أجل تحقيق حلمهم، حسب ما أخبرنا به أكثر من ضحية استطاع مهاجر نيوز الوصول إليهم.

يقبع هذا الوسيط اليوم في سجن مغربي بعدما تم ترحيله من ألمانيا، حين تأكيد تهمة النصب والاحتيال في حقه. في المغرب وجد في انتظاره ضحاياه وقد وضعوا شكايات لدى السلطات المغربية، من أجل استرجاع أموالهم.

المماطلة والاحتيال!

عيسى (اسم مستعار)، واحد من ضحايا الوسيط (ج) الذين استطاع مهاجر نيوز التواصل معهم، يحكي أنه تعرض للنصب مرتين متتاليتين خلال رحلة بحثه عن طريقة للوصول إلى ألمانيا. الشاب المغربي، حاصل على دبلوم وإجازة مهنية، أراد الهجرة إلى ألمانيا بحثا عن فرصة عمل أفضل مما يوفره سوق الشغل في بلده. طموحه جعله يدرس اللغة الألمانية بشغف ونال مستوى B1 بسهولة.

بدأت رحلة البحث عن عقد تدريب مهني في ألمانيا، لم يوفق عيسى في البحث بمجهوده الخاص في الأيام الأولى مما جعله يستعين بوسيط. التقى عيسى بالوسيط الأول (أ)، صاحب مدرسة لتعليم اللغة الألمانية. طلب منه 1500 ألف يورو مقدماً، وبعد حصوله على عقد العمل وتحصيل التأشيرة عليه أن يضيف ما قدره 4000 يورو، أي أن الحلم الألماني سيكلف عيسى 5500 يورو.

بعد أشهر من الانتظار، تعب عيسى من مماطلة الوسيط، الذي أخبره أن يطلب موعد لتسليم ملفه للقنصلية لأنه قد جهز له "كل شيء" اعتماداً على معارفه، ليعود ويطلب منه إلغاء الموعد. بدأت الشكوك تدب لعقل عيسى، وبدأ يسأل عن سمعة الوسيط (أ)، فوجد إحدى ضحاياه التي وضعت على اللائحة السوداء بسبب تضمن ملفها لعقد مزور، كان (أ) قد منحها إياه على أساس أنه عقد من مشغل ألماني، مما تسبب لها في عرقلة لا مخرج منها.

عاد عيسى لمكتب الوسيط، وطالبه بأمواله بعد معرفة حقيقة ما يقوم به من نصب واحتيال على ضحاياه، وتفاديا للمشاكل، سلمه الوسيط المبلغ كاملاً، وأوقف تعامله معه.

في محاولته الثانية لإيجاد عقد، سمع عيسى بشخص عرف بقدرته على تحقيق "الحلم"، خلال شهر مايو الماضي، سلم عيسى الوسيط الثاني (ج) ما قدره 1500 يورو، كمبلغ أولي لبدأ معاملات تحضير العقد، وهو المبلغ نفسه الذي أداه صديقين آخرين لعيسى لنفس الوسيط بالمغرب على أن يضيفوا 4000 يورو عند توفير عقودهم، بينما طلب من صديقهم الرابع المتواجد بتركيا، مبلغا أكبر وصل إلى ما مجموعه 9000 يورو.

أول عقد توصل به صديق عيسى المتواجد في تركيا بعد تسليمه المبلغ كاملا للوسيط، كان عقدا مزوراً وكل المعلومات فيه لا تمت بصلة للمعني بالأمر. هنا انقطع تواصل الوسيط (ج) معهم، وحين رد على أحدهم في رسالة هاتفية، كانت لغته تهديدية. اكتشف الشباب الأربعة أنهم ضحايا عملية نصب، تتبعوا خيوطها ليجدوا أنفسهم ضمن 127 ضحية حسب قول المتحدث، تجمعهم طريق طويل ومتاهات قانونية لاسترجاع أموالهم.

أنواع الوسطاء!

حسن المحافظ، خبير بمكتب العمل الألماني التابع لوزارة العمل، أكد أن عمل الوسطاء في ألمانيا مؤطر بقوانين، يلتزم الوسطاء بها خلال البحث عن الأشخاص المناسبين لفرص العمل المتاحة من الشركات الألمانية. يحق للوسطاء الحصول على مبالغ من المشغل الباحث عن اليد العاملة. لكن المحافظ يعيب على بعضهم طلب مبالغ كبيرة من الباحثين على عمل في المغرب، الذين يضطرون لبيع ممتلكات أو الاقتراض لتحصيل المبلغ كاملا للحصول على عقد العمل الألماني.

أما عن "الوسطاء" الذين يمارسون النصب، فيعرفهم حسن المحافظ على أنهم أشخاص يعيشون إما في المغرب أو ألمانيا، يدعون أنهم سيمكنون من يرغب في العمل أو الدراسة أو التدريب في ألمانيا من الحصول على عقد بسرعة بفضل شبكة علاقاتهم داخل ألمانيا مع المشغلين، وداخل المغرب مع السلطات وداخل القنصلية، وهو ما لا ينطبق عليهم بتاتا. هم في غالب الأحيان أشخاص يقومون بتزوير العقود وبيعها في المغرب، أو في أحسن الأحوال يحاولون التواصل مع الشركات الباحثة عن يد عاملة، لكنهم فعليا لا يتوفرون على فرص أو أي عقود تذكر.

أما المؤسسات، فغالباً ما تكون مدارس خاصة لتعليم اللغة، أصحابها يقنعون من يريد تعلم الألمانية، أنهم قادرون على ضمان نجاحه في امتحان المستوى المطلوب منه لتحصيل أي عقد يريده، وأنهم قادرون على ضمان حصوله على العقد مباشرة بعد النجاح في اختبار اللغة، بل منهم من يؤكد لضحاياه أنه سيوفر له السكن وتسهيلات للحصول على بطاقة الإقامة في ألمانيا.

ضحية عقد مزور!

علياء (اسم مستعار) شابة مغربية، حاصلة على ماجستير في تخصص علمي، لكنها عملت على تقوية ملفها بتدريبات وتكوينات في مجال الرعاية الصحية وحصولها على مستوى B1. طموح القدوم إلى ألمانيا جعلها تحاول عبر مختلف الطرق للحصول على عقد عمل، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل. بعد سنوات اقتنعت أن الطريقة المتبقية أمامها هي التضحية المادية لشراء عقد.

أول وسيط قابلته وعدها بعقد عمل مقابل 6000 يورو، وهو مبلغ ضخم بالنظر لقدرتها المادية، لكنها كانت قد قررت اقتراضه من البنك وإعادة أقساطه بعد الحصول على عمل في ألمانيا. رغم سمعته الجيدة، إلا أن الوسيط الأول لم يتمكن من تسريع ملفها، وظلت في انتظار الموعد لما يزيد عن السنتين، لتنسحب وتحاول إيجاد طريقة أخرى.

البحث المستمر قاد علياء للتعرف على الوسيط (أ)، الذي كان لعيسى تجربة معه. بعقود مزورة تمكن من بعث الكثير من الشباب المغاربة إلى ألمانيا، وكانت علياء آخر من سيصل إلى ألمانيا بعقد من هذا النوع مقابل 5000 يورو.

علياء كما كل الشباب الآخرين، لم تعلم نهائياً أنها ستكون ضحية عملية نصب احترافية، إلى أن اكتشفت السلطات المغربية وأرباب الشركات الألمانية "الوسيط" الذي يزور العقود. كثير من أصدقاء علياء، تم تسجيل أسمائهم في اللائحة السوداء لدى السلطات الألمانية، بسبب العقود المزورة المتضمنة في ملفات طلب التأشيرة الخاصة بهم. بسببها راحت كل مجهوداتهم وأموالهم التي استثمروها للوصول إلى ألمانيا هباء.

التزوير كان سبب معاناة كبيرة عاشتها علياء في ألمانيا، وجدت نفسها غير قادرة على اكتراء شقة تعيش فيها، كما لم تستطع إيجاد فرصة عمل تضمن لها أجرا شهرياً، مما اضطرها لاستثمار ما تبقى معها من مال في دراسة دورة لغة ألمانية مكثفة للحصول على مستوى B2. بعد حصولها عليه، بدأت رحلة البحث عن عمل، وتم استغلالها من مشغلها الأول الذي علم أن إقامتها انتهت إضافة إلى جواز سفرها وبطاقتها المغربية. بعد جهد جهيد، تمكنت من إيجاد فرصة عمل أخرى بسبب مؤهلاتها وخبرتها ولغتها الجيدة، لتستقر أوضاعها نسبيا.

شركات الوساطة: وعود مستحيلة وعروض فارغة!

شركات الوساطة، التي تعمل أيضا في مجال تدريس اللغات، تنشر عروضاً مستحيلة على شبكات التواصل الاجتماعي، بعضها يؤكد أن الشركة الوسيطة قادرة على ضمان منحة دراسة من الدولة قدرها 1100 يورو شهريا لمدة ثلاث سنوات.

وعن هذه المنشورات المتداولة في الكثير من الصفحات والمجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، فيقول حسن المحافظ أنها تحتوي على الكثير من المغالطات. وأوضح ذلك عبر مثال المنحة، مفسراً أن الدولة الألمانية تمنحها للراغبين في الدراسة في ألمانيا والمستوفين لشروط معينة، وليس للعمال أو المتدربين، فما يحصلون عليه من مال، يكون أجرتهم مقابل عملهم لدى الشركة.

للنصب والاحتيال أوجه متعددة!

حسن المحافظ الذي يخصص قناته على اليوتوب لتوجيه وإرشاد ومساعدة الراغبين في القدوم إلى ألمانيا بشكل قانوني، أشار إلى أن هناك شركة أسست مؤخرا في ألمانيا، صاحبها يعد الناس بعمل لديه مقابل مبالغ باهضة وهو ما يخالف القانون الألماني، ويخبرهم أنهم ليسوا في حاجة لشواهد اللغة وغيرها من شروط تحصيل تأشيرة.

وقد فوجئ عدد كبير من ضحايا صاحب هذه الشركة برفض طلبات تأشيراتهم في القنصلية، ومازالوا إلى الآن في انتظار إيجاد طريقة لاسترجاع أموالهم. غير ذلك تحدث الخبير عن فئة أخرى من الشركات التي تقدم فعلا عقود عمل، لكن تُضَمِنُها شروطا مجحفة، مثل إلزام العامل بعدد معين من سنوات العمل لصالحها فقط، وتفرض عليه أجراً لا يحترم مؤهلاته وخبرته، وغالباً لا تتعدى أجورهم الحد الأدنى المعتمد في ألمانيا.

ومن سلبيات شراء عقد عمل، يقول حسن المحافظ إن "العامل غالباً لا يكون على دراية بحقيقة وضعه داخل الشركة، ولا ما ينتظره حين بدأ العمل أو التدريب. وفي غالب الأحيان، يكون العمل يفوق قدراته المعرفية أو البدنية، لذلك كثير من هذه الفئة، يضطرون لوقف عملهم أو تدريبهم، وينطلقون في رحلة جديدة للبحث عن عمل آخر تحت الكثير من الضغوطات".

نصائح للإفلات من المحتالين!

ينصح حسن المحافظ الراغبين بالقدوم إلى ألمانيا للدراسة أو التكوين أو العمل بالتركيز أولا على تعلم اللغة الألمانية والوصول إلى مستوى B1 أو B2 على الأقل في المغرب، وبعدها يعتمد الشخص في إيجاد الفرصة المناسبة له على نفسه، فالدولة الألمانية تشجع ذلك بمختلف الطرق.

مكتب الشغل الألماني Agentur für Arbeit، لديه قسم خاص يتواصل مع المتقدمين للبحث عن عمل، ويساعد أي شخص لإيجاد الفرصة المناسبة، ويساعدون في إعداد ملفات الترشيح، بل ويقدمون مساعدات للأشخاص الذين تمكنوا من الوصول إلى ألمانيا إن واجهتهم صعوبات في البداية. إضافة إلى ZAV وهو أيضا مكتب خاص بالراغبين في العمل في ألمانيا المتواجدين خارجها، ويقوم بمساعدات كبيرة.

تجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من النصب والاحتيال يمارس في مختلف البلدان العربية وليس المغرب فقط، مثل سوريا والعراق وتونس ومصر وغيرها من البلدان التي يحاول شبابها إيجاد فرص عمل في ألمانيا. صفحات ومجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي تحتوى على منشورات بوعود مستحيلة، كما تستهدف هذه المنشورات أيضًا المهاجرين العرب غير النظاميين المتواجدين بمختلف البلدان الأوروبية.

أسماء الضحايا المتحدثين لمهاجر نيوز ضمن التقرير مستعارة، قمنا بتغيير الهوية حفاظًا على سلامتهم، بعدما عبروا عن مخاوف من انتقام الوسطاء وشركائهم منهم.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: