الخوف والمقاومة في ميانمار... دولة رهينة في قبضة الجنرالات
ماي سوت- (د ب أ):
مضى عام كامل على وقوع الانقلاب العسكري في ميانمار، لم يستطع النظام الحاكم خلاله السيطرة تماما على البلاد. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه المقاومة المسلحة، فر عشرات الآلاف من المدنيين إلى تايلاند المجاورة. ولكن قصص التحدي تتواصل بقوة على الحدود.
وفي ليلة باردة من شهر ديسمبر الماضي، فزع سكان مدينة ماي سوت التايلاندية الحدودية من نومهم على صوت غارات جوية ونيران مدفعية. وفي نفس اللحظة، كان المئات على الجانب الأخير من الحدود، في ميانمار، يفرون من الهجمات العسكرية إلى الغابات، وبينهم كبار سن ونساء وأطفال صغار، يهرعون في الظلام خشية تعرضهم للقتل.
لقد كانت تلك ليلة "لا تنسي"، بحسب وصف ماري، المدرسة التي تبلغ من العمر 54 عاما، والتي كانت تختبئ وآخرون في بلدة لاي كاي كاو بولاية كارين في ميانمار، منذ انضمامها إلى حركة العصيان المدني.
وقالت ماري لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) وقد غلبتها دموعها: "لم نستطع استخدام مصابيح البطاريات، أو التحدث إلى بعضنا البعض، لو كنا فعلنا ذلك، لقتلنا جنود النظام العسكري بالمدفعية الثقيلة... كانوا يطلقون النار إذا ما سمعوا صراخ طفل صغير. لم نكن نعرف إلى أين نحن ذاهبون."
وقضت ماري أسبوعين في الغابات، تتحرك وسط المناطق الجبلية، حتى وصلت أخيرا إلى تايلاند، وهي الآن آمنة في مدينة ماي سوت.
واندلع القتال مجددا في منتصف ديسمبر بين "اتحاد كارين الوطني"، أقدم جماعة متمردة في ميانمار، والجيش، مما أجبر الآلاف من سكان ولاية كارين على الفرار إلى تايلاند، في حين تقطعت السبل بالكثيرين بطول الحدود، على ضفاف نهر "تاونجين" (موي).
والاضطرابات مستمرة في ميانمار منذ أطاح الجيش في الأول من فبراير 2021، بالحكومة المدنية، التي كانت تقودها أون سان سو تشي، الفائزة بجائزة نوبل للسلام، وقد أطلق الانقلاب العنان لاحتجاجات عارمة في أنحاء البلاد، ومصادمات بين المليشيات المعارضة للطُغمة الحاكمة وبين الجيش.
ولم يكن المدنيون يعتزمون حمل السلاح ضد الجيش في البداية، بل خرجوا في احتجاجات سلمية وسط الموسيقى ليطالبوا بحقوقهم وحريتهم. ورغم ذلك، أججت وحشية قوات النظام العسكري وما ارتكبته من أعمال قمع دموية، وتعذيب وجرائم قتل، غضب المدنيين.
وفي أعقاب أعمال العنف الأخيرة في ميانمار، بلغ عدد النازحين داخليا بسبب الانقلاب حوالي 776 ألفا، في حين تمكن 32 ألفا آخرون من الفرار- على الأقل مؤقتا- إلى دول مجاورة، معظمهم إلى تايلاند والهند، بحسب بيانات وكالة الأمم المتحدة للاجئين.
ويقول ريتشارد هورسي، الخبير في شؤون ميانمار بمجموعة الأزمات الدولية: "ستظل ميانمار، على الأرجح، في حالة أزمة، خلال المستقبل المنظور. صارت مجموعات المقاومة أكثر تطورا في ما يتعلق باستهداف قوات النظام، وهو اتجاه يرجح له الاستمرار."
وأضاف: "من الواضح أن النظام لم يتوقع هذه المقاومة القوية والحازمة للانقلاب. الموقف بعيد تماما عما خطط له (زعيم الانقلاب وقائد الجيش) مين أونج هلاينج." وأوضح هورسي أن ذلك يفسر لماذا يقاتل الجنرالات بعنف بالغ- لضمان بقاء النظام، بدلا من حصد ثمار السلطة.
وكان مين أونج هلاينج تعهد بإجراء انتخابات خلال عامين. وبرر الجيش إقدامه على الانقلاب بمزاعم تتعلق بتلاعب حكومة أون سان سو تشي بالانتخابات. وسو تشي، التي تبلغ من العمر 76 عاما، معتقلة في موقع لم يتم الإفصاح عنه، وهي تواجه عدة اتهامات تصل عقوبتها إلى السجن أكثر من 150 عاما.
وقام الأعضاء الباقون من حزب سو تشي، الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، وائتلاف من قوى ديمقراطية، بينها جماعات عرقية، بتشكيل حكومة في المنفى بعد حوالي شهرين من وقوع الانقلاب.
وفي شهر مايو الماضي، أعلنت "حكومة الوحدة الوطنية" في المنفى تشكيل "قوات الدفاع الشعبية"، وفي سبتمبر شنت هذه القوات "حربا دفاعية" وثورة في أرجاء البلاد ضد النظام العسكري. ويصف الجيش حكومة الظل ومقاتلو المقاومة بأنهم "إرهابيون".
ويتوقع هورسي أن تسقط معظم مناطق البلاد في قبضة مزيج من الجهات المحلية الفاعلة، وبينها وحدات من الجيش، ومن قوى المقاومة، وربما أطراف إجرامية.
وأوضح هورسي: "وستسقط المجتمعات المحلية في براثن كل هذا، وهي تدفع بالفعل ثمنا رهيبا".
وبحسب "جمعية مساعدة السجناء السياسيين"، وهي منظمة محلية غير حكوميةـ قتلت قوات الجيش في ميانمار أكثر من 1500 شخص. كما تم اعتقال أكثر من 1200، على الأقل على نحو مؤقت.
ولم يتحمل كثيرون ظروف الاعتقال، حيث يقول معارضو النظام إنه جرى اختطاف كثيرين في ظلام الليل، ثم حُمِلَتْ جثثهم إلى عائلاتهم في اليوم التالي- وعلى وجوههم وأجسادهم آثار تعذيب بشع.
وقال بادوه ساو تاو ني، المتحدث باسم "اتحاد كارين الوطني"، لـ "د.ب.أ" إن السكان العرقيين قاتلوا الجيش على مدار عقود، ولكن هذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها البلاد كافة في ثورة مسلحة ضد الجنرالات.
وأضاف: "هذه المرة، يجب أن تنتهي الديكتاتورية". ويرى المتحدث أن الجيش يتصرف بحمق، ويقول: "اعتقد أنهم ليس لديهم فكرة كيف سيمضون قدما، ولذلك فهم مستمرون في فعل الأمر الوحيد الذي يعرفونه: الاستئساد على الناس".
وفي الوقت نفسه، هناك بضعة آلاف من لاجئي ميانمار في ماي سوت، يقيمون بالمعابدـ والمدارس، وفي معسكر داخل حظيرة واسعة للأبقار تسيطر عليها سلطات تايلاند.
وتحاول المعلمة ماري الاحتفاظ بعقلية إيجابية، وفي نفس الوقت تدعم مقاتلي المقاومة الباقين في الغابات، وتقول: "تمكنت من الهرب، أما الشباب الذين كانوا معي على مدار أشهر، فقد عادوا إلى القتال ليضحوا بحياتهم. علي أن أظل قوية، وأنا أدعمهم."
فيديو قد يعجبك: