"غاندي العرب".. مفهوم جودت سعيد لـ"لا عنف إسلامي" يثير الجدل بعد وفاته
(دويتشه فيله)
عقب وفاة المفكر السوري جودت سعيد، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بتغريدات تحيي إرث الداعية الإسلامي الملقب بـ"غاندي العرب" و"داعية اللاعنف" ما أثار الجدل حول مفهوم "لا عنف إسلامي".
ألقاب عديدة حصل عليها المفكر السوري والداعية الإسلامي جودت سعيد، لكن أبرزها "غاندي العرب" و "داعية اللاعنف" نظرًا لإصراره على التمسك بالسلمية ونبذ العنف وحمل السلاح حتى في معارضته الحكومة السورية سواء قبل أو بعد اندلاع الانتفاضة ضد الرئيس بشار الأسد في عام 2011.
وأثارت وفاته التي أعلن عنها في تركيا أمس الأحد زخمًا كبيرًا على منصات التواصل الاجتماعي حيث نعى كثيرون جودت سعيد الذي توفي عن عمر ناهز الحادية والتسعين، وتسليط الضوء على فلسفته "السلمية" والقائمة على "اللاعنف".
"داعية اللاعنف"
وُلد جودت سعيد في قرية بئر عجم في محافظة القنيطرة عام 1931 ثم غادر سوريا قاصدًا مصر ليتلقى تعليمه في الأزهر، حيث درس العلوم الشرعية واللغة العربية. بعد استكمال دراسته في مصر، عاد سعيد الذي يتحدث أيضًا اللغة الشركسية في مرحلة دقيقة في الحياة السياسية في البلاد مع بداية حقبة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.
وانتهج سعيد مسار اللاعنف ومنهج الاعتدال ونبذ العنف، إذ تأثر كثيرًا بالشاعر والفيلسوف محمد إقبال الملقب بـ "مفكر باكستان" والمفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي. تعرض للاعتقال في سوريا خلال فترة الستينات بسبب مواقفه من النظام السوري في حينه، فيما برز الطابع السلمي لمعارضته إذ رفض سعيد الذي ينحدر من الأقلية الشركسية، العنف.
أبرز كلماته "لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع تغيير قناعات وأفكار أحد باستخدام الضغط والقوة، وأن القرآن يوصينا بعدم استخدام الإكراه في الإقناع.. الضغط يولد ردود فعل قوية".
وعلى مدار حياته الطويلة، ترك جودت سعيد أثرًا أدبيًا وفكريًا، إذ قام بتأليف العديد من المؤلفات أبرزها "حتى يغيروا ما بأنفسهم" و"فقدان التوازن الاجتماعي" وكتاب "مذهب ابن آدم الأول" الذي نُشر أواخر ستينات القرن الماضي والذي ذاع صيته حيث كان سعيد يرد على توجه بعض التيارات الإسلامية نحو العنف السياسي.
وفي كتاباته ومؤلفاته، حدد جودت سعيد ملامح مفهوم "اللاعنف الإسلامي" وقد برز ذلك في مواقفه عقب اندلاع الانتفاضة السورية.
قال سعيد "إذا نجحت الثورة السورية بالسلاح، سنظل محكومين بالسلاح.. وكل من أخذ بالسيف بالسيف يهلك".
سلمية "الثورة السورية"
مع اندلاع الاحتجاجات ضد الرئيس السوري بشار الأسد عام 2011 ، طالب جودت سعيد المتظاهرين بالتمسك بسلمية احتجاجاتهم، إذ شدد على ضرورة نبذ العنف. وقد أدى القمع الذي استخدمه النظام السوري إلى تعالي الدعوات لاستخدام العنف، إلا أن سعيد أصر على الالتزام بالنضال السلمي، لكنه اضطر إلى النزوح إلى تركيا مع استهداف الحكومة السورية للمدنيين.
وقد بدى إصراره في الحفاظ على سلمية الثورة السورية واضحًا ليس فقط في لقاءاته أو حتى مشاركته في الأشكال الاحتجاجية وإنما أيضًا في المقابلات الصحفية التي أجريت معه باعتباره مفكرًا إسلاميًا ذائع الصيت.
ففي مقابلة تليفزيونية، قال سعيد "إذا نجحت الثورة السورية بالسلاح، سنظل محكومين بالسلاح.. وكل من أخذ بالسيف بالسيف يهلك والديمقراطية لا تحل في بلد إلا إذا قال جيمع الفرقاء لن نلجأ إلى العنف".
وعقب إعلان وفاته، امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بتغريدات من شخصيات سورية معارضة تنعي جودت سعيد بالإضافة إلى شخصيات من العالم العربي والإسلامي.
وسلطت رموز في المعارضة السورية الضوء على التزام جودت سعيد بالسلمية حتى في مشاركته في الاحتجاجات ضد الحكومة، إذ ذكرت أليس مفرج المعارضة والناشطة السورية أن سعيد كان يحمل لافتة كُتب عليها "لاللعنف ولا لقتل المتظاهرين ونعم للثورة السلمية".
لكن اللافت في التغريدات غير الرسمية التي نشرها سوريون عاديون ممن يعارضون الحكومة السورية أنها جاءت لإبراز ما كان يدعو إليه جودت سعيد من نبذ العنف ودعوته القائمة على "لاعنف إسلامي".
وأشاد كثير من النشطاء بمنهج جودت سعيد الداعي إلى التغيير عبر السلمية باعتباره أحد رواد مدرسة "اللاعنف" ما يجعله يُلقب بـ "غاندي العرب" بجدارة، حيث ذهب البعض إلى القول إن تأثير سعيد كان ملحوظًا حتى على النطاق الشخصي.
ولم تتوقف التغريدات التي أشادت بالمنهج السلمي الذي دعا إليه المفكر الإسلامي جودت سعيد على الأطياف السورية المعارضة سواء الرسمية أو غير الرسمية، بل امتدت أيضًا إلى رواد التواصل الاجتماعي من الدول العربية.
فقد غرد كثيرون من دول عربية بالإشادة بما تركه سعيد من إرث ومؤلفات نبذت العنف ودعت إلى السلمية حتى في الرغبة في تغيير الحكم والأنظمة السياسية.
ويعتقد مراقبون أن وفاة جودت سعيد قد تخلق فجوة وسطية في سوريا خاصة في ظل حالة الانقسام والتباين بين مناطق خاضعة للحكومة ومناطق خاضعة لسيطرة الأكراد في شمال شرق البلاد ومناطق خاضعة لفصائل متشددة مثل "هيئة تحرير الشام" التي كانت تُعرف في السابق بجبهة النصرة التي تسيطر على منطقة إدلب في شمال غربي سوريا.
فيديو قد يعجبك: