لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

كيف تحولت جريمة قتل طفلة على يد مهاجرة إلى حملة ضد المهاجرين؟

02:22 م الجمعة 28 أكتوبر 2022

جنازة الفتاة لولا

باريس- (بي بي سي):

تجمع المشيعون المشاركون في جنازة الفتاة الصغيرة "لولا" يوم الاثنين بعد عشرة أيام من العثور على جثتها خارج شقة عائلتها في باريس. خلال تلك اللحظات فقط توقف الحديث والتزم السياسيون الصمت.

دخول تابوت صغير أبيض إلى الكنيسة في بلدة ليلرس في فرنسا كان تذكيراً بما كانت عليه البلاد خلال الأيام العشرة الماضية من صدمة وغضب.

لم يكسر الصمت في الكنيسة سوى أصوات عدسات كاميرات الصحفيين مع وصول نعش لولا البالغة من العمر 12 عاماً بعد 10 أيام من العثور عليها وعلى جسمها علامات اغتصاب وتعذيب.

أثارت الجريمة المروعة التي راحت ضحيتها الطفلة الصغيرة أسئلة سياسية صعبة.

تم توجيه تهمة قتل واغتصاب لولا لشابة جزائرية تبلغ من العمر 24 عاما مقيمة في فرنسا بشكل غير قانوني وصدر بحقها أمر ترحيل الصيف الماضي.

وحتى قبل إعادة جثة لولا إلى عائلتها كانت الفتاة المسكينة قد تحولت إلى شعار لدى المناهضين للمهاجرين.

طلبت عائلة لولا الأسبوع الماضي من الآخرين "التوقف فوراً عن استخدام اسم وصورة ابنتهم لأغراض سياسية" سواء في التجمعات العامة أو على الإنترنت.

لكن أحد المعلقين السياسيين كتب في صحيفة لوفيغارو: "هذه المأساة باتت قضية سياسية رئيسية".

منذ اكتشاف جثة لولا أظهر استطلاع قام به التلفزيون الفرنسي أن ما يقرب من ستة من بين كل عشرة أشخاص يعتقدون أن أولئك الذين يعيشون في فرنسا دون إذن يجب أن يوضعوا رهن الاعتقال الإداري.

المواقف السياسية من مثل هذه الجرائم ليست جديدة كما يقول عالم السياسة جان إيف كامو لكن الجديد هو أن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بقيادة مارين لوبين يملك الآن كتلة كبيرة من النواب في الجمعية الوطنية.

قال لي كامو: "خسرت مارين لوبين الانتخابات الرئاسية الأخيرة لكن من المحتمل أن تفوز في عام 2027. وإذا لم يتغير الوضع فيما يتعلق بالجريمة والمهاجرين غير الشرعيين فلديها حقاً فرصة مخاطبة الفرنسيين بالقول: حسناً، لقد جربتم اليمين المحافظ وتيار الوسط ولم يفعلوا شيئاً حيال ذلك".

الوطنية الأسبوع الماضي وجهت لوبين كلامها للحكومة قائلة: "ماذا تنتظرون لوقف هذه الهجرة غير الشرعية الخارجة عن السيطرة؟".

ردت عليها رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن وطالبتها بـ "إظهار القليل من اللباقة" بينما اتهم وزير آخر الحزب الجمهوري اليميني في فرنسا "باستخدام نعش فتاة تبلغ من العمر 12 عاماً كمنصة انطلاق سياسية".

ووصف الرئيس إيمانويل ماكرون الجريمة بأنها "شديدة الفظاعة" وقال إنه يشعر بالصدمة إزاء ما يمكن لبعض أفراد المجتمع القيام به. لكن حكومته تواجه أسئلة محرجة حول تعاملها مع الأشخاص الذين لا يملكون تصاريح للبقاء في فرنسا.

قدر وزير الداخلية العام الماضي أن هناك ما بين 600 و 700 ألف شخص يعيشون في فرنسا بشكل غير قانوني. ووجد تقرير لمجلس الشيوخ أن أكثر من 90 في المئة من أوامر الطرد لا يتم الامتثال لها.

اعترف المتحدث باسم الحكومة أوليفييه فيران بذلك وقال: "من الواضح أنه يتعين علينا القيام بعمل أفضل".

كانت لوبين أكثر حرصاً هذه المرة على تقديم نفسها على أنها سياسية معتدلة فيما يتعلق بالمهاجرين. منعت حزبها من الانضمام إلى امسية نظمها أنصار منافسها اليميني المتشدد إريك زمور بهذه المناسبة، واختارت بدلاً من ذلك الوقوف دقيقة صمت خارج مبنى البرلمان.

استغل زمور الذي مني بهزيمة كبيرة في الانتخابات الرئاسية الماضية المأساة لتسليط الأضواء مرة أخرى على أجندته القومية المتشددة وادرج مقتل الطفلة في إطار جريمة "الإبادة الجماعية" للفرنسيين مدعيا أن الطفلة كانت ضحية هذه الجريمة ليس سوى لأنها فرنسية.

قال بريوك دو هالغويه، والد ثلاث بنات شاركن معه في تجمع لأنصار زمور للتنديد بهذه الجريمة: "على الأقل هو يتحدث عن المشكلة". واضاف "من الواضح انه يربط بين الهجرة والعنف وهذا ما تجنبه كل السياسيين أو لنقل معظمهم".

ويقول جيري البالغ من العمر 50 عاماً والذي شارك أيضا في التجمع: "كل شخص كان مسؤولًا خلال العشرين عاماً الماضية يتحمل المسؤولية. إنهم مذنبون لعدم فعل أي شيء، مذنبون لعدم طرد الأشخاص الذين ليس من المفترض أن يكونوا هنا، والأشخاص الذين يصوتون لهؤلاء السياسيين مذنبون ايضاً".

وقال أستاذ العلوم السياسية جان إيف كامو إن الجريمة قدمت "مزيجاً قوياً جداً كان اليمين المتطرف بحاجة ماسة إليه". وهذا المزيج: "المتهمة امرأة من الجزائر، الجريمة وحشية، الضحية فتاة صغيرة. ربما تكون المتهمة مختلة عقلياً كما يعتقد الكثير من الناس لكن لماذا نحن على استعداد للسماح بوجود مثل هؤلاء الأشخاص على الأراضي الفرنسية؟".

ويعتقد أن هناك حساسية تاريخية معينة لدى أحزاب اليمين الفرنسي بسبب كون المتهمة جزائرية.

لقي انسحاب فرنسا من مستعمرتها السابقة في عام 1962 معارضة شديدة من قبل الأحزاب اليمينية المتطرفة بما في ذلك حزب مارين لوبين، الذي كان يتزعمه والدها في ذلك الحين.

وأدى العنف والمرارة اللذان صاحبا نهاية الحكم الاستعماري على الجزائر إلى عدم استقرار العلاقة بين الطرفين.

وقال كامو "لو كانت المتهمة من المغرب أو تونس لكان رد الفعل أقل حدة". "هذان البلدان أكثر استعدادا لقبول رعاياهما عندما يتم ترحيلهم من فرنسا. المشكلة التي نواجهها مع الجزائر هي أنه عندما يصدر قرار ترحيل أحد رعاياها، فإنها فقط تقول للشرطة الفرنسية: " لا نريده " . فماذا يمكنك أن تفعل؟

خفضت باريس العام الماضي عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين الجزائريين بمقدار النصف رداً على تراجع عدد المرحلين من فرنسا إلى الجزائر.

ومنذ ذلك الحين يعمل الرئيس الفرنسي ماكرون على إصلاح العلاقات مع الجزائر، في حين أن الأخيرة التي هي أكبر مصدر للغاز في إفريقيا، باتت صاحبة نفوذ سياسي جديد بسبب بحث الدول الأوروبية عن بدائل للغاز الروسي.

في خضم الجدل السياسي في البلاد يسعى أصدقاء وعائلة الضحية إلى احياء ذكراها. في القرية التي يسكنها والدها الضحية يصف السكان المحليون "جو الحزن" الذي يسود المكان.

قالت لنا إحدى النساء: "أنا أم لفتاة في نفس العمر". "وعندما أرى صورة لولا ومكتوب عليها: لاعبة جمباز صغيرة، طالبة ثانوية، لديها أصدقاء ، مفعمة بالحياة افكر مباشرة في ابنتي الصغيرة التي تشبهها تماماً. لا شك أننا تأثرنا".

لكن بعض الذين جاءوا للتوقيع على كتاب تعزية في قاعة بلدية القرية يوم الجمعة قالوا إن قضية المسؤولية السياسية كانت تدور في أذهانهم.

وقالت الصيدلانية باتريشيا: "علينا أن نحترم رغبات الوالدين في عدم استغلال هذا سياسياً". "لكن يمكنني أيضاً أن أفهم الحاجة إلى العمل. الأوضاع بحاجة إلى التغيير في فرنسا. أنا متسامحة جدا ومنفتحة جدا على العالم ، لكن هناك بعض الأشياء التي لا يمكننا تحملها".

الجواب كما يقول السياسيون اليمينيون في فرنسا يكمن في اتباع نهج أكثر صرامة تجاه المهاجرين غير الشرعيين. حججهم لحماية اقتصاد فرنسا وثقافتها تختصرها الآن صورة مؤطرة لفتاة صغيرة بحاحة إلى الحماية.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان