"موسم طين الربيع".. هل يشكل خط الدفاع التاريخي لروسيا عائقًا أمام غزو أوكرانيا؟
كتب - محمد صفوت:
تشهد دونباس في جنوب شرق أوكرانيا تسارعًا بالأحداث تزامنًا مع إعلان جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين ذاتيًّا عن إجلاء المواطنين إلى روسيا، وسط تواصل انتهاكات وقف إطلاق النار بين أوكرانيا والانفصاليين بموجب اتفاقات مينسك للسلام. بينما تستمر روسيا في حشد قواتها على الحدود الأوكرانية ما يهدد بغزو محتمل لكييف.
في ضوء التصعيد المستمر، دعا قادة في أوروبا إلى ضرورة الحوار والسعي لحل دبلوماسي للأزمة المندلعة منذ نوفمبر الماضي، فيما هدد آخرون بعقوبات قاسية لردع روسيا حال شن هجوم عسكري على أوكرانيا. ورأت الولايات المتحدة أن روسيا حشد القوات اللازمة لشن غزو عسكري شامل لأوكرانيا.
وفي ظل الأحداث المتسارعة تبقى الأسئلة المطروحة منذ بداية الأزمة، هل تشن روسيا غزوًا على أوكرانيا؟، وهل يكفي الحشد العسكري والتفوق الواضح في تسليح الجيشين الروسي والأوكراني؟، أم أن هناك عوامل أخرى قد تؤثر على الهجوم؟.
"جنرال الوحل".. خط دفاعي تاريخي لروسيا
وألقت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، الضوء على عامل مهم ومؤثر على قرار الحرب الشاملة في شرق أوكرانيا، موضحًا أن خط الدفاع التاريخي لحدود روسيا على مر العصور ربما يصبح عائقًا أساسيًّا أمامها لغزو أوكرانيا، في ظل التغير المناخي الذي يشهده كوكب الأرض.
التقرير ألقى الضوء على ظاهرة "الراسبوتيتسا" التي تشير إلى موسم طين الربيع، وتنتشر في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا. توفر ميزة دفاعية في الحروب حتى الحروب الحديثة، وجعلت روسيا حصنًا منيعًا أمام غزو المغول في القرن الثالث عشر، وشكلت عائقًا أمام نابليون إبان الغزو الفرنسي لموسكو في عام 1812، وساعدت موسكو في الإفلات من الاحتلال الألماني في الحرب العالمية الثانية.
الميزة الدفاعية التاريخية التي وفرتها الطبيعة لروسيا عرفت في الحروب باسم "مارشال الطين" أو"جنرال الوحل" وربما تصبح تلك الميزة مع التغيرات المناخية عائقًا رئيسيًّا لروسيا في حربها المحتملة ضد أوكرانيا. ويبقى السؤال الذي لا يفارق الأوكرانيين، والجنرالات الروس: "هل وصل الراسبوتيتسا قبل أوانه؟".
أصبح التغير المناخي واقعًا ملموسًا لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شكك في تأثيره خلال فترة ولايته الأولى وقال وقتها إن تغير المناخ قد لا يكون أمرًا شديد السوء في بلد بارد مثل بلادنا لن يضرنا أن ترتفع درجات الحرارة بدرجتين أو ثلاث درجات مئوية، لكنه أقر مؤخرًا بالضرر الذي سببه التغير المناخي لروسيا.
ويناقش المحللون العسكريون ما إذا كان استمرار الشتاء المعتدل بفعل التغير المناخي، سيؤثر على أي خطط لشن هجوم، إذ شهدت أوكرانيا خلال العام الجاري شتاءً معتدلاً وارتفعت درجة الحرارة بها بنحو 3 درجات عن المعدل الطبيعي، وشهدت هطولاً للأمطار منذ مطلع فبراير وهو الوقت الذي كانت تشهد هطولاً للثلوج.
البيانات التي نشرها برنامج مراقبة الأرض التابع للاتحاد الأوروبي، كشفت أن معظم أوروبا الشرقية شهدت درجات حرارة أعلى بكثير من المتوسط في يناير الماضي، وهي أعلى من متوسط الثلاثين عامًا الماضية، وهو أحد التغيرات العديدة التي أحدثتها أزمة المناخ في هذه المنطقة، مشيرًا إلى أنه في يناير كانت أوروبا الشرقية أكثر رطوبة من المتوسط وكانت التربة في أوكرانيا أكثر رطوبة من المعتاد، وهذا يعني تقليل الصقيع والمزيد من الوحل.
هل يُنقذ التغير المناخي أوكرانيا من الغزو؟
تقول الشبكة الأمريكية، إن مقاطع الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي للمناطق التي حشدت روسيا فيها قواتها تظهر الأرض الموحلة ومناطق غمرتها المياه. وتشير التقديرات الأمريكية، إلى أن روسيا بحاجة إلى انخفاض درجات الحرارة لشن غزوها المحتمل على أوكرانيا.
US: Russia will invade Ukraine at any moment ...
— Boyko Nikolov (@BoykoNikolov) February 14, 2022
US: Every moment ...
US: We are expecting an invasion at any moment ...
US: It could be now, or in an hour ... at any moment
Russia: Call the digger to pull us over because we're stuck in the mud, and the US is waiting us
😂😂😂 pic.twitter.com/Hqg00qUmxk
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن، قال في مؤتمر صحفي يناير الماضي بشأن أزمة أوكرانيا، إن "بوتين سيضطر للانتظار قليلاً حتى تتجمد الأرض ليتمكن من شن هجوم".
في نفس الشهر؛ قال رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، في إحاطة للكونجرس، إنه عندما يتجمد منسوب المياه المرتفع في أوكرانيا فإنه يجعله يوفر الظروف المثلى لمسار عبر البلاد والمركبة ذات العجلات مناورة. وقال مسؤولون أمريكيون إن بوتين سيتفهم أنه بحاجة للتحرك بحلول نهاية مارس.
هل استعدت روسيا لتلك الظاهرة؟
يرى كبير باحثي السياسات في مؤسسة راند، دارا ماسيكوت، إن تجمد الأرض يُعد أمرًا رائعًا لعبور القوات الروسية، لكنه ليس العامل الحاسم أمام قرار الحرب لروسيا، موضحًا أن الضربات الجوية والصواريخ الموجهة لا تتأثر بتلك العوامل.
ويوضح ماسيكوت، أن الدبابات الروسية المتواجدة قرب حدود أوكرانيا لن تعيقها الأرض الموحلة، لكنها ربما ستؤثر على سرعتها، وأن المدرعات تتحرك بنفس سرعة عربات الإمداد اللوجستي التي تزودها بالمؤن والذخائر.
ويشير ماسيكوت، إلى أن روسيا نشرت معدات لوجستية للمساعدة في التغلب الاضطرار للسير في الطرق الوعرة في حال اضطرتها الحرب إلى ذلك.
وفي نهاية يناير وثقت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات لـ"جسور عائمة" ضمن قوافل القوات الروسية التي شحنت على قطارات في طريقها إلى بيلاروسيا قبل التدريب العسكري المشترك بين الجيشين الروسي والبيلاروسي.
وترى مؤسسة معهد دراسة الحرب، أن عبور قوات المشاة سيكون صعبًا في بعض الأماكن، ومستحيلاً في مناطق أخرى. حيث أن شرق أوكرانيا عبارة عن أرض زراعية وريفية وهي مثالية لعبور الدبابات، لكن الحدود بين أوكرانيا وبيلاروسيا تضم آلاف الأميال من المستنقعات. وستعيق أي تقدم للقوات كما حدث في معركة بربروسا أثناء الغزو الألماني في عام 1941.
وتقول "سي إن إن" الإخبارية، إن هذا سيعتمد أكثر على نوع وحجم العملية العسكرية التي تنوي روسيا خوضها خاصة في المراحل الأولى من الصراع، حيث ستكون الهجمات الجوية والصاروخية أكثر أهمية من زيادة عدد الوحدات الآلية. موضحة أن الأحوال الجوية ليست الاعتبار الرئيسي للكرملين وأن التقدم أو عدمه في المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة والناتو هو العامل الحاسم بهدف خلق تبريرات لخوض الحرب وتوفير رسائل للروس المتشككين إذ تشكل حرب المعلومات جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الروسية.
فيديو قد يعجبك: