بديلاً عن أوروبا.. لماذا أصبح المغرب وجهة استقرار لمهاجرين أفارقة؟
(دويتشه فيله)
لم تمر سنوات طويلة على اختيار المغرب نهج سياسة الانفتاح على عمقه الإفريقي، لكن بالرغم من ذلك استطاعت المملكة أن تسلك خطوات نحو جعل البلد وجهة استقرار للعديد من المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
من السنيغال، قدم باباكار كاخاطي بصفة طالب داخل أروقة جامعة مغربية. بعد تحصيل دبلوم أكاديمي، فكر بالعودة إلى بلده، لكن سوق الشغل فتح أمامه باب خيار بديل: الاستقرار بالمغرب.
"توفقت في الحصول على عرض وظيفة جيدة وبمرتب محفز، لذلك اخترت البقاء عوض العودة للسنغال. لم يكن القرار صعباً، فهناك عدة نقاط نشابه بين الحياة هنا وهناك". يقول باباكار الذي ضجر بسرعة من العمل لصالح الغير، ليتحول لمستثمر على رأس مشروع DBS Group الخاص بالنقل الدولي، وجعل مقر شركته العاصمة الاقتصادية، الدار البيضاء.
باباكار ليس استثناء، فعشرات الشباب القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، صاروا يتجهون شمالا مقتنعين بالتوقف في المغرب والاستقرار هناك. خديم مباي، صحفي من أصول سينغالية، اختار السير على النهج نفسه.
بعد حصوله على دبلوم من المعهد العالي للإعلام والاتصال، عاد إلى بلده محملا بالتكوين الأكاديمي وتدريبات مهنية. عرضت عليه مناصب مهمة في قنوات سنغالية ناجحة وذائعة الصيت، بعد ثلاث سنوات، اختار العودة إلى المغرب. يقول "الراتب والتجربة في المغرب كانا أفضل، لذلك اخترت العودة".
يعمل خديم ضمن طاقم صحيفة يومية مغربية منذ أربع سنوات، متخصص في كتابة مقالات باللغة الفرنسية حول مواضيع الاقتصاد والصحة والأعمال، يقول "أعمل ضمن فريق مهني متميز، رؤساء التحرير لا يدخرون جهداً لتشجيعي على الإبداع".
"باعتبار موقعه الجغرافي المتميز إضافة لانفتاحه على مدى قرون، ظل المغرب دائما موقعا للهجرة، سواء كمستضيف أو مصدر للمهاجرين"، يقول مصطفى تاج، باحث في علم الاجتماع السياسي.
وعن انفتاح المغرب على دعم تواجد المهاجرين الأفارقة بالمملكة، فيجد الباحث المغربي أن "له دواعي سياسية وإديولوجية، تدخل ضمن توجه جديد لتواجد المملكة في محيطها القاري وتعزيز عودتها للاتحاد الإفريقي. إذ قرر المغرب أن يصبح قاطرة حاضنة لهؤلاء المهاجرين الأفارقة الذين يتقاسمون معه الانتماء القاري".
محفزات الاستقرار
تختلف أسباب اختيار المغرب كبلد للاستقرار باختلاف الفئة التي ينتمي لها المهاجر. يضطر المهاجرون غير الشرعيين غالباً للبقاء بعد فشل محاولات الهجرة نحو إسبانيا عبر الشواطئ شمال المملكة، أو لعدم توفر المبالغ الباهضة التي تتطلبها الهجرة غير القانونية استعانة بالمهربين. في الجهة المقابلة، يتحدث الطلبة أو اليد العاملة المؤهلة عن محفزات واضحة لاختيار المغرب كبلد استقرار.
"أكثر ما حفزني للبقاء والاستقرار في المغرب، هو التشابه الكبير بينه وبين بلدي السنغال، لم أجد فرقاً كبيراً في نمط العيش، ثقافاتنا تتشابه لحد كبير وديننا أيضا، هذا ما ساعدني على التأقلم وعدم الإحساس بالغربة"، يقول باباكار. ملفتا النظر أن سوق العمل أيضا يفتح آفاقاً للمهاجرين المؤهلين.
ولعل خديم أحد هذه الكفاءات التي وجدت لنفسها مكاناً، وحول ذلك يقول "الدراسة الجامعية في المغرب أقل تعقيداً مقارنة بالسنغال. اندمجت بشكل سلس خلال سنوات الدراسة، طاقم المعهد الإداري والبيداغوجي وزملائي جعلوا مهمة اندماجي أسهل بكثير مما ظننت".
بالنسبة لخديم، كانت المنحة الدراسية التي حصل عليها من المغرب للدراسة بأحد معاهده بالعاصمة الرباط "فرصة لاكتشاف دولة رائعة ذات طبيعة تكاد تكون فريدة في إفريقيا، بالإضافة إلى شعب لديه ثقافات متنوعة". إضافة إلى ذلك شدد المتحدث أن "العامل المهني إضافة إلى التحفيز المادي، كانا سببين أساسيين في اتخاذ قرار البقاء"، مشيراً إلى أن علاقته ببلده لم تنقطع، بل يستثمر هناك حالياً في مجال الزراعة الرقمية.
بيئة حاضنة لليد العاملة والمشاريع
مصطفى تاج، الباحث المغربي في علم الاجتماع السياسي، يرى أن "المغرب يوفر اليوم بيئة حاضنة للمهاجرين الأفارقة. كثيرون منهم تمكنوا من الاندماج بسرعة في مختلف المدن المغربية. منهم من أنهى دراسته واختار الاستقرار هنا كموظف أو افتتح مشروعه الخاص خاصة في المدن الكبرى".
مشكل شخصي صادفه باباكار جعله يحول الأزمة إلى استثمار، يقول "بعث بريد وطرود بين البلدان الإفريقية، مشكل يعترض الطلبة أو أي شخص ينحدر من بلد إفريقي آخر ويقيم في المغرب. بسببه جاءت فكرة انطلاق هذا المشروع". اليوم، توفر شركة باباكار خدمة بعث الطرود البريدية من المغرب نحو بلدان إفريقيا الغربية وأوروبا أيضاً، ومن السنغال نحو 220 بلدا حول العالم، جوياً وبحرياً.
كسب المشروع بعد سنة فقط ثقة 2000 زبون، كما خلق فرص عمل للمغاربة والمهاجرين المتواجدين في المغرب، "إنهما أمران مشجعان للغاية، أن نكسب ثقة الزبائن ونساهم في خلق فرص عمل للجميع"، يقول صاحب المشروع.
وعن المحفزات التي جعلته يفكر في الاستثمار في المغرب، قال باباكار "كانت فرصة لخلق مشروع سيحل مشاكل للكثيرين، ويمنح فرصا للكثيرين. في ظل أزمة كورونا داخل المغرب وفي ظل الإقفال الكلي، تمكنا من الحفاظ على استمرارية وصول وخروج بضائع زبنائنا من وإلى المغرب، بذلك ساعدنا الزبائن على الاستمرار في مشاريعهم وتفادي الخسائر المادية الكبيرة".
وذكر الباحث المغربي، مصطفى تاج أن "الانفتاح الذي عبر عنه المغرب اتجاه إفريقيا وتوجهه نحو توفير بيئة حاضنة وآمنة للاستثمار، إضافة إلى العلاقات التجارية بين المغرب والكثير من البلدان الإفريقية بسبب تاريخ العلاقات القوية الثقافية والدينية، ساهمت في بلورة هذه الخيارات.
المغرب عوض أوروبا!
كان أول رد لباباكار عن سؤال مهاجر نيوز حول اختيار المغرب عوض أوروبا قوله "أوروبا ليست الجنة، وأنا من بين الأشخاص الذين يؤمنون أن المستقبل اليوم صار في إفريقيا، قارتنا". لم يكن حلم باباكار يوما أوروبا أو أمريكا حسب ما يحكيه، كان دائماً مقتنعاً بأن إفريقيا توفر الفرص، وما يثبت ذلك حسبه هو قصص نجاح الكثير من الأفارقة في قارتهم.
أما الصحفي خديم مباي، فاعتبر أن "أوروبا قد تكون مغرية للمهاجرين في المغرب من فئتي ولكني أعترف أنني لست مهتماً جدًا بفكرة الهجرة نحو القارة العجوز. في الوقت الحالي، أركز على مسيرتي المهنية في المغرب".
من جهته، اعتبر الباحث مصطفى تاج أن تقييم مدى إسهام المهاجرين الأفارقة في الاقتصاد المغربي صعب حالياً في غياب أرقام دقيقة، فأغلبهم مازال يعتبر البلد محطة عبور أو بلد لتحصيل العلم فقط. لكنه شدد على أن "المدارس العليا الخاصة والعمومية إضافة للجامعات المغربية، فتحت أمام الطلبة الأفارقة فرصا كبيرة وجيدة جداً، وصار كثيرون يفضلون متابعة الدراسة بالمملكة عوض أوروبا".
هل المجتمع المغربي حاضن للمهاجر الإفريقي؟
يرى باباكار أن المجتمع المغربي منفتح ومتعدد الثقافات. لكنه أقر أن هناك فرقاً بين الجيل الجديد والقديم من المغاربة، فالشباب اليوم متسامحون أكثر مع المهاجرين، لكن "هناك أقلية من المجتمع تتصرف بغرابة أحيانا".
من جهته، رأى خديم أن "معظم المغاربة متسامحون ومرحبون بالمهاجرين، لكن ذلك لا ينفي أن جزء كبيراً منهم لم يعتد بعد على العيش ضمن مجموعات من ثقافات مختلفة". قال "أتعرض أحيانا للعنصرية لذلك أحافظ على مسافة مع المغاربة بشكل عام لتجنب الصدامات".
وبينما يختار العديد من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء المغرب كوجهة للاستقرار، يستمر تدفق الشباب المغاربة عن طريق الهجرة غير القانونية، وهو ما يراه الباحث المغربي مصطفى تاج "أمراً مؤسفا، خاصة عندما يتسبب هذا النوع من الهجرة في وفيات ومعاناة كبيرة داخل الأسر المغربية".
بينما تبقى هجرة المغاربة بالطرق القانونية، أمراً صحياً في نظر المتحدث "إذ أن الكثير منهم يستقر ويبحث عن فرص مهنية أفضل، كما أنهم ينفعون بلدهم عبر عائدات التحويلات المالية".
فيديو قد يعجبك: