روسيا وأوكرانيا: من الشيشان إلى سوريا إلى أوكرانيا.. موسكو ترد على المقاومة بالقوة المدمرة
موسكو- (بي بي سي):
وقت كتابة المقال، لم يكن وسط العاصمة في كييف قد تأثر بالحرب بشكل كبير، وإن كانت صفارات الإنذار والإشعارات تنطلق على فترات متقطعة خلال اليوم.
الكل هنا يعرف أن ذلك من الممكن أن يتغير بسرعة كبيرة، وربما يكون قد تغير بالفعل وقت قراءتكم لهذه السطور.
وقد تعرضت خاركيف، ثاني أكبر المدن الأوكرانية، لأهوال الأسلوب الروسي في الحرب. الشيء ذاته حدث في ماريوبول وغيرها من المدن في شرق البلاد.
ترد روسيا على المقاومة بالمزيد من القوة النارية. وبدلا من إرسال الجنود من منزل لآخر، ومن غرفة لأخرى، العقيدة العسكرية لموسكو ترتكز إلى استخدام الأسلحة الثقيلة والقصف الجوي لتدمير الأعداء.
تعرضت خاركيف وغيرها من المدن والبلدات لأضرار مادية جسيمة، وعلى حد معلوماتنا، الكثير من الخسائر في الأرواح المدنية أيضا. وقد أدى استهداف مقر حكومة خاركيف المحلية بهجوم صاروخي تم تصويره بالفيديو إلى تعرضه لضرر هائل. لربما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبعث برسالة إلى كييف مفادها: انظروا إلى الشرق، لأن ما يجري هناك قد يحدث لكم.
الاستنتاج المحبط الذي توصلت إليه من حروب أخرى كنت شاهدا فيها على التصرفات الروسية، هو أن الأمور قد تسوء بدرجة كبيرة.
"الأرض كانت تهتز"
حتى الآن، لم يعط السيد بوتين الأوامر لقواته بإحداث ضرر مماثل لما فعلته في غروزني خلال تمرد جمهورية الشيشان في التسعينيات، أو في سوريا عندما تدخلت القوات الروسية في الحرب السورية عام 2015.
قمت بتغطية حرب الشيشان الأولى عندما بدأت في فصل الشتاء عامي 1994 و 1995. وكما يحدث في أوكرانيا، ارتكب الجيش الروسي أخطاء فادحة في العمليات البرية. ونصب المتمردون الشيشان كمائن لأرتال المدرعات الروسية في الشوارع الضيقة ودمروها. والكثير من الروس المجندين إلزاميا لم يكونوا يريدون القتال والموت.
قبيل الغزو الأوكراني، ذكر محللون عسكريون أن القوات الروسية الآن أكثر حرفية بكثير مما كانت عليه إبان حرب الشيشان. ربما تكون كذلك، ولكننا نشهد من جديد بطء تقدم الجيش الروسي بسبب العقبات اللوجستية والأخطاء التكتيكية والجنود المراهقين المذعورين الذين لم يخبرهم أحد بأنهم سيخوضون حربا، فضلا عن المقاومة الأوكرانية التي تضاهي في شراستها مقاومة الشيشان للروس عام 1995.
في الشيشان، كان الحل الروسي هو القصف المكثف. في غضون بضعة أسابيع، أدت الغارات المدفعية والجوية إلى تحويل وسط غروزني، والتي كانت مدينة تهيمن عليها المباني المصنوعة من الصلب والخرسانة كباقي المدن السوفيتية، إلى مجرد أنقاض. كنت في ميدان مينوتكا، مركز المقاومة الشيشانية، في نفس اليوم الذي تعرض له لغارات جوية متكررة. كان أغلب المدنيين يحتمون في الأقبية، وكانوا يخاطرون بحياتهم في كل مرة يخرجون فيها للعثور على المياه أو الطعام.
في ميدان مينوتكا في ذلك اليوم، لقي المقاتلون الشيشان حتفهم بالقنابل العنقودية، وأضرمت النيران في المباني. بعد ذلك بأربع وعشرين ساعة، تعرض الطريق الرئيسي بالمدينة بالكامل للقصف الصاروخي، وغطته ألسنة النار والدخان. شعرنا حينذاك بأن الأرض كانت تهتز في مكان التصوير.
هجوم مكثف من الجو
أسوأ الأماكن المدمرة التي رأيتها، باستثناء غروزني، كانت في سوريا. العامل المشترك بينها جميعا هو القوة العسكرية الروسية المدمرة.
قرار السيد بوتين التدخل في سوريا أنقذ نظام بشار الأسد من الانهيار، وكان بمثابة خطوة كبيرة على طريق تحقيق هدفه المتمثل في استعادة روسيا لمكانتها كقوة عالمية. وقد تمكن النظام السوري من تحقيق انتصارين حاسمين على المعارضة المسلحة بفضل القوة العسكرية الروسية العنيفة.
الأول كان في حلب أواخر عام 2016. فقد سقط الجزء الشرقي من المدينة، والذي كان خاضعا لسيطرة عدد مختلف من فصائل المعارضة خلال الحرب، بعد أن سحقته الغارات الجوية والقصف المدفعي. لم يكن نظام الأسد بحاجة إلى من يشجعه على قصف السوريين، لكن الروس جلبوا معهم مستوى أعلى بكثير من القوة المدمرة. وقامت الطائرات المقاتلة الاستراتيجية الموجودة في قواعد سورية وإيرانية بشن غارات مكثفة.
تركزت التكتيكات في سوريا على إحاطة ومحاصرة المناطق التي يسيطر عليها المتمردون، وقصفها من الجو ومن بطاريات
عندما تمكنت من قيادة السيارة في شوارع حلب بعد أسابيع من سقوطها، كان الدمار منتشرا في كل مكان. لم أر منزلا واحدا لم يلحق به الضرر. أحياء بأكملها تحولت إلى حطام. وكانت الأنقاض تبدو وكأنها سلاسل جبلية.
شاهدت التكتيكات ذاتها في الغوطة الشرقية، وهي سلسلة من البلدات والأراضي الزراعية التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة على أطراف العاصمة السورية. كان استسلامها في عام 2018 هو نهاية المعركة الرامية إلى السيطرة على دمشق، والتي كانت تبدو في بادئ الأمر وكأنها ستنتهي لصالح المتمردين. تغير ذلك بعد أن قررت الولايات المتحدة في عام 2013 عدم توجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد عندما استخدم أسلحة كيميائية في دوما، إحدى البلدات في المنطقة. المعركة الطويلة كانت في صالح النظام بعد دخول روسيا على خط الحرب الأهلية السورية عام 2015.
قام المدافعون عن الغوطة الشرقية بحفر أنفاق تحت الأرض لجأوا إليها هروبا من الغارات الجوية والقصف المدفعي. لكن الحصار والقوة النارية الطاغية يؤديان إلى كسب المعارك، ذلك لأن المدافعين يتعرضون للقتل والاستنزاف، ويشعر المدنيون بخوف وبؤس شديدين، لدرجة تجعلهم يرحبون بالهدوء الذي ينتج عن الاستسلام.
في كييف، أحد أهم الأسئلة التي تدور في ذهن الجميع هو ما إذا كانوا سيتعرضون لنفس المعاملة التي لم تواجهها خاركيف وماريوبول وغيرهما من المدن الأوكرانية فحسب، بل الشيشان وسوريا أيضا.
هل ستخلق حرمة الأماكن الأورثوذكسية المقدسة حالة من ضبط النفس كانت غائبة خلال الهجمات في الشيشان وروسيا ذواتي الأغلبية المسلمة؟ بوتين نفسه سبق وأن كتب عن أهمية أوكرانيا في التاريخ الروسي. فهل سيكون مستعدا لتدمير أوكرانيا من أجل أن يستعيدها؟ إذا ما شكلت العقوبات والمقاومة الأوكرانية تهديدا على استقرار نظامه، هل سيدفعه ذلك إلى اتخاذ إجراءات مفرطة؟
سجل الجيش الروسي يظهر أنه يعوض نقاط الضعف في قدرات قواته البرية من خلال اللجوء إلى الأسلحة المدمرة. ويأمل الأوكرانيون ألا يحدث ذلك هنا.
فيديو قد يعجبك: