أسلحة ثقيلة من ألمانيا لأوكرانيا.. هل رضخت برلين لضغوط الحلفاء؟
(دويتشه فيله)
كشفت الحكومة الألمانية عن أسباب عدم تمكنها من إرسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا. فما هي هذه الأسباب وما هي دلالتها؟ وما هي الخطط البديلة؟ يتزامن هذا مع ما أفادت به تقارير من أن ألمانيا قررت إرسال دبابات بشكل مباشر إلى أوكرانيا.
"على خطى الحلفاء"
منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، ظل شعار المستشار أولاف شولتس: السير على خطى حلفاء ألمانيا، إذ أكد على بذل كل جهد بالتنسيق العميق مع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي.
وقد شدد على ذلك خلال مؤتمر صحفي يوم الثلاثاء، قائلا "انظر إلى ما يفعله حلفاؤنا، على سبيل المثال أصدقاؤنا في مجموعة السبع" في إشارة إلى دول مثل كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة التي كانت تزود أوكرانيا بنفس الأسلحة التي كانت ترسلها ألمانيا أيضا.
لكن بعد يومين من مؤتمر شولتس الصحفي، أعلنت الولايات المتحدة عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 800 مليون دولار أي ما يعادل 740 مليون يورو لدعم أوكرانيا، موسعة بذلك نطاق الأنظمة المقدمة لتشمل المدفعية الثقيلة وليصل إجمالي المساعدات إلى أكثر من ثلاثة مليارات دولار منذ بدء التوغل العسكري الروسي في فبراير.
في المقابل، ذكرت وزارة الاقتصاد أن الإنفاق الألماني لدعم أوكرانيا عسكريا بلغ حوالي 186 مليون يورو حتى مطلع أبريل حيث أفادت المعلومات المتوفرة أنه جرى استخدام هذه الأموال بشكل أساسي لشراء قذائف صاروخية وصواريخ مضادة للطائرات ومدافع رشاشة وذخيرة ومعدات واقية، ولم يشمل ذلك شراء أسلحة ثقيلة.
وفي ذلك، قال البروفيسور كارلو ماسالا، خبير الدفاع والأمن في جامعة الجيش الألماني في ميونيخ، إن شولتس يرغب في أن يبعث برسالة إلى الروس مفادها أن ألمانيا لا تزال تمتنع عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة، وهي أيضا رسالة إلى الداخل الألماني وحزبه الاشتراكي الديمقراطي.
وفي مقابلة مع DW، أضاف ماسالا "تناقش مجموعات مختلفة داخل الحزب الاشتراكي الديمقراطي هذه القضية وشولتس في حاجة إليهم داخل البرلمان، لأنه في حاجة إلى جميع الأصوات التي لا تريد إرسال أسلحة ثقيلة لأنهم يعتقدون أن هذا سيؤدي إلى تصعيد الصراع ومن ثم ستكون ألمانيا هدفا لأنشطة روسية".
ورغم أن هذا القلق الألماني له ما يبرره، إلا أنه من الصعب تقبله في ظل هذا الكم الكبير من الأخبار التي تفيد بأن العديد من الدول الغربية بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا، قامت أو تعتزم القيام بتزويد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة، وفقا لما ذكرته نائبة في البرلمان الأوكراني.
ويدخل في إطار ذلك ما أعلنته التشيك من أنها أعطت الضوء الأخضر لإرسال عشرات الدبابات من طراز "تي-72" سوفيتية الصنع وعربات مشاة قتالية متطورة من من طراز "بي. إم. بي. - 1" فيما أعلنت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي أنها سترسل 11 طائرة هليكوبتر روسية الصنع من طراز "مي-17" و 200 ناقلة جند مدرعة من طراز "أم -133" و 90 مدفع هاوتزر من عيار 155 ملم و40 ألف قذيفة مدفعية.
وتعد كل هذه المعدات العسكرية أسلحة ثقيلة بحسب معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا التي تدرج الدبابات والعربات المدرعة وجميع أنواع المدفعية من عيار 100 ملم وما فوق والمروحيات القتالية ضمن تصنيف "الأسلحة الثقيلة".
دبابات ألمانية لأوكرانيا!
يتزامن هذا مع ما أفادت به وكالة الأنباء الألمانية "د. ب. أ" من أن ألمانيا سترسل بشكل مباشر إلى أوكرانيا دبابات مضادة للطائرات فيما يراه مراقبون تغيرا في سياسية الحكومة الألمانية الخاصة بدعم كييف عسكريا. وبموجب الخطة، فإن شركة "كراوس-مافاي فيغمان" الألمانية لصناعة الأسلحة حصلت على الضوء الأخضر لبيع دبابات "غيبارد" المضادة للطائرات، والتي تم تجديدها تقنيا، حيث الجيش الألماني يستخدمها سابقا. وبحسب المعلومات، تم اتخاذ قرار مبدئي لتوريد هذه الدبابات لأوكرانيا.
يشار إلى أن شركة "كراوس-مافاي فيغمان" تمتلك عشرات من هذه الدبابات التي يمكن استخدامها في معارك ضد أهداف أرضية، ويعتبر استهداف طائرة عبر هذه الدبابات صعبا من الناحية التقنية.
وبدأت الحكومة الألمانية "نقطة تحول" في تمويل الجيش الألماني وتعتزم إنشاء صندوق خاص له بقيمة 100 مليار يورو. وفي تبادل دائري مع شركاء من شرق أوروبا من المنتظر توفير أنظمة أسلحة لأوكرانيا تُستخدم حاليا هناك. وتعتزم ألمانيا أيضا دعم هولندا والولايات المتحدة في تدريب الجنود الأوكرانيين على أنظمة المدفعية. وهناك خطط لتعاون أوثق بعد إعلان هولندا عزمها توريد مدافع هاوتزر ذاتية الدفع لأوكرانيا.
الجيش الألماني وصل إلى أقصى حدوده
وقالت ألمانيا إنها غير قادرة على إرسال المزيد من المساعدات العسكرية لأوكرانيا لأنها في هذه الحالة لن يكون بمقدورها الوفاء بالتزاماتها الوطنية والتزاماتها تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وقد أشار المستشار الألماني إلى ذلك الثلاثاء الماضي عندما قال: "يتعين علينا الآن إدراك أننا قد تجاوزنا كافة الخيارات".
وقد أكد الجيش الألماني على أنه بات في حاجة إلى ضمان أن أسلحته الثقيلة تفي بالتزامات الدفاع الوطنية والتزامات الدفاع الخاصة بحلف الناتو، وهو الأمر الذي ينطبق على سبيل المثال على مركبات المشاة القتالية من طراز "ماردر" أو مدافع "هاوتزر" ذاتية الدفع.
وفي هذا الإطار، قال ماركوس لاوبنتال، نائب المفتش العام للقوات المسلحة الألمانية، في تصريحات للقناة الألمانية الثانية "ZDF" إنه من أجل "ضمان استمرار أداء جيشنا لمهامه، نحن بحاجة إلى منظومات التسليح", مضيفا أن المركبات من طراز "ماردر" تعد ضرورية للوفاء بالالتزامات الدفاعية الوطنية وأيضا الالتزامات تجاه حلف الناتو.
وأكد المسؤول العسكري الألماني أن نقل هذه المركبات وغيرها من أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا ليس مسألة سهلة، وقال "إن الأمر قد يستغرق أسابيع".
وجاءت تصريحات لاوبنتال ردا على تصريحات صدرت عن سفير أوكرانيا في ألمانيا، أندريه ميلنيك، الذي يعد أشد المنتقدين لنهج ألمانيا في دعم بلاده.
وفي أخر انتقاداته، قال ميلنيك "إن الادعاء بأن الجيش الألماني لن يكون قادرا على تسليم أي شيء إلى أوكرانيا غير مفهوم".
بدوره، قال الخبير العسكري كارلو ماسالا إن الحكومة تستخدم هذا العذر كذريعة، مضيفا "إذا كان الدفاع عن أراضي الناتو يعتمد على 20 دبابة ألمانية، ففي هذه الحالة لا ينبغي لنا محاولة الدفاع عن أراضي الناتو لأن هذا سيكون كارثيا".
الجيش الأوكراني بحاجة للتدريب
وتقول الحكومة الألمانية إن الجيش الأوكراني لا يمكنه التعامل إلا مع الأسلحة التي اعتاد على استخدامها بما يشمل ذلك القدرة على إجراء إصلاحات مع توافر قطع الغيار.
ويرى ماسالا أن هذا الأمر يعد مصدرا للقلق، مضيفا "ماذا سيحدث إذا تعرضت مركبات ماردر لأعطال أو مشاكل فنية؟ لا توجد قطع غيار ولا يوجد فنيون لإصلاح أي أعطال، لذا فنحن في حاجة إلى التأكد من وجود خط لوجستي يمتد لأوكرانيا لتزويدها بقطع الغيار وأيضا تدريب الفنيين."
وتثير هذه المعضلة تساؤلا مفاده: هل سيكون مجديا تسليم دبابات إلى الجانب الأوكراني وبعد ذلك تكون هناك حالة قلق حيال القضايا اللوجستية؟
وفي ذلك، يقول الخبير العسكري ماسالا إنه يتعين تدريب القوات الأوكرانية على استخدام هذه الدبابات قبل إرسالها إلى أوكرانيا، مضيفا "إذا استطاعوا استخدام الدبابات من طراز ماردر لمدة ثلاثة أسابيع، فهذا سيكون أفضل من لا شيء على الإطلاق. وإذا تعطلت هذه الدبابات يمكن العمل لوجستيا لتوريد قطع الغيار."
وقال "لكن يبدو أن هذه ذريعة أخرى لعدم إرسال هذه المعدات لأوكرانيا، لأن ثمة قرار سياسي بعدم إرسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا."
بدوره، يرفض هانز لوثار دومروس، الجنرال السابق في حلف الناتو والجيش الألماني، الزعم القائل بأن التدريب المكثف سيكون ضروريا من أجل تشغيل الدبابات من طراز "ماردر" القتالية.
وفي تصريحات لإذاعة "WDR" الألمانية، قال دومروس "إننا نتحدث عن عسكريين أوكرانيين مخضرمين يقاتلون منذ عام 2014، لذا فهم لا يحتاجون إلى تعليمهم كيفية استخدام (دبابات ماردر)، لأنه يمكنهم استخدام وتشغيل هذه الدبابات في أقل من أسبوع نظرا لانهم يستخدمون الدبابات من طراز (بي.أم. بي 1) سوفيتية الصنع."
"المزيد من الدعم المالي"
وفي سياق الدعم الألماني لأوكرانيا، قال المستشار أولاف شولتس إن حكومته ستفرج عن أكثر من مليار يورو لتمكين أوكرانيا من تمويل مشترياتها من المعدات العسكريةمن ألمانيا بما يشمل ذلك الأسلحة المضادة للدبابات وأنظمة الدفاع الجوي والذخيرة. غير أن شولتس لم يذكر الدبابات والطائرات التي ترغب أوكرانيا في الحصول عليها.
وكانت صحيفة "بيلد" الألمانية الشعبية قد ذكرت أن شركات الدفاع الألمانية عرضت في البداية توريد أسلحة ثقيلة مثل دبابات "ماردر" ومركبات "بوكسر" الألمانية الخاصة بنقل الجنود، وأضافت أن هذه النوعية من المعدات والأسلحة جرى شطبها من القائمة.
وفي ذلك، يقول ماسالا إن القائمة تضم "بعض الأسلحة الثقيلة، لكن بالتأكيد لا تشمل دبابات. إذ يبدو أن الدبابات بمثابة خط أحمر للحكومة الألمانية في الوقت الحالي." ويضيف "يعتمد مدى التزامنا بعدم تجاوز هذا الخط الأحمر على مجريات الحرب في الأسابيع أو الأشهر المقبلة".
ويبدو أن الانتقادات التي وجهت للحكومة الألمانية حيال تباطؤ تزويد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة قد أثارت رد فعل من الخارجية الألمانية حيث أشارت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك إلى احتمال تزويد أوكرانيا بدبابات من طراز "ماردر". وقالت خلال مؤتمر صحفي خلال زيارتها إلى استونيا "لا توجد محظورات علينا عندما يتعلق الأمر بالعربات المدرعة والأسلحة الأخرى التي تحتاجها أوكرانيا".
وفي ظل هذه المعطيات، يبدو أن أمام ألمانيا حلول بديلة أحدها يتمثل في إعادة تزويد الدول الحليفة بمعدات ألمانية حديثة.
وفي سياق متصل، قال الكولونيل السابق في الجيش الألماني فولفغانغ ريشتر إنه في ظل تقارير صحفية تشير إلى أن قرب نفاذ المخزون الألماني، يمكن لدول أوروبا الشرقية التي لا تزال تمتلك أسلحة تعود إلى الحقبة السوفيتية العمل على "إتاحة هذه الأسلحة (لأوكرانيا) كما حدث بالفعل في الماضي".
ويبدو أن مقترحات التبادل العسكري في هذا السياق اكتسبت زخما في ألمانيا حيث أكدت وزيرة الدفاع كريستين لامبريشت الخميس الماضي الاقتراب من تحقيق تبادل بين الناتو والاتحاد الأوروبي.
وفي مقابلة مع محطة "آر تي إل / إن تي" الألمانية، قالت "نتحدث عن دبابات ومركبات مشاة قتالية، وعندما يتعلق بالخيارات المختلفة فإنه يمكن للدول أن تسلمها بشكل فردي ونجري محادثات في هذا الصدد بوتيرة سريعة في الوقت الحالي".
كذلك، يمكن للحكومة الألمانية العمل على انجاز تبادل مع سلوفينيا، أحد أعضاء حلف الناتو. وبموجب هذا المقترح، سوف ترسل سلوفينيا دبابات قتالية من طراز "تي-72" إلى أوكرانيا ثم تقوم ألمانيا بتعويض سلوفينيا عبر تزويدها بدبابات من طراز "ماردر" من عتاد الجيش الألماني.
وفي سياق متصل، يشير ماسالا إلى وجود حل آخر وصفه بـ "المبدع" سوف تُقدم عليه هولندا. وهو أنها "سترسل مدافع هاوتزر ذاتية الدفع وهي ألمانية الصنع فيما سنوفر للقوات الأوكرانية الذخيرة والتدريب ربما على الأراضي الألمانية".
ورغم أن مثل هذه الحلول قد تخفف من الضغوط والانتقادات ضد الحكومة الألمانية، إلا أن ماسالا يؤكد أن هذا الأمر "لن يدوم طويلا". ويقول "سوف تنفذ الأسلحة السوفيتية القديمة التي بحوزة شركائنا في أوروبا الشرقية فضلا عن أن الدبابات السوفيتية التي أرسلتها بولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا إلى أوكرانيا سيتم تدميرها في الحرب. وعند مرحلة معينة سوف تنفذ الأسلحة لدى الجانب الأوكراني وهذا سيعيدنا إلى طرح نفس التساؤل ومفاده: هل يجب تدريب القوات الأوكرانية وتزويدها بأنظمة تسليح غربية متطورة".
فيديو قد يعجبك: