إعلان

الجفاف يساعد في الكشف عن مدينة زاخيكو العراقية القديمة

08:44 م الثلاثاء 14 يونيو 2022

الجفاف يساعد في الكشف عن مدينة زاخيكو العراقية الق

(دويتشه فيله)

اجتاح موسم جفاف شديد مدن جنوب العراق خلال الأشهر الأخيرة فيما قامت السلطات العراقية منذ ديسمبر /كانون الأول بضخ كميات أكبر من المياه من سد الموصل الذي يعد شريان حياة الملايين في العراق وأحد أكبر خزانات المياه في بلاد الرافدين.

ويرمي هذا الإجراء إلى منع هلاك المحاصيل جراء الجفاف.

ورغم أن موسم الجفاف كان بمثابة نذير شؤم للعراقيين، إلا أنه الأمر حمل في طياته بصيصا من الأمل في الكشف عن كنوز العراق التاريخية حيث ساعد انخفاض منسوب المياه في ظهور بقايا مدينة عمرها 3400 عام على حافة السد بعد أن غمرتها المياه لعقود.

وفي ذلك، قالت إيفانا بولجيز، عالمة الآثار الألمانية والأستاذة في جامعة فرايبورغ، إن الصور التي التقطتها الأقمار الصناعية أظهرت انخفاض منسوب المياه، مضيفة "لم يكن من الواضح متى سيرتفع منسوب المياه مرة أخرى، لذا فكان أمامنا نافذة زمنية غير محددة بشكل دقيق".

وأكد علماء الأثار في حينه على أهمية الكشف الأثري قرب قرية كمونا في محافظة دهوك وهو الموقع الذي كان محل اهتمام في السابق.

وعلى وقع ظهور ملامح مدينة زاخيكو التي كانت مغمورة بالمياه منذ عقود، بدأت مهمة بولجيز وحسن أحمد قاسم، رئيس هيئة آثار إقليم كردستان، وبيتر بفالزنر، عالم الآثار الألماني في جامعة توبينغن، بالشروع في أعمال التنقيب والإنقاذ ثم شكلوا فريقا من علماء الآثار الألمان والأكراد للتنقيب وتوثيق أكبر قدر ممكن من هذه المدينة قبل أن تغمرها المياه مرة أخرى.

وقام الفريق برسم خريطة للمدينة التي تعود إلى العصر البرونزي خلال فترة لم تتجاوز سبعة أسابيع بين يناير وفبراير الماضي قبل أن تغمرها المياه بالكامل مرة أخرى.

المزيد من الاكتشافات الأثرية

يشار إلى أنه خلال موسم جفاف مماثل عام 2018، عثر باحثون وأثريون على قصر يشبه القلعة قرب تل صغير يبلغ من العمر 3400 عاما ويعود إلى فترة الإمبراطورية "الميتانية".

وفي مقابلة مع DW عقب تفقدها الموقع الأثري، قالت بولجيز إنه رغم الفيضانات إلا أنه جرى الحفاظ على الألوان مما يضفي أهمية خاصة على الكشف الجديد. وأضافت "بالطبع كان يحدونا آمالا كبيرة وذلك استنادا على كشف عام 2018، فقد أدركنا أن هذا الموقع يمكن أن يحمل في طياته نتائج مثيرة للاهتمام. لكننا لم نكن نعرف بالضبط ما الذي سوف نكتشفه."

وشددت عالمة الأثار الألمانية على أن فريق العمل لم يشعر بخيبة أمل خاصة وأنهم خلال أعمال التنقيب عثروا على مبانٍ كبيرة أخرى تضم تحصينات ضخمة بجدران وأبراج ومبنى تخزين ضخم متعدد الطوابق.

وأكدت بولجيز على أهمية مبنى التخزين الضخم "لأنه كان لابد من تخزين كميات هائلة من البضائع فيه، وربما تم إحضارها من جميع أنحاء المنطقة". وأضافت أن النتائج الأولية التي توصل إليها فريق العمل تشير إلى أن المجمع يعود إلى الإمبراطورية "الميتانية" التي حكمت المنطقة الواقعة شمال نهري دجلة والفرات بين عامي 1550-1350 قبل الميلاد حيث كانت مدينة زاخيكو مركزا هاما خلال حقبة "الميتانيين".

وقالت بولجيز إنه بسبب عدم معرفة الكثير عن هذه المدينة، فإن الكشف الجديد سيفتح الباب أمام فك طلاسم هذه الإمبراطورية حيث أنه جرى الإشارة إلى المدينة في مصادر أخرى، لكن على نحو قليل جدا.

أواني خزفية و ألواح مسمارية

وأضافت بولجيز أن حالة الجدران وأساسات المبنى كانت جيدة وهو الأمر الذي أذهل فريق العمل على الرغم من كونها مصنوعة من الطوب اللبن غير المحروق الذي غمرته المياه لعقود.

ويرجح علماء الآثار أن الزلزال العنيف الذي ضرب المدينة عام 1350 قبل الميلاد قد ساعد في الحفاظ على جدران المبنى عندما تعرض للتدمير، حيث يُعتقد أن الأنقاض التي سقطت ربما غطت الأجزاء السفلية من الجدران ما ساعد في الحفاظ عليها.

وقالت بولجيز إنه جرى اكتشاف خمسة أواني خزفية تحتوي على أكثر من مئة لوح مسماري ما يعد بمثابة إرشيف لهذه الحقبة الهامة، مضيفة أن هذا الاكتشاف يعد واحد من أهم الاكتشافات.

الجدير بالذكر أن الكتابة المسمارية تعد من أقدم أشكال الكتابة التي عرفتها البشرية فيما تم العثور بعض الألواح في "مظاريف طينية."

وفي ذلك، قالت بولجيز إن هذه الألواح الطينية لم يُجرى حرقها لذا فهي في أشكال صلصال صلبة وقد غمرتها المياه لفترة طويلة، لكنها استطاعت النجاة، مضيفة أن فريق العمل يأمل في أن يتمكن "عالم لغوي في قراءة هذه الألواح ما يعد أمرا مثيرا للاهتمام".

أسرار الإمبراطورية الميتانية

ويعتقد خبراء الآثار أن هذه الألواح صُنعت في الفترة الآشورية الوسطى بعد وقت قصير من تعرض المدينة لزلزال مدمر عندما بدأ الناس في الاستقرار على أنقاض المدينة القديمة مرة أخرى.

ويأمل العلماء في أن توفر هذه النصوص المسمارية معلومات حيال نهاية حقبة العصر الميتاني وبداية الحكم الآشوري في هذه المنطقة في ظل الغموض الذي يكتنف الحقبة الميتانية التي كانت فترة ازدهارها في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد حيث امتدت هذه المملكة على طول ساحل البحر المتوسط عبر سوريا إلى شمال العراق.

تواصل مع الفراعنة

يقول خبراء الآثار أن حكام "الإمبراطورية الميتانية "حافظوا على تواصل مع ملوك الفراعنة والحكام البابليين قبل أن تتعرض لغزو من قبل الحثيين والآشوريين عام 1350 قبل الميلاد.

ولا يزال الغموض يكتنف الأحداث التي أدت إلى سقوط المدينة فيما يحتاج الباحثون إلى التحقيق في مدينة زاخيكو التي كانت مركزا للإمبراطورية الميتانية والتي ربما كانت موجودة شمال سوريا في الوقت الحالي فيما ترى عالمة الآثار بولجيز أن هذا الأمر قد يكشف الكثير من أسرار هذه الإمبراطورية.

بيد أن الحروب والمعارك التي شهدتها هذه المنطقة في السنوات الأخيرة تمثل عائقا كبيرا أمام إجراء المزيد من أعمال الحفريات الأثرية، وفقا لما ذكرته عالمة الأثار.

وأضافت "من دون العثور على نصوص بارزة من هذه المدينة، فإنه من الصعب للغاية معرفة أسرارها وكيف حافظت على شكلها وهل انضوى الأمر على أي تدخل بشري. لكننا حتى الآن نعتمد على مصادر إضاءة من المناطق المحيطة، لكن الظلام لا يزال يسود المنطقة".

وقبل أن تغمر المياه هذه المدينة القديمة مرة أخرى، قام علماء الآثار بتغطية المباني المحفورة بأغطية بلاستيكية محكمة وبالحصى لحمايتها إذ أنه ربما يصادفها الحظ مرة أخرى للظهور ما قد يكشف المزيد من أسرار "الإمبراطورية الميتانية".

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك: