كيف تتمكن روسيا من بيع نفطها رغم العقوبات المفروضة عليها؟
موسكو - (بي بي سي)
منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، عمدت الدول الغربية إلى استخدام العقوبات، بما فيها تلك التي تستهدف قطاع الطاقة الروسي، كوسيلة أساسية للضغط على موسكو لإنهاء الحرب وحرمانها من مصادر تمويلها الأساسية.
لكن تقريرا صدر حديثا عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، ومقره فنلندا، قال إن روسيا تواصل الحصول على مبالغ ضخمة من خلال بيع النفط والغاز، على الرغم من العقوبات المفروضة عليها.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في مارس/آذار الماضي فرض حظر كامل على واردات النفط والغاز الروسي، في حين قال الاتحاد الأوروبي إنه يهدف لوقف الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية بشكل كامل بحلول عام 2030.
وشملت الحزمة الأحدث من العقوبات الأوروبية على موسكو حظر واردات النفط الروسي المصدر إلى أوروبا بحرا، وهو ما يستثني النفط المنقول لأوروبا عبر الأنابيب نظرا لاعتماد دول كالمجر وسلوفيكيا والتشيك عليه.
كما كانت كل من بولندا وألمانيا قد تعهدتا بوقف استيراد النفط الروسي الواصل إليهما عبر خطوط الأنابيب بحلول نهاية هذا العام، وهي الخطوة التي من شأنها وقف 90 بالمئة من واردات النفط الروسي إلى الاتحاد الأوروبي قبل الحرب.
فأين تذهب روسيا بصادراتها النفطية؟ وهل ما زال بعضها يجد طريقه إلى أوروبا رغم الحظر؟
أسواق بديلة
تعد روسيا ثالث أكبر منتج للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة والسعودية.
وقبل الحرب في أوكرانيا كان أكثر من نصف الصادرات الروسية من النفط يذهب إلى أوروبا، التي كانت تعتمد على روسيا في تغطية 27 % من احتياجاتها النفطية، و40 في المئة من احتياجاتها من الغاز.
لكن العقوبات ستؤدي إلى إخراج 3.5 مليون برميل كانت تصدرها روسيا يوميا لأوروبا من سوق النفط..
ويرى كبير الباحثين في برنامج أمن الطاقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، بين كاهيل أن الصين والهند ستشكلان أكبر الأسواق البديلة للنفط الروسي.
ويقول لبي بي سي "قبل العقوبات كانت الهند تستورد قليلا من النفط من روسيا لكن خلال الشهرين الماضيين استوردت كميات أكبر من النفط الخام وصلت إلى 600 ألف برميل في اليوم."
ويضيف الباحث في مجال الطاقة: "بالرغم من أننا لم نرى حتى الآن زيادة كبيرة في حجم استيراد النفط الروسي من الصين، فإن المصافي الصينية التابعة للحكومة والقطاع الخاص بدأت في التحرك في هذا الاتجاه، خاصة أن النفط الروسي يباع بأقل من السعر العالمي وهو أمر لا يمكن لأي مشتر أن يقاوم إغراءه".
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد وقع خلال زيارة إلى بكين في فبراير/شباط الماضي اتفاقات لزيادة صادرات النفط والغاز الروسي للصين خلال السنوات العشر المقبلة، لتصل قيمتها إلى 80 مليار دولار.
وبشكل عام تشكل الأسواق الآسيوية وجهة مثالية للنفط الروسي. فقبل الحرب كانت أسواق آسيا تحصل بالفعل على 35 في المئة من النفط الروسي وهي النسبة المرشحة للزيادة، خاصة في ضوء وجود تقديرات تشير إلى أن تدفقات النفط الروسي عبر البحار إلى آسيا ارتفعت بنسبة 50 في المئة منذ بداية العام الجاري.
و يواجه التصدير لآسيا صعوبات لوجيستية إذ يحتاج لمد خطوط أنابيب غير متوافرة حاليا و تحتاج روسيا سنوات لاستكمالها كما أنها عملية مكلفة للغاية.
لكن الدكتور ليونيد سوكيانين، الأستاذ في كلية الاقتصاد العليا في موسكو يشير إلى تمتع الأسواق الآسيوية بأمرين يصبان في صالح روسيا: الأول هو الطلب المتزايد على النفط، خاصة في الصين الصناعية والتى تحتاج الكثير من الخام الرخيص الثمن، والثاني هو أنها لا تحتاج لنظام سويفت للتحويلات المالية الدولية لتدفع لروسيا مقابل النفط المستورد منها.
أسواق جديدة .. أسعار أقل
إلى جانب فتح أسواق جديدة، تتبع روسيا خطة تعتمد على خفض سعر الخام المباع وبالتالى اجتذاب مشترين جدد.
ويقول الدكتور ليونيد سوكيانين إن بيع موسكو للخام بسعر مخفض لا يعنى بالضرورة خسارتها، إذ يشير إلى أنه "بالرغم من أن موسكو تبيع الخام بأقل من سعره المتداول بنحو 30 دولارا للبرميل، إلا أنها في النهاية تحقق أرباحا نتيجة لارتفاع السعر العالمي للنفط ليصل إلى أكثر من 120 دولارا خلال الشهور القليلة الماضية وهو ما يعنى أن هامش الربح أكبر من التخفيض الذي فرضته روسيا على منتجاتها".
وقد سجل خام برنت، وهو المعيار العالمي لأسعار النفط، ارتفاعات كبيرة في أسعاره ليتجاوز حاجز 100 دولار للبرميل بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. وصعدت أسعار النفط مرة أخرى بعد أنباء الحظر الأوروبي على قطاع الطاقة الروسي.
ومن المتوقع أن تواصل الأسعار ارتفاعها تحت تأثير خفض الاتحاد الأوروبي مشترياته من النفط الروسي بحلول نهاية عام 2022. وذلك لأن الدول الأوروبية ستكون بحاجة إلى إيجاد مصادر بديلة للإمدادات الروسية، خاصة مع صعوبة اللجوء إلى المصادر الأخرى للطاقة خلال فترة قصيرة، ما يعني أن المشترين الأوروبيين سيبدؤون في المنافسة على النفط والغاز الذي تقدمه دول أخرى.
وعلى الرغم من أن بيع النفط في أسواق بديلة بأسعار مخفضة مكن روسيا من إيجاد بدائل مربحة لتسويق منتجاتها، إلا أن هناك مخاوف من أن تطال العقوبات الغربية المفروضة على قطاع النفط الروسي المستوردين الجدد في أسيا وأفريقيا.
ويقول بين كاهيل، الباحث في أمن الطاقة إن توجيه العقوبات للمستوردين الجدد سيشكل خطورة كبيرة على موسكو وعلى وضعها الاقتصادي: "التضييق الكامل وفرض عقوبات على المستوردين الجدد للنفط الروسي سيكون أمرا بالغ الأهمية ولا يمكن تصور نتائجه الآن، فصناع القرار الأوريبيون يعرفون أن روسيا ستحاول بيع النفط والغاز في أسواق بديلة و سيحاولون الوقوف في وجه هذا التحرك لزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا."
البيع في عرض البحر
تحذو موسكو حذو إيران وفنزويلا بعد فرض عقوبات أمريكية عليهما، حيث تبيع النفط بين الناقلات في المياة الدولية. إذ يتم بيع النفط بين السفن التى تغير وجهتها في المياه الإقليمية وبالتالى يصبح من الصعب تتبع وجهتها النهائية.
وتعتمد هذه التجارة على وسطاء يعملون خارج النظام المالى العالمي. ومن الممكن أن تلعب الشركات الصينية والهندية دورا محوريا في هذا النوع من الوساطة لبيع النفط الروسي لطرف ثالث. وضمنت هذه العملية استمرار بيع النفط الفنزويلي والإيراني رغم العقوبات المفروضة على البلدين.
لكن عملية البيع في عرض البحر هي عملية مكلفة وتنطوي على مخاطر تسرب الخام. ويبدو أن روسيا كانت تتجهز لاتباع هذه الطريقة فاستبقت العقوبات بخطوات منها تحويل نقل شحناتها النفطية من سفينة إلى أخرى من الساحل الدانماركي عند مدخل بحر البلطيق، إلى البحر المتوسط لتجنب عقوبات واعتراضات الاتحاد الأوروبي.
ويشير بين كاهيل إلى أن الدول الغربية تفكر في فرض حظر على بيع النفط في عرض البحر، وهو الأمر الذي "يصب في إطار التضييق على روسيا ووضع مزيد من القيود عليها".
التفاف ناجح
حذر التقرير الصادر عن مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف في فنلندا. من ثغرات محتملة في استراتيجية الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتقييد واردات النفط الروسي.
وفي هذا الإطار، أشار التقرير إلى أنه منذ دخول الحظر على واردات الطاقة من روسيا حيز التنفيذ، تم تحويل الكثير من النفط الخام الروسي إلى الهند. وبمجرد تكرير النفط في الهند، سيتم بيع الكثير منه لعملاء في أوروبا والولايات المتحدة.
ويؤكد كاهيل أن أوروبا لم تخرج نهائيا من سوق المنافسة على النفط و الغاز الروسي، إذ يشير إلى أن "الخام الروسي سينتهي به الأمر أيضا في أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ليس بشكل مباشر ولكن ممزوجا، فحتى الآن، و رغم العقوبات لا يزال يتجه إلى بعض الأسواق الأوروبية عبر الهند".
فيديو قد يعجبك: