كيف ينظر العالم العربي إلى الحرب في أوكرانيا؟
عواصم عربية- (بي بي سي):
مظاهرة في مدينة إدلب السورية حيث لا يزال جزء من البلدة تحت سيطرة المتمردين الذين يقاتلون نظام الأسد
اتسم رد فعل العالم العربي على الحرب في أوكرانيا بالكثير من الصمت مع القليل من الحماس للعقوبات أو التحركات لقطع العلاقات الدبلوماسية.
وعلى الرغم من الحرب في سوريا، أو ربما بسببها، ثمة إيمان مستمر برؤية فلاديمير بوتين لعالم متعدد الأقطاب. وقد تعززت فقط وجهة النظر القائلة بأن روسيا تحارب الغرب نيابة عن كل أولئك الذين لا يحبون الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي يخسر فيه الغرب بوضوح حرب المعلومات في العديد من البلدان الناطقة بالعربية، تختار العديد من الدول، وهي نفسها ليست غريبة عن الصراع، البقاء على الحياد في الحرب التي يخوضها الكرملين الآن في أوروبا.
وبينما كانت هناك بعض الإدانات الفاترة، التزم البعض بالصمت إذ يبدو أن لا أحد يريد إثارة غضب الولايات المتحدة أو الصدام مع روسيا.
وتقول ميريسا كورما، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون بواشنطن: "إن الولايات المتحدة تنسحب ببطء من المنطقة".
وتضيف قائلة:"كان على العديد من البلدان في المنطقة أن تضع بيضها في سلال مختلفة، وهذا يشمل سلة روسيا".
إنه نهج أصبح يمثل القاعدة بالنسبة لدول العالم العربي.
وسوريا هي الحليف الأقرب لروسيا في كل القضايا. فقد كانت سوريا هي الدولة الأولى، وحتى الآن الدولة الوحيدة، في المنطقة التي تحذو حذو روسيا وتعترف بجمهوريتي دونيتسك الشعبية ولوهانسك الشعبية.
كما صوتت سوريا في مارس / آذار الماضي ضد قرار للأمم المتحدة يدين العدوان الروسي على أوكرانيا، فيما امتنعت الجزائر والعراق وإيران، وفي البداية الإمارات العربية المتحدة، عن التصويت، وقد فضل آخرون مثل المغرب عدم المشاركة في عملية التصويت على الإطلاق.
وتقول كيلي بيتيلو، منسقة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "بينما تتمتع غالبية الحكومات في المنطقة بعلاقات أقوى بكثير مع الولايات المتحدة فقد أصبحت روسيا شريكا تجاريا وعسكريا مهما بشكل متزايد".
و تقول ميريسا كورما إن معظم دول الشرق الأوسط اختارت نهج الانتظار والترقب بعد غزو روسيا لأوكرانيا حيث صوت العديد منها في النهاية لصالح قرار للأمم المتحدة يدين تصرفات روسيا في أوكرانيا، لكنها لم تتجاوز هذه اللفتة الرمزية.
وقال وزير الطاقة القطري سعد الكعبي لشبكة سي إن إن خلال مؤتمر دولي في الدوحة: "من منظور الأعمال، نحن لا نختار أي جانب نحن نمارس العمل التجاري، ونقوم بأعمالنا".
لطالما أعلنت الولايات المتحدة أنها تريد تقليص نفوذها في المنطقة، وبدأت في الانسحاب التدريجي قبل بضع سنوات، وروسيا تريد أن تملأ هذا الفراغ
وفي السنوات الأخيرة، حاول حتى حلفاء أمريكا التقليديون في الشرق الأوسط تنويع علاقاتهم من خلال بناء علاقات مع دول أخرى بما في ذلك روسيا.
ومع تضاؤل نفوذ الولايات المتحدة، من الواضح أن هذه البلدان تريد تحقيق أقصى استفادة من رأس المال الذي كدسته في أماكن أخرى.
ويقول كيريل سيميونوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسي (منظمة غير ربحية تأسست بموجب مرسوم رئاسي من الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف في عام 2011)، إن تصور أن أوكرانيا جزء من صراع أوسع أمر مهم أيضا.
وقال لبي بي سي: "بالنسبة للعديد من الدول العربية فإن روسيا في الواقع في حالة حرب مع كل حلف شمال الأطلسي وليس فقط مع أوكرانيا".
معركة من أجل القلوب والعقول
بعد هجمات 11 سبتمبر من عام 2001، شرع السياسيون والقادة العسكريون الأمريكيون في "كسب القلوب والعقول" في العراق ودول الشرق الأوسط الأخرى.
و تقول نادية عويدات، الأستاذة المشاركة في جامعة كانساس وزميلة برنامج الشرق الأوسط في مركز وودرو ويلسون الدولي: "ولكن بعد عقدين من الزمان، تلعب روسيا الآن دورا رئيسيا في معركة كسب قلوب وعقول العالم العربي".
وقد درست عويدات الطريقة التي تتم بها تغطية الحرب في أوكرانيا في الدول العربية.
وتوضح قائلة إن الحقيقة الأساسية هي أن الشباب يشكلون الأغلبية في الدول العربية حيث يبلغ عمر 60 في المئة من السكان الآن أقل من 25 عاما ويستخدمون الشبكات الاجتماعية، ويقرؤون ما ينشر في موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر، لكن المعلومات باللغة العربية حول الصراع الأوكراني تأتي بشكل أساسي من القنوات المرتبطة بروسيا.
وهذا يعني أن الشباب العرب يقرؤون تفسيرا للأحداث تقدمه روسيا وليس أوكرانيا أو العالم الغربي، ولا توجد وجهة نظر بديلة تقريبا، والكمية الضئيلة التي تظهر من القنوات المستقلة تختفي حتما مقابل آلاف الرسائل من وسائل الإعلام الروسية الناطقة بالعربية.
وذكرت دراسة مسحية حديثة عن مشاعر الشباب في الدول العربية أن الشباب ينجذبون بالفعل إلى روسيا أكثر من الولايات المتحدة حيث يصف 70 في المئة روسيا بأنها حليفة، و26 في المئة وصفها بأنها عدو، بينما يصف 57 في المئة الولايات المتحدة بأنها حليفة، ووصفها 41 في المئة بأنها عدو.
ويتم إذكاء المشاعر المعادية للغرب بانتظام على منصات الإنترنت الناطقة بالعربية حيث تتكرر الكتابات حول الاستعمار والمعايير المزدوجة للغرب، ومن الموضوعات المتكررة في هذا الإطار الاختلاف في المواقف تجاه اللاجئين من أوكرانيا الذين تم الترحيب بهم بحرارة في أوروبا مقارنة باللاجئين من اليمن وسوريا وأفغانستان الذين تم "عزلهم وراء السياج".
وتقول نادية عويدات: "لا يتم الدفاع عن الأعراف الديمقراطية أو حتى شرحها، حيث لا يوجد تشكيك في هذه الرواية".
ويقول أحمد نور المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في قسم المتابعة الإعلامية في بي بي سي: "يتمثل تكتيك وسائل الإعلام الروسية في إغراق مستهلكي الأخبار العربية بكمية هائلة من الرسائل للوصول إلى نطاق أكبر من المعسكر المعارض".
وأضاف قائلا: "لقد نجحوا في الغالب في ضوء نسبة المشاهدة وأرقام الوصول، وهناك بعض الروايات الغربية المضادة باللغة العربية ولكنها ليست مؤثرة من حيث المدى مثل الروايات الروسية".
ومضى يقول إن العامل الآخر الذي ربما ساعد وسائل الإعلام الروسية في اكتساب المزيد من الشعبية بين الجمهور العربي هو أن العرب ينتقدون وسائل الإعلام الغربية منذ بداية الحرب.
ومن الأساليب تستخدمها وسائل الإعلام الروسية في الفضاء الناطق بالعربية تحويل النقاش بعيدا عن الحرب في أوكرانيا، ونشر بيانات حول المعايير المزدوجة للغرب، ومقارنة الوضع الحالي بالحروب السابقة في الشرق الأوسط.
وتابع قائلا:"يُنظر إلى روسيا على أنها داود الذي يقاتل جالوت، وأنها صاحبة حق أكثر، أو أنها تعارض الغرب الذي يتم تصويره باستمرار على أنه مستعمر شرير".
ويقول المحلل السياسي السعودي منصور المرزوقي من معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية في الرياض: "لا أرى فرقا على الإطلاق بين غزو جورج بوش للعراق عام 2003 وغزو بوتين لأوكرانيا".
وأضاف قائلا:"الرياض ليست جزءا من هذا الصراع ولا تريد أن تكون جزءا من هذا الصراع".
ويتفق كيريل سيميونوف، الخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية، على أن "قضية الأزمة الأوكرانية ، التي تحاول الولايات المتحدة وأوروبا فرضها على العالم العربي ، ليست قريبة من الدول العربية".
ويضيف قائلا إن الحرب في اليمن أهم بكثير بالنسبة للشرق الأوسط، وهي في نظر العديد من دول المنطقة مثل الحرب في أوكرانيا تماما، لذلك فإن موقف روسيا بالنسبة للعديد من البلدان ليس غير مفهوم وغير قابل للتفسير، كما هو الحال، على سبيل المثال، في أوروبا".
عالم جديد شجاع وما علاقة سوريا به؟
إن الانتصار الروسي سيضيف حججا لأولئك الذين يبحثون عن نموذج حكم يختلف عن الديمقراطية، وتحول في الجغرافيا السياسية، ونظرة جديدة على القانون الدولي، ونموذج أمني مختلف.
لم تؤد الاحتجاجات الدموية في عام 2011، والتي دخلت التاريخ باسم "الربيع العربي"، إلى تغييرات ديمقراطية بل كان لها تأثير معاكس على العالم العربي، فمنذ ذلك الحين تحولت جميع البلدان في المنطقة تقريبا نحو الاستبداد حيث فقدت ما تبقى من الإيمان بالديمقراطية.
وأظهر آخر استطلاع للرأي العام أجرته شبكة الباروميتر العربي لصالح بي بي سي نيوز أن الناس في العالم العربي يفقدون الثقة في أن الديمقراطية يمكن أن تحقق الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتقول أنيسي فان إنغلاند، الأستاذة المشاركة في جامعة كرانفيلد: "إذا نجحت روسيا في أوكرانيا، فسيكون هناك الكثير من الشهية في الشرق الأوسط لعمل نسخة مصغرة من روسيا".
وتستغل روسيا حقيقة أن الولايات المتحدة فقدت الاهتمام بالشرق الأوسط وتحاول منذ فترة طويلة ملء الفراغ الناتج عن ذلك. ويشير العديد من الخبراء الآن إلى أن الحرب في سوريا، ولا سيما دخول روسيا في ذلك الصراع، تُمثل نقطة التحول التي غيرت ميزان القوى والمواقف تجاه روسيا والعالم.
ويقول فابريس بالانش، الأستاذ المشارك ومدير الأبحاث في جامعة ليون 2 و الزميل المساعد في معهد واشنطن: "لقد أظهرت روسيا ما يمكنها فعله في سوريا حيث أظهرت قوتها الصارمة، والعالم العربي يحترم القوة ويحترم روسيا بالمثل".
ولم تف الولايات المتحدة بوعدها بمعاقبة النظام السوري لاستخدامه أسلحة كيماوية، وهو ما أطلق يد بشار الأسد وحليفته الرئيسية روسيا.
ويقول بالانش إنه منذ ذلك الحين تعتقد الدول العربية أن الغرب ليس قويا مثل روسيا ولا يمكنه استخدام القوة كما يفعل بوتين.
يقول الخبراء إن روسيا مارست تكتيكاتها الحربية في سوريا أولا حيث تعرضت حلب لغارات جوية لعدة أشهر وهو الأمر الذي تكرر في ماريوبول لاحقا
ويضيف قائلا: "لم تعد الدول العربية تخشى الولايات المتحدة أو العقوبات الغربية، وإذا لزم الأمر يمكنها اللجوء إلى روسيا".
ومضى بالانش يقول: "كانت الحرب في سوريا بمثابة نهاية للهيمنة الغربية على العالم، فلأول مرة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، منعت روسيا الإطاحة بنظام، وكان القذافي آخر زعيم أُطيح به، لقد كان هناك تحول في 2011-2016 ".
ويعتقد بالانش: "إنهم يدركون أن روسيا أصبحت قطبا جديدا نوعا ما، قوة جديدة في العالم متعدد الأقطاب الجديد الذي يتحدث عنه بوتين كثيرا".
وحصل القادة العرب من الحرب السورية على انطباع بأن روسيا مخلصة "لا تتخلى عن حلفائها"، بينما لم تدعم الولايات المتحدة مبارك في مصر أو زين العابدين بن علي في تونس، اللذين أُطيح بهما بعد موجة الاحتجاجات خلال الربيع العربي.
النفط والغاز والحبوب
لقد أثرت الحرب في أوكرانيا بالفعل على عدة قطاعات مهمة لاقتصاد العالم العربي من النفط والغاز والواردات الزراعية إلى تجارة الأسلحة والسياحة.
ويعمل الوضع الحالي لصالح الدول النفطية في الخليج حيث يسمح ارتفاع أسعار الطاقة لتلك الدول بكسب المزيد وزيادة إمدادات الغاز إلى أوروبا.
وتعتمد لبنان وتونس ومصر على الحبوب الروسية، وينتقل رجال الأعمال الروس إلى دولة الإمارات، وتدعم مصر وروسيا أحد الأطراف المتحاربة في ليبيا المجاورة.
وتشتري الجزائر أسلحة من روسيا، ويأمل المغرب في صوت روسيا في مجلس الأمن في نزاع الصحراء الغربية بينما تُعد إيران وروسيا حليفتين في سوريا.
لا يساور العالم الغربي شك في أن ولي عهد المملكة العربية السعودية كان على علم بعملية قتل الصحفي جمال خاشقجي
وتتواصل دول الخليج مع روسيا كجزء من أوبك + ولم تستمع بعد إلى مطالبات الولايات المتحدة وأوروبا بزيادة إنتاج النفط.
وكانت العلاقات قد توترت بين محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة منذ مقتل الصحفي جمال خاشقجي في تركيا.
وأشارت وكالات المخابرات الأمريكية بإصبع الاتهام إلى محمد بن سلمان شخصيا، زاعمة أنه هو على وجه التحديد الذي وافق على مقتل خاشقجي، الصحفي الذي كان ينتقد السلطات باستمرار وانتقل إلى الولايات المتحدة بسبب آرائه السياسية.
وكان بايدن قد تعهد مجددا في عام 2019 بأن السعودية ستدفع ثمن القتل الوحشي لخاشقجي.
وكتبت مارغريت دين، وهي مساعد باحث في معهد واشنطن: "نظرا لأن العديد من الدول في الشرق الأوسط حريصة على تحقيق التوازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة وروسيا، فقد تكون عالقة في المنتصف فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا".
وقد يؤدي الاستياء العام من الطريقة التي تتعامل بها السلطات مع أزمة أخرى ناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا إلى احتجاجات ويزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وما وراءه.
ويقول الخبراء إن موقف العالم العربي من الحرب في أوكرانيا سيعتمد على نجاح أو فشل روسيا.
وتقول ميريسا كورما من مركز ويلسون إن الدول العربية براغماتية وستراقب كيف تتصرف الولايات المتحدة حيث تظل واشنطن حليفا مهما للعديد من البلدان في المنطقة.
وفي الوقت الحالي، يعتقد الخبير الروسي كيريل سيميونوف أن مكانة موسكو في الشرق الأوسط لا تزال آمنة.
وقال لبي بي سي إن "نفوذ روسيا في المنطقة سيبقى كما هو، وستكون روسيا قادرة على الحفاظ على جميع مواقعها، لا شيء يشير، حتى الآن، إلى أنها تضعف".
فيديو قد يعجبك: