لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مستشفيات تيجراي "ال​محاصرة" أصبحت مقابر.. أطباء لـ مصراوي: "لا أدوية ولا أكسجين"

10:14 م الخميس 18 أغسطس 2022

تقرير - سلمى سمير:

أتى الصباح وخرج دكتور "كيبوروم جبريسيلاسي" إلى عمله دون تناول وجبة الإفطار، لم يكن هذا حاله وحده، بل كان حال أصدقائه من الأطباء أيضًا داخل إقليم تيجراي، الذين يساعدون المرضى المتضورين جوعًا. يحاول أحدهم تضميد جراح أحد المرضى ليكتشف نفاد القطن، فيستعيض عنها بقصاصات أقمشة عادية.

يمضي "كيبوروم" بعدها ليُكمل يومه الروتيني داخل المشفى، يقبض بأصابعه على لقيمات صغيره علها تعينه على ذلك اليوم، فيما يستوقفه مريض آخر يعاني من السرطان -في مرحلته الثانية-، فما يلبث الطبيب أن يراه، حتى يُخبره بأن يرحل. يتعجب المريض كونه في أكبر مستشفيات تيجراي، يلتفت إليه الطبيب سريعًا ويقطع تعجبه قبل أن يُكمل حديثه: "لا توجد أدوية الآن".

هذه المشاهد ليست استثنائية في مستشفيات تيجراي، ولكنها أصبحت روتينية، يتعرض لها الأطباء، ويُعاني منها المرضى.

لم تكد الحرب الأهلية في إثيوبيا تعكس دفتها، وتنتهي بانتصار حكومة أديس أبابا، مع بداية الحرب في نوفمبر 2020 حتى بدأ رئيس الوزراء آبي أحمد حربًا من نوع مختلف، وفرض حصارًا مُحكمًا على إقليم تيجراي طال حتى الأدوية والأجهزة الطبية الضرورية، ما تسبب في مقتل مئات المرضى داخل المستشفيات خلال الـ3 أشهر الماضية فقط، وفق ما أكدته مصادر طبية وأممية متفرقة.

وسط ذلك الحصار قطعت السلطات الإثيوبية، خدمات الاتصال والكهرباء والتحويلات المصرفية وانقطعت الاتصالات بين الكثيرين، لكن استطاع مصراوي التواصل -في ظل هذه الأجواء الصعبة- مع المدير الفني لمشفى آيدر دكتور كيبوروم جبريسيلاسي ديستا، وهو أكبر مستشفى في تيجراي، والتي خرجت عن الخدمة مؤخرًا مع عدم قدرتها على تقديم الخدمات الطبية اللازمة وسط نقص المستلزمات الطبية وإعاقة وصول المساعدات.

تنحصر أغلب الصعوبات التي تواجه وصول المساعدات -حسب وصف كيبوروم- في أنها لا تصل بالقدر الكافي أو يتم احتجاز بعضها من قبل الحكومة الإثيوبية: "يقومون بحظر المساعدات أو تقليلها تحت ذرائع عدة، على سبيل المثال الوقود، يقولون إنه يمكن استخدامه من قبل متمردو التيجراي وصولاً للأدوية التي يمكن استخدامها لمعالجة المحاربين وغير ذلك الكثير".

وبدأت الحرب بعد أن عزم رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد على تطهير الإقليم من قادته بعد رفضهم الخروج واستعان بقوات من الجيش الإريتري وقوات إقليم الأمهرة، وكانت الجبهة قد تقدمت على الجيش الإثيوبي حتى صارت على أعتاب العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في نوفمبر 2021لكن سرعان ما رجحت الكفة مرة أخرى لصالح الجيش الإثيوبي وشن عدة هجمات على الإقليم.

الأدوية غير كافية والوفيات بالمئات

بسبب نقص المساعدات؛ يموت المرضى داخل مستشفيات تيجراي، خاصة أصحاب الأمراض المزمنة، حيث بلغ عدد الوفيات 252 حالة في الـ3 أشهر الأخيرة معظمها بسبب نقص المضادات الحيوية والأوكسجين، وذلك وفقًا لإحصائية صادرة عن مستشفى آيدر -حصل مصراوي على نسخة منها-.

"يُعتبر نقص الأكسجين السبب الرئيسي لوفاة حديثي الولادة" يتحدث كيبوروم عن الوضع حيث يتم استخدام أدوية منتهية الصلاحية بعضها قد مرّ عليها أكثر من عام فضلاً عن غسل القفازات الطبية وإعادة استخدامها كما صرحت سابقاً هارنت سيومي العاملة في إدارة مخيمات النازحين في ميكيل التابعة للأمم المتحدة، لمصراوي.

صورة 1رغم تنوع مصادر المساعدات؛ تأتي المشكلة من عدم سدّ المساعدات لفجوة الاحتياجات الأساسية: "نحن مستشفى كبير ولدينا عدد كبير من المرضى لمساعدتهم لكن المساعدات قليلة كما تمنع الحكومة الإثيوبية العديد من رحلات المساعدة سواءً عن طريق الطائرات أو الشاحنات"، يقول كيبوروم، الذي تحدث عن آخر مرة وصلت لهم أنواع محددة من الأدوية عن طريق الرحلات، فلم تصل أدوية علاج السرطان منذ أكثر من عام كما أن مرضى السرطان يتم إعطائهم أدوية الباراسيتامول في ظل نفاد الأدوية وفق الجارديان.

يُعتبر مرضى السرطان هم الأكثر تأزمًا مع إرسالهم لمنازلهم لقضاء آخر أيامهم، خاصة مع عدم وصول الأدوية منذ ثلاثة أشهر، يقول كيبوروم.

وفي تقرير سابق لأسوشيتدبرس؛ ذكر أن 60 مريض كلى ماتوا في أقل من عام لنقص إمدادات الغسيل الكلوي، ويُعد مشفى آيدر هو الملجأ الوحيد لمرضى الكلى باعتباره الوحيد الذي يحوي أجهزة الغسيل الكلوي في إقليم تيجراي والمناطق المجاورة له من عفار وأمهرة والتي يبلغ عدد سكانهم 9 ملايين نسمة.

وفي تقرير للمجلة الدولية لأمراض الكلى؛ نشرت أن أكثر من نصف مرضى الكلى في إقليم تيجراي قد ماتوا بعد جلسات الغسيل الكلوي المتقطعة التي أدت إلى جلسات غسيل دون المستوى الأمثل في مسح أُجري من الفترة نوفمبر 2020 إلى أبريل 2022.

وسط ذلك يغلي الوضع خطورة للحالات الحرجة، مع نفاد أدوية التخدير بشكل نهائي مما يعني عرقلة العمليات الجراحية التي يقول كيبوروم إنهم توقفوا عن إجراءها فهم لا يجرون إلا العمليات الضرورية فقط، إضافة إلى مضادات حيوية لم تصل منذ عام وأنواع أخرى لم تصل منذ 3 أشهر، وصل الأمر إلى الأساسيات أهمها الأكسجين، الذي أدى لوفاة 41 مريض في مايو بسبب نقصه هو والعناية المركزة والمضادات الحيوية، منهم 14 طفل من حديثي الولادة، ووفق تقديرات يعتبر يونيو هو الأقل من حيث كمية الأدوية، انتقل التدهور إلى أبسط الأمور مثل الغرز التي تُستخدم لخياطة الجروح فهي ممنوعة أساسًا من الدخول إليهم.

صورة 2

معوقات وصعوبات

لا يزال من الصعب الوصول لبعض المناطق في إقليم تيجراي وذلك رغم الهدوء النسبي الذي تشهده المنطقة وسط إعلان الحكومة الإثيوبية هدنة أحادية الجانب وإعلانها مؤخراً رغبتها في خوض مفاوضات سلام برفقة الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي، وذلك وفق تقرير الأمم المتحدة والذي حدد المناطق التي يصعب الوصول إليها وهي المنطقة الشمالية والغربية من تيجراي التي ينعدم فيها الأمن كونها تحت سيطرة الحكومة.

دفع تدهور الوضع لإفادة منظمات مثل أطباء بلا حدود واللجنة الدولية للصليب الأحمر أن معظم المرافق الصحية في المنطقة قد دُمرت ولم يعد بإمكانها تقديم الخدمات الطبية، ونتج عن ذلك نقص حاد في عدد العاملين في القطاع الطبي، لهروبهم من الجوع إلى أديس أبابا من خلال الطرق الخطيرة بحثاً عن فرص معيشية أفضل، كما يقول دكتور فاسيكا أمديسلسي الطبيب في مستشفى آيدر لمصراوي.

وفي تصريح لمصراوي قالت دكتور كريستيان جيه ليونر رئيس مجلس إدارة مؤسسة إثيوبيا ويتن الموجودة في ألمانيا، إن الأطقم الطبية في تيجراي تتضور جوعاً لمساعدة المرضى محاولة توفير المساعدة بشتى الطرق من تواصل مع المتبرعين الأجانب والباعة المحليين لإيجاد الطعام للموظفين والمرضى والنساء الحوامل.

تعاود طريقة تعامل الأطباء مع المرضى في تيجراي لحقبة القرن الـ18 وذلك وفق تصريحات كريستيان التي أكدت على محاولة الأطباء تقديم أقصى جهدهم ولكن ليس على أساس تكنولوجي، حتى أن الأمر تفاقم ووصلت تداعياته إلى الصعيد الدولي مع دعوة الاتحاد الأوروبي في يونيو الحكومة الإثيوبية، إلى فكّ الحصار الجزئي المفروض على تيجراي لوصول المساعدات.

ممارسات طبية تعود للقرن الـ18

تداعي الإمكانيات، دفع الأطقم الطبية إلى تدبُر أمورهم، فرغم أن القُفازات الطبية المستخدمة مكانها سلة المهملات، لكن في تيجراي تقوم الممرضات بغسلها وإعادة استخدامها عدة مرات. أما القطن -أبسط المستلزمات الطبية- عوضه الأطباء بالأقمشة العادية مع قصها لاستخدامها كبديل للقطن.

تنديدات المنظمات

منظمة الصليب الأحمر، قالت إنها تحاول التركيز على الفئات الأكثر احتياجًا، لكن لم يعد بمقدورها المساعدة لنقص الإمدادات الطبية، ووفق كيبوروم فأن المساعدات لا تصل إلا بواسطة منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر، والذين لم يحصلوا على تصريح لجلب الأدوية من أديس أبابا.

ويقول مسؤول العلاقات العامة التابع لمنظمة الصليب الأحمر، جود فوهنوي، في تصريحات لـ مصراوي، إنهم لا يمتلكون إحصائيات رسمية حول عدد الوفيات: "نواصل دعمنا للمستشفيات والمرافق الصحية الأولية من خلال الإمدادات الطبية والجراحية الطارئة لكن الحالة في تيجراي لا تزال مقلقة وتستدعي استجابة للحالات الإنسانية العاجلة".

يعاني مرضى تيجراي، لا يحصلون على أدويتهم، ويعجز المستشفى عن توفير وجباتهم الغذائية. ورغم أن مستشفى آيدر من أكبر المستشفيات هناك، إلا أنهم لم يحصلوا على مساعدات غذائية من برنامج الأغذية العالمي حتى الآن، -بحسب "كيبوروم"-.

ووفق تقرير لصحيفة "ذا إيست آفريكن" نقلاً عن مسئولي الصحة في المستشفى أفاد بإنه 240 مريض أُرسلوا إلى منازلهم في أبريل لنقص الإمدادات الغذائية فضلاً عن عدم توافر المستلزمات الطبية، يقول كيبوروم: "مقارنة بالأشهر الماضية.. الوضع أصبح أسوأ.. حاليًّا لا يوجد لتر واحد من الوقود وبالتالي لا يمكننا نقل سيارات الإسعاف إضافة لعدم قدرتنا على تشغيل المولدات ولم يعد بإمكاننا استقبال مرضى السرطان".

صورة 3وفي تصريح لمصراوي قال دكتور عبادي ليول، كبير أطباء الأطفال في فرع منظمة الصحة العالمية في ميكيل، إنهم قد تواصلوا مع وزارة الصحة الإثيوبية بشأن أزمة الدواء في الإقليم لكنهم يقولون إنهم لا يعرفون شيئًا عما يحدث لكنهم ينفذون الأوامر التي تُعطى لهم بواسطة الحكومة، وحاول مصراوي التواصل مع وزارة الصحة الإثيوبية للحصول على توضيح بشأن اتهامات منع المساعدات لكن لم يتم الرد.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان